ترجمات

لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تطلب المزيد من المملكة العربية السعودية؟

بقلم: ستيفن سيمون وآرون ديفيد ميلر
المصدر: صحيفة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز

على مدى الأشهر القليلة الماضية، تمّ سكب الكثير من الحبر، بما في ذلك من قِبلنا، حول الاحتمال الجذاب لاتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي بوساطة أمريكية، وتم تخصيص قدر كبير من هذا الحبر لما يجب على إدارة بايدن تقديمه للسعوديين لتسهيل مثل هذه الصفقة.

إن المطالب السعودية المعلن عنها من قبل الولايات المتحدة كبيرة، بل وتاريخية، معاهدة دفاع تم الموافقة على التصديق عليها من قِبل مجلس الشيوخ الأمريكي مع التزام بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لهجوم؛ ومساعدة الولايات المتحدة في بناء برنامج نووي مدني مع درجة معينة من السيطرة السعودية على دورة الوقود، مما يمكّن البلاد من تخصيب المواد الانشطارية التي يمكن أن تصل إلى درجة صنع الأسلحة؛ والوصول إلى المزيد من أنظمة الأسلحة الأمريكية.

أما الأمر الأقل وضوحًا والأقل مناقشةً فهو ما ستطلبه إدارة بايدن من الرياض، ومع ذلك، فهو ليس سؤالًا عادلًا فحسب، بل إنه سؤال حتمي يجب طرحه، خاصة بالنسبة للكونغرس الأمريكي، الذي ستكون موافقته على أي تنازلات مطلوبة، ويبدو أن التعويض الأمريكي الأساسي هو موافقة السعودية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مرارًا وتكرارًا مثل هذا الاتفاق بأنه “تحويلي”، وقد يكون الأمر كذلك بالنسبة لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكنه لا يتناسب من الناحية الاستراتيجية مع ما يُطلب من الولايات المتحدة دفعه، ويُطلب منهم دفع ثمن باهظ بالفعل.

يبدو أن السعوديين يضغطون من أجل التزام يتجاوز بكثير أيًّا من اتفاقيات التعاون الدفاعي التقليدية التي وقعتها الولايات المتحدة مع العديد من شركائها وحلفائها أو تصنيف الحليف من خارج الناتو الذي منحته للآخرين، وتبحث الرياض عن شيء أكثر إلزامًا بكثير، أقرب إلى التزام مثل المادة الخامسة لحلف شمال الأطلسي.

يبدو أن إدارة بايدن تدرس شيئًا مشابهًا للمعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة مع اليابان في عام 1960، والتي تلتزم فيها الولايات المتحدة، في حالة وقوع هجوم مسلح على اليابان، “بالعمل على مواجهة الخطر المشترك بما يتوافق مع أحكامه وعملياته الدستورية”.

من الواضح أن نوعًا ما من العمل العسكري هو ما كان يدور في أذهان الموقعين، ولكن لا تزال هناك مرونة كبيرة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالطريقة التي قد تختار بها الرد على وجه التحديد، وينطبق هذا أيضًا على المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك، سيظل هذا التزامًا رسميًا، وافق عليه الكونغرس ودخل في القانون الأمريكي المحلي، وبمجرد دخوله حيز التنفيذ، يصبح من الصعب تصور أي مجال للمناورة، وهذا أحد الأسباب وراء توقف الكونغرس عن الموافقة على التصديق على المعاهدات التي تلزم الولايات المتحدة بالعمل العسكري منذ فترة طويلة.

فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، من الممكن أن يكون مثل هذا التزام أكثر تعقيدًا، المملكة العربية السعودية دولة يحكمها الاستبداد وتمارس القمع، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع خصوم الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين.

الولايات المتحدة ليس لديها التزام أمني مشابه تجاه أي دولة أخرى في المنطقة، حتى مع إسرائيل كأقرب حليف لها، بيئة الأمن المحيطة بالمملكة العربية السعودية معقدة بسبب العديد من النقاط الضعيفة التي تواجهها البلاد، التهديد الرئيسي للرياض ليس في الغزو البري التقليدي من جار معادي، بل بدلًا من ذلك في التخريب الداخلي أو هجمات صواريخ كروز وطائرات بدون طيار من إيران أو أي من الميليشيات الموالية لإيران.

هل ستكون الولايات المتحدة ملزمة بالتصعيد والتدخل المباشر ضد إيران أو اليمن في رد فعل على كل غارة جوية ضد المملكة العربية السعودية؟.

من الجدير بالذكر أيضًا أن مثل هذا الالتزام الدفاعي المتبادل سيكون بمثابة تغيير جذري للمملكة العربية السعودية، التي قاومت لعقود من الزمن إقامة أي علاقات دفاعية رسمية مع الولايات المتحدة.

على عكس جيرانها في الخليج، لم تدخل المملكة العربية السعودية أبدًا في اتفاقية تعاون دفاعي مع الولايات المتحدة، ولم توافق على أن تصبح حليفًا من خارج حلف الناتو، مع استفادة من امتيازات عسكرية واقتصادية دون الالتزام الأمني، كما قاومت إقامة قواعد دائمة للقوات الأمريكية في المملكة.

إن استعداد الرياض الآن للتعهد بالتزام أمني رسمي مع واشنطن يشير بقوة إلى اقتناعها بأنها لا تستطيع أو لا ترغب في الدفاع عن نفسها.

بالنسبة للإدارة الأمريكية التي سعت إلى إعادة ترتيب أولويات التزاماتها في المنطقة مع تزايد أولويات أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن هذا يجب أن يكون تحذيرًا واضحًا باللون الأصفر.
إن تلبية المطالب النووية للمملكة العربية السعودية سيكون أيضًا أمرًا نادرًا ما تفعله الولايات المتحدة وسيمثل خروجًا تاريخيًا عن سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد بشأن منع الانتشار النووي.

