هل تحقق الصين نجاحًا في دور الوساطة بين الفصائل الفلسطينية؟
بقلم: إيمي ماكينون
ترجمة: بوليتكال كيز
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
أكثر من اثني عشر فصيلًا فلسطينيًّا، بما في ذلك الخصمان اللدودان فتح وحماس، وقعوا إعلانًا مشتركًا في بكين يوم الثلاثاء يتعهدون فيه بتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، رغم أن الخبراء يشككون في أن الدفعة الدبلوماسية التي ترعاها الصين ستنجح في تجاوز العداء المستمر بين المجموعتين.
المحادثات، التي بدأت يوم الأحد، كانت المرة الثانية التي يجتمع فيها ممثلون من حماس وفتح في العاصمة الصينية هذا العام، حيث سعت بكين بحذر إلى توسيع بصمتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط في خضم الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة.
أشاد وزير الخارجية الصيني وانغ يي بالاتفاقية، التي أطلق عليها اسم “إعلان بكين”، ووصفها بأنها “لحظة تاريخية لقضية تحرير فلسطين” في خطاب ألقاه عقب المحادثات.
سارعت وسائل الإعلام الصينية الرسمية إلى تصوير الإعلان باعتباره إنجازًا كبيرًا، وذكرت صحيفة “غلوبال تايمز” الناطقة بالإنجليزية أن “الصين قدمت مساهمة كبيرة أخرى في سلام واستقرار عالم يعاني من الاضطراب”، في حين وصفت وكالة الأنباء الرسمية “شينخوا” الاتفاقية بأنها “تجسيد حي لجهود الصين العملية لتعزيز بناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية”.
تدعو الوثيقة إلى تشكيل حكومة وحدة فلسطينية للإشراف على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة والضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل، ووضع الأساس لإجراء انتخابات عامة في نهاية المطاف.
حماس، الجماعة الإسلامية المسلحة التي كانت تحكم قطاع غزة حتى هذه الحرب الأخيرة، وفتح، الحزب السياسي العلماني الذي يسيطر على السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل، خاضتا حربًا أهلية مريرة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حيث سيطرت حماس على غزة وظلت المجموعتان متعارضتين بشدة منذ ذلك الحين.
وجاء الاتفاق بعد أسابيع فقط من تبادل التصريحات بين المجموعتين، مما أدى على ما يبدو إلى تصعيد التوترات، حيث اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يقود حركة فتح، حماس بالمسؤولية “القانونية والأخلاقية والسياسية” عن استمرار الحرب، واتهم كبار مسؤولي حماس فتح بالتحالف مع إسرائيل.
قال خالد الجندي، مدير برنامج شؤون فلسطين والعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط، إن العديد من الجهود الدبلوماسية على مر السنين لردم الفجوة بين المجموعتين اللتين تهيمنان على السياسة الفلسطينية قد باءت بالفشل، ويشك الخبراء في أن “إعلان بكين” سيكون له مصير أفضل.
وقال الجندي: “لا أعتقد أن هناك شيئًا جديدًا هنا، هناك العديد من الاتفاقيات، بدءًا من القاهرة في عام 2011، ولم يمض وقت طويل على بيان موسكو”، مشيرًا إلى جهود الوساطة السابقة، فقد استضافت روسيا عددًا من المحادثات بين الفصائل الفلسطينية في موسكو، كان آخرها في شباط/ فبراير الماضي.
أشار الجندي إلى أن “إعلان بكين” يفتقر إلى أي وصف لآلية تنفيذ تحول تعهداته إلى واقع، وقال مسؤول كبير في فتح لم يكشف عن اسمه لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن الاتفاق تم توقيعه إلى حد كبير احترامًا للمضيفين الصينيين.
قال خبراء إقليميون إن الصين كانت تستخدم هذه المحادثات لتعزيز أوراق اعتمادها الدبلوماسية، حيث تسعى بشكل متزايد لمنافسة الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
وقال أساف أوريون، مدير برنامج إسرائيل والصين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: “أعتقد أن هذا سعي لتحقيق سمعة دبلوماسية رخيصة، في الأساس، مما يمكن الصين من تصوير نفسها كوسيط قوي في الشرق الأوسط، الذي كان مجالًا للولايات المتحدة”.
لطالما كانت بكين تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع الفلسطينيين، وفي عام 1988، أصبحت الصين واحدة من أوائل الدول في العالم التي تعترف بدولة فلسطين، في حزيران/ يونيو 2023، وقعت الصين اتفاقية شراكة استراتيجية مع السلطة الفلسطينية في بكين، حيث التقى الرئيس عباس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
قال أحمد عبودوه، الخبير في تصاعد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، إن الدفعة الدبلوماسية التي تقودها الصين لتحقيق الوحدة الفلسطينية تبعث رسالة قوية إلى دول الجنوب العالمي والعالم الإسلامي، حيث كان هناك رد فعل قوي ضد الحملة العسكرية الإسرائيلية القاسية في غزة، حيث تسعى بكين إلى وضع نفسها كبديل للنظام الذي يقوده الغرب في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد.
ولكن لا أحد في إسرائيل يعتبر الصين وسيطًا جادًا، وفقًا لأساف أوريون، أدان وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس الاتفاق في بيان على منصة X (تويتر سابقًا)، وقال: “بدلًا من رفض الإرهاب، يحتضن محمود عباس قتلة ومغتصبي حماس، في الواقع، لن يحدث هذا لأن حكم حماس سيتم سحقه، وسيشاهد عباس غزة من بعيد”.
تاريخيًا، قدمت واشنطن الدعامة الأساسية للجهود الدبلوماسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهي جزء من الجهود المستمرة مع قطر ومصر للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وتأمين الإفراج عن الرهائن المتبقين في غزة.
من ناحية أخرى، تتحدث محاولة الصين لتأمين اتفاق بين الفصائل الفلسطينية عن نهج بكين في الأزمات الحرجة، حيث تركز على جزء من الأزمة، وقال عبودوه: “تلعب الصين دورًا حاسمًا في المبادرات الصغيرة لتسليمها إلى الأمم المتحدة وتهميش الولايات المتحدة”.
كان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أيضًا في بكين يوم الثلاثاء لمناقشة سبل إنهاء الحرب مع روسيا، في زيارته الأولى إلى الصين منذ أن بدأت موسكو غزوها الشامل لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022.
قال الجندي إنه على الرغم من أنه من غير المتوقع تحقيق اختراقات كبيرة نتيجة المحادثات الأخيرة في بكين بين الفصائل الفلسطينية، فإن التقارب السياسي بين حماس وفتح سيكون حاسمًا للحكم الفعال في غزة بعد الحرب، ومع عزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القضاء على حماس بعد هجومها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ترى الولايات المتحدة أن السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح هي أفضل مرشح لملء الفراغ في السلطة في القطاع بعد انتهاء القتال، وهو مقترح رفضه نتنياهو بشدة.
ولكن على الرغم من أن الحرب قد قللت بشكل كبير من قدرات حماس العسكرية والحكومية، فإن المسؤولين والخبراء الأمريكيين يشككون في إمكانية القضاء الكامل على الجماعة وأيديولوجيتها، وهذا يثير احتمال أن حماس قد تستمر في عرقلة الأمور في غزة إذا عادت السلطة الفلسطينية للحكم في القطاع، ما لم يتم التوصل إلى نوع من الهدنة بين المجموعتين.
وقال الجندي: “لا توجد طريقة لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة والقدرة على العمل دون موافقة حماس على الأقل، حتى لو لم يكونوا في الحكومة، لديهم القدرة على التعطيل”.