الدكتور “باسل معراوي” يكتب في بوليتكال كيز: المأزق الإيراني في طوفان الأقصى
شكّلت حركة حماس أحد أهمّ الجيوش الستة لقاسم سليماني في تثبيت دعائم الهلال الشيعي الذي أنشأه وهي (الحشد الشعبي في العراق… ميليشيا نظام الأسد في سوريا… ميليشيا حزب الله في لبنان… ميليشيا الحوثي في اليمن… وحركتي حماس والجهاد في فلسطين… إضافةً لفيلق القدس الذي يتولى قيادة تلك الجيوش وهو الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني).
وتنبع أهمية حركة حماس بالنسبة للحرس الثوري الإيراني من ميزتين لاتتوفر كلتاهما إلا عند حماس وهما، أنّ حماس حركة إسلامية سنية عقائدية بخلاف الميليشيا الخمسة البقية والتي تنتمي للمذهب الشيعي، كما تؤمن حماس غطاء إسلامياً سنياً لكل مشاريع الحرس الثوري الإيراني وبالتالي وباعتبار حماس من أهم الحركات الجهادية السنية المسلحة فإنها تعطي زعامة إيرانية لحركات الجهاد الإسلامية في العالم وتُقدّم إيران كقائد للأمة الأسلامية، وتدحض ادعاءات أغلبية الجمهور بأنّ مشاريع الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مشاريع مذهبية شيعية وليست تُمثّل المسلمين جميعًا.
وثانيهما، أنّ حماسَ تتواجد على أرض فلسطين… وتحظى القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية في فلسطين بأهمية خاصة في ضمير ووجدان العرب والمسلمين جميعًا… ويحظى دعم تلك الحركة برضى وقبول وتأييد أغلبية المسلمين حول العالم… وأهمية هذا الدعم لإيران أنه يعطيها صكوك البراءة من الدماء التي أسرفت في هدرها في الدول العربية التي تمددت إليها…. ولن ينسَ السوريون والعربُ والمسلمون عامةً كلمات إسماعيل هنية في طهران في تأبين قاسم سليماني عندما وصفَه بشهيد القدس في خطوة برّرت لقاتل العرب والمسلمين جميع أفعاله الإجرامية.
ويُمثّل اعتبارُ حماس كأحد أذرع فيلق القدس أهمية كبرى لتبرير شعارات نظام ولاية الفقيه حيث كان مشروع الهلال الشيعي الإيراني يختبئُ خلفَ شعارات محور المقاومة والممانعة وبالطبع المقصودُ مقاومة إسرائيل وممانعتها ووجودُ حماس في هذا المحور وتحت هذا الشعار يُضفي الشرعيّةَ والصدق عليها.
لذلك كانت إيرانُ حريصةً أشدّ الحرص على استمرار حماس كأحد أذرعها وأغدقت عليها بالدعم الكبير… وكانت الحركةُ إضافةً لحركة الجهاد الإسلامي المخلب الذي تَغرزهُ في قلب الجسد الإسرائيلي وتساومُ به… وكانت إيران داعمةً لحروب حماسَ الأربعة السابقة ضدَ دولة الاحتلال الإسرائيلي وتقطفُ إيرانُ بالتالي كل الإنجازات السياسية التي تنجم عن تلك الحروب غير