سالم عبد الهادي يكتب في “بوليتكال كيز | Political Keys”: كيف غطت حرب إسرائيل وغزة على حرب روسيا وأوكرانيا؟
في أحد أيام الشهر الماضي، دخل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي إلى إحدى قاعات اجتماع القادة الأوروبيين في بروكسل، فوجدهم يتكلمون الحرب، لكن الحرب التي كانوا يتكلمون عنها لم تكن حربه.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تغيب القضية الأوكرانية عن المشهد بوضوح، وتصبح ثانيًا في قائمة الاهتمامات بالنسبة للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تركز هذه الدول على دعم إسرائيل لمواجهة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ودعمها لردع بقية الأطراف الإقليمية مثل حزب الله عن التورط في الصراع.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات لإسرائيل، وحركت بوارجها البحرية وحاملات طائراتها في البحر الأبيض المتوسط من أجل إسرائيل، وعلاوة على ذلك أرسلت جنودًا وضباطًا وجنرالاتٍ أمريكيين إلى إسرائيل لتقديم الاستشارات للجيش الإسرائيلي، وبحسب بعض المصادر مساعدته عسكريا على الأرض.
في المقابل، لم ترسل الولايات المتحدة سوى بعض المساعدات لأوكرانيا لا تقارن بما تقدمه لإسرائيل، وهذه المساعدات تم إرسالها بعد كفاح طويل من بايدن وإدارته في الكونجرس.
زيلنسكي المسكين، سارع لإعلان تضامنه مع إسرائيل وإدانة حماس، وطلب زيارة القدس لكن طلبه قوبل بالرفض، وما يزال مرتميًا في أحضان الحكومات الغربية يرجو الاهتمام والدعم السابق، لكنه لا يجد سوى ردود أفعال باردة مقارنة بالسابق.
أمس الجمعة 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات عسكرية صغيرة لأوكرانيا، ورغم ذلك فإن هذه المساعدات لن تصل على الفور إلى ساحة المعركة، حيث يجب شراء الذخائر من صناعة الدفاع أو الشركاء، بدلًا من استخلاصها من المخزونات الأمريكية.
ويأتي ذلك وسط معارضة الجمهوريين المتشددين استمرار المساعدة لكييف، وكل ما سبق يضع مستقبل المساعدات الأمريكية لأوكرانيا موضع شك، وبالتالى الشك في قدرة أوكرانيا على استمرار مواجهة الجيش الروسي.
ما سبق ذكره، كان على المستوى الميداني، لكن لنلق نظرة كيف غطت حرب إسرائيل وغزة على حرب روسيا وأوكرانيا على مستوى الشعبي، فبعد أن كان تعاطف الشعوب الغربية ذاهبًا مع الأوكرانيين، تم نسيانهم تماما اليوم وتوجه تعاطف معظم الشعوب الغربية باتجاه الإسرائيليين، في حين توجه تعاطف جزء لا بأس به من الشعوب الغربية باتجاه الفلسطينيين بعد المجازر التي ارتكبتها إسرائيل وما تزال ترتكبها في غزة.
الغرب يطرح احتمالية المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا على الطاولة
بالفعل، وبحسب شبكة NBC، فقد بدأ المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون التحدث مع الحكومة الأوكرانية حول ما قد تنطوي عليه مفاوضات السلام المحتملة مع روسيا وما قد تتخلى أوكرانيا عنه للتوصل إلى اتفاق.
وقد بدأت هذه المحادثات وسط مخاوف من أن الحرب الروسية – الأوكرانية وصلت إلى طريق مسدود وبشأن القدرة على مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا.
إدارة بايدن تشعر بالقلق أيضًا من نفاد القوات في أوكرانيا، في حين أن لدى روسيا إمدادات لا نهاية لها على ما يبدو.
كما أن هناك عدم ارتياح لدى حكومة بايدن إزاء قلة الاهتمام العام الذي حظيت به الحرب في أوكرانيا منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس قبل شهر تقريبا، ما يجعل تأمين مساعدات إضافية لكييف أكثر صعوبة.
مستقبل النظام الدولي المعاصر
إن أكبر المستفيدين من تضرر المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، هم منافسو الولايات المتحدة العالميون، روسيا والصين، وقد انعكس ذلك على مواقفهم المعلنة مما يجري في غزة، حيث رفضوا إدانة حماس وقدموا مشروع وقف إطلاق نار دائم في غزة لمجلس الأمن قبل أن يتم الاعتراض عليه من قبل الولايات المتحدة.
بالتأكيد، روسيا بقيادة بوتين لا تهمها القضية العادلة للشعب الفلسطيني وغير ذلك من الكلام الأخلاقي، ولكنها السياسة والمصالح، حيث تستفيد روسيا من حرب غزة وإسرائيل في التغطية ولفت الأنظار عن حربها في أوكرانيا، وتقليص الدعم الموجه لأوكرانيا وإعادة توجيهه لإسرائيل، وبالتالي إضعاف أوكرانيا وتحقيق إنجازات عسكرية أكبر ووضع سقف أعلى للتفاوض.
بالتأكيد، إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر انتصار أوكرانيا على روسيا، وانتصار إسرائيل على غزة، جزءًا من أمنها القومي، لكن يصعب عليها حاليا في ظل المتغيرات العالمية وملف صعود الصين وملف تايوان أن توازن بين كل ذلك، وستضطر مع بقية الحكومات الغربية إلى تخفيف الدعم العسكري لأوكرانيا، والروس لن يضيعوا الفرصة للتقدم ومن ثم عقد مفاوضات تكون لهم فيها اليد الطولى، وعلى صعيد الشرق الأوسط، ستحمل الأيام القادمة بالتأكيد تطورات دراماتيكية، وسيحدد مستقبل الصراع في الشرق الأوسط إلى جانب بقية العوامل العالمية مستقبل النظام الدولي المعاصر.