على عكس دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وقعت اتفاقًا يمنع إمكانية استخدام التكنولوجيا النووية المصدرة من قبل الولايات المتحدة للتحكم في دورة الوقود، وتخزين المواد الانشطارية، وتخصيبها إلى درجة صنع الأسلحة، يبدو أن المملكة العربية السعودية تريد درجة معينة من السيطرة على دورة الوقود.

وبالنظر إلى وضع إيران كدولة على عتبة امتلاك أسلحة نووية وتأكيدات ولي العهد السعودي العلنية على أنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، فإن المملكة العربية السعودية بحاجة إليها أيضًا، فإن الطلب السعودي هو طلب مجري، ومن وجهة نظرنا، لا ينبغي تلبيته تحت أي ظرف من الظروف، ومهما يكن الأمر، فإن أي تنازل للسعودية على هذا المنوال سيكون تطورًا دراماتيكيًّا.

من المؤكد أن إدارة بايدن تدرك أهمية هذه الطلبات السعودية فهي ليست معاملات بسيطة ولكنها التزامات قادرة على تغيير العلاقة الأمريكية السعودية، ينبغي أن يكون واضحًا أن مثل هذه الطلبات ذات الأهمية الكبيرة تتطلب معاملة بالمثل بنفس الأهمية.

على الرغم من أهمية العلاقات الطبيعية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، إلا أنها لا تقترب بأي حال من مستوى المقايضة ذات الأهمية المتساوية، كما أن اتفاق الرياض على مواءمة أسعار النفط مع أسعار واشنطن لن يكون ممكنًا، أما فيما يتعلق بسجل المملكة العربية السعودية المروع في مجال حقوق الإنسان، فسيكون من الجيد أن نرى هذا يتغير، لكن من الواضح أن هذا لا يمثل أولوية لهذه الإدارة، وما على المرء إلا أن يلاحظ الصمت العلني للإدارة بشأن التقارير التي تفيد بأن السعوديين قاموا بذبح مئات المهاجرين على الحدود اليمنية.

يبدو أن إدارة بايدن تسعى إلى الحصول على تنازلات من الرياض بشأن الصين، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يسعون للحصول على ضمانات من المملكة العربية السعودية بأنها ستنأى بنفسها اقتصاديًا وعسكريًا عن الصين، وقد يتضمن ذلك تأكيدات بأن الرياض لن تسمح للصين ببناء قواعد عسكرية في البلاد وسيتم فرض قيود على استخدام تكنولوجيا هواوي واستخدام الدولار الأمريكي لتسعير مبيعات النفط.

ومع ذلك، إن هذه التنازلات المتواضعة ليست كافية بالنسبة للمكافأة التي ستمنحها واشنطن للرياض، ويظهر أن هناك مطلبًا استراتيجيًا واحدًا يمكن أن يتوافق مع الوضع الراهن للولايات المتحدة، وهو التزام ملزم من المملكة العربية السعودية بقطع تدفق النفط إلى الصين في حالة الطوارئ التي تسبق أو تحدث أثناء الصراع المسلح بين الولايات المتحدة والصين.

يحتاج المخططون العسكريون الأمريكيون إلى قياس ما إذا كان الصراع المحتمل مع الصين سيكون طويلًا أم قصيرًا نسبيًا، ومن شأن الوعد السعودي الملزم بقطع إمدادات النفط السعودي عن بكين أن يساعد في الحد من حالة عدم اليقين هذه.

هل سيوافق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على التزاماته بموجب المعاهدة ويحترمها؟، هذا سؤال يبقى بدون إجابة محددة، وهناك أسباب للشك في ذلك، ولي العهد يتبع سياسة خارجية شاملة لا تقيده بأي قوة واحدة، ولكنه يسعى للحفاظ على علاقات وثيقة مع دول متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، وغيرها من الدول.

إلى ذلك، يشعر محمد بن سلمان بالقلق إزاء التواجد الأمريكي الدائم في المنطقة وقد يكون غير راض عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن المرجح أن يظل في السلطة لمدة طويلة، وربما يتعامل مع عدة رؤساء أمريكيين خلال فترة حكمه، لذلك، قد يعتقد أن مصالحه تتحقق بشكل أفضل من خلال التحالفات المتعددة القوى بدلًا من الاعتماد الدائم على الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المصالح السعودية بشكل كبير على العلاقات مع الصين، وخاصةً فيما يتعلق بقطاع النفط، يعتمد مستقبل المملكة إلى حد كبير على الطلب الصيني القوي على النفط، كما أن التعاون الوثيق مع روسيا ضمن إطار اتفاقية أوبك+ يلعب دورًا هامًا أيضًا، ولهذا السبب، يمكن تجاهل امتيازات الإنتاج السعودي للولايات المتحدة كمقايضة سعودية معقولة في هذا السياق.

كل هذا يعني أن التنازل الوحيد الممكن من الرياض، والذي يمكن أن يبرر بشكل معقول أي تنازل من واشنطن في المقابل، سيكون ضعيفًا في أفضل الحالات، نحن قلقون بشأن إمكانية أن تقدم الإدارة تنازلات كبيرة للسعودية دون الحصول على ما يكفي في المقابل، هذه مسألة أساسية يجب على الكونجرس مناقشتها مع البيت الأبيض مع الاستعداد لمناقشة ما يجب على الولايات المتحدة أن تقدمه مقابل التطبيع الإسرائيلي السعودي وما يُتوقع من السعوديين تقديمه في المقابل، المخاطر هائلة، وهذا النقاش يجب أن يبدأ الآن بجدية.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى