ترجمات

لماذا استراتيجية حرب نتنياهو ليس لها أي معنى؟

بقلم: أنشال فوهرا
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز

في تشرين الثاني/ نوفمبر، التقيت والد الرهينة ليري ألباج، إيلي ألباج، في تل أبيب، وبينما كان يجلس في منتصف طريق بيغن وهو يحمل صورة ابنته البالغة من العمر 19 عاما، قال إنه يدعم الحملة العسكرية التي تشنها الحكومة للضغط على حماس، “هل تعتقد أن حماس ستطلق سراح الرهائن من تلقاء نفسها؟”، لكن يبدو أن صبر ألباج قد نفد.

وفي أواخر شهر آذار/ مارس، وفي إنذار نهائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أخبر الصحافة المحلية أن العائلات لن تنظم مسيرات بعد الآن، بل ستتجمع في الشوارع، وتنضم إلى حركة احتجاجية موسعة مناهضة لنتنياهو.

والمشكلة هي أنه في حين ترى عائلات الرهائن أن عودة أقاربهم وإخراج حماس من حيهم هو انتصار -بهذا الترتيب- فإن الكثيرين يعرفون منذ فترة طويلة أن هدفي الحرب هذين كانا متعارضين، لكن نتنياهو تعمد إعطاء الأولوية للقضاء على حماس على إطلاق سراح الرهائن منذ بداية الحملة العسكرية دون أن يكون لديه في الواقع خطة متماسكة لتحقيق أي من الأمرين.

ويواجه رئيس الوزراء اتهامات متزايدة من قبل المحللين العسكريين، وجزء متزايد من الجمهور الإسرائيلي، بمجرد الرد على الأحداث بينما يفتقر إلى الرؤية التي يمكن أن تنهي الحرب، وتحرر الرهائن، وتؤدي إلى أي مظهر من مظاهر السلام.

ومع ذلك فهو لا يزال ساخطا، ردًا على الاحتجاجات، قال نتنياهو إنه في “اللحظة التي تسبق النصر”، فإن الانتخابات المبكرة من شأنها أن “تشل” البلاد ولن تفيد سوى حماس، وقد وضع نصب عينيه الآن مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطيني إلى هناك، إن أي هجوم من هذا القبيل لن يثير غضبًا دوليًا فحسب، بل سيجعل المفاوضات مع حماس أكثر صعوبة.

بعد فترة وجيزة من اجتياح حماس البلدات والكيبوتسات الإسرائيلية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت رسالة نتنياهو الأساسية الموجهة إلى عائلات الرهائن هي أن قصف غزة من شأنه أن يضغط على حماس لحملها على إطلاق سراح أسراها وفي الوقت نفسه القضاء على الجماعة.

لكنه تجنب أسئلة أكثر جوهرية حول الكيفية التي يعتزم بها بالضبط القضاء على المجموعة التي تتمتع بدعم شعبي هائل ليس فقط داخل غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية ولكن أيضًا في قواعد في لبنان وسوريا وإيران وأماكن أخرى.

وفقًا لتقييم التهديد السنوي الذي جمعته المخابرات الأمريكية، قد تواجه إسرائيل سنوات من المقاومة من حماس، وهو تقييم يدعمه اثنان من كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين الذين تحدثوا مع مجلة فورين بوليسي.

وحتى لو تمكنت قوات الأمن الإسرائيلية، بعد سنوات من عمليات مكافحة التمرد، من تدمير الجماعة في غزة، فماذا عن تجسيدها في المستقبل؟ وحتى لو تمكنت قوات الدفاع الإسرائيلية من تدمير فروع حماس على مدى فترة أطول من الزمن، فكيف قد يتمكن نتنياهو من القضاء على فكرة المقاومة المسلحة دون التوصل إلى حل سياسي في الأفق؟

قال مسؤول أمني كبير لمجلة فورين بوليسي بشرط عدم الكشف عن هويته: “لقد دمرنا 18 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس، ولكن إلى أي مدى نحن بعيدون عن القضاء على الجماعة؟ هذا سؤال كبير، يمكننا القضاء على حماس، لكن ليس لدينا جدول زمني، ونعم، يمكن أن تظهر مجموعات أخرى”.

لقد ألحقت العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية لحماس وقدراتها العسكرية، لكنها لم تضمن السلام، إن حقيقة أن قوات الدفاع وأجهزة الأمن الإسرائيلية ذات الشهرة العالمية لم تتمكن من القبض على العقلين المدبرين لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر -محمد ضيف ويحيى السنوار، اللذين لا يزالان مختبئين في مكان ما في شقوق غزة- تنبئ بمحدودية البلاد وحدودها.

في شباط/ فبراير، عندما أعلن نتنياهو أخيرًا عن الخطوط العريضة للخطة، كانت قليلة التفاصيل، وسرعان ما تم رفضها باعتبارها “غير واقعية” من قبل خبير إسرائيلي وصفها بأنها “منفصلة عن الواقع”، وأكثر من أي شيء آخر بدت وكأنها خطة خريطة الطريق لإعادة احتلال غزة.

وقال نتنياهو إنه يريد “السيطرة الأمنية” على غزة في المستقبل المنظور ولن يسمح بإعادة الإعمار إلا بعد أن تصبح المنطقة منزوعة السلاح بالكامل، فهو يريد استئصال تطرف الفلسطينيين واستبعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقال إن أي اتفاق لن يتم التوصل إليه إلا “من خلال المفاوضات المباشرة” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه لم يقدم أي جدول زمني.

ووفقًا للتقارير، فإن الخطة المتداولة تنص على أن الإدارة المدنية في غزة ما بعد الحرب ستتم إدارتها من قبل عناصر محلية غير معادية من غير حماس.

لم يوضح نتنياهو ما إذا كان سيفوض قوات إسرائيلية على الأرض لفترة غير محددة أو يريد الوصول الإسرائيلي دون عوائق إلى القطاع عند الاقتضاء، فالأول سيكون بمثابة إعادة احتلال لغزة والثاني هو بمثابة سيطرة فعلية عليها، ولم يُعرض كلا الخيارين بعد على الشعب الإسرائيلي وشركاء إسرائيل الدوليين.

وحتى لو وافق نتنياهو على تشكيل قوة متعددة الجنسيات تتألف من أحدث حلفاء إسرائيل العرب لتتولى الأمن في غزة، فإن هناك تساؤلات حول كيفية اكتساب هذه القوة لمصداقية بين الفلسطينيين.

قد يكون تجريد كافة كتائب حماس من السلاح مهمة قصيرة الأمد، لكن محاربة فلولها وتجسيدها سوف يستغرق سنوات، وربما عقودًا، ولا تزال معالجة التمرد مهمة أكثر سهولة بالنسبة لقوات الأمن من مراقبة دولة معادية، ولكنها ستلحق تكاليف باهظة على القوات الإسرائيلية، ومن غير الواضح ما إذا كانت التكاليف تستحق العناء، لأن قسوة إسرائيل يمكن أن تثبط الهجمات الفلسطينية داخل إسرائيل أو تشجعها.

لكن الفلسطينيين يقولون إن هذا تكتيك آخر من تكتيكات نتنياهو لتأخير حل الدولتين، ففي نهاية المطاف، لا يعارض الفلسطينيون إسرائيل فقط بسبب دعاية حماس، لقد وقع العديد منهم ضحايا للسلب من قبل الدولة الإسرائيلية والمستوطنين، وذلك قبل المعاناة التي فرضتها الحرب الحالية، ولم يكشف نتنياهو عن أي خطط لكيفية تشكيل الأفكار الفلسطينية حول تقرير المصير بطريقة أكثر إنتاجية.

كما أن اقتراح نتنياهو بأن يتم تسليم السكان المحليين السيطرة على المدينة في نهاية المطاف يبدو مخادعًا أيضًا، من الذي يدور في ذهنه بالضبط؟ قال مصدر أمني إسرائيلي إن السكان المحليين المدينين بالفضل للدول العربية الصديقة لإسرائيل في اتفاقيات أبراهام –وخاصة الإمارات العربية المتحدة– سيجتازون الاختبار، لكن أيًا من هؤلاء القادة سيُنظر إليه على أنه دمى إسرائيلية قد يفتقر إلى المكانة بين الفلسطينيين، وربما يصبحون موضع سخرية بقدر ما تصبح السلطة الفلسطينية الخاضعة بقيادة محمود عباس في الضفة الغربية.

إن الحملة التي يشنها نتنياهو للقضاء على حماس، وتجريد غزة من السلاح، واستئصال التطرف لدى الفلسطينيين، ترقى في الواقع إلى إعادة احتلال القطاع، وحتى لو لم تكن إعادة احتلال غزة هي ما يرتاح إليه معظم الإسرائيليين، فإن هذا هو الاتجاه الذي تتجه إليه خطة نتنياهو اللاواعية.

في الشهر الماضي، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، ومن شأن إعادة احتلال غزة أن يزيد من اتساع الصدع، بعبارة أخرى، ربما تتجه استراتيجية نتنياهو نحو تحقيق نصر باهظ الثمن يتمثل في تحمل المسؤولية عن غزة وسكانها الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة، وتزايد عزلة الحكومة الأمريكية، وعزلة دولية متزايدة.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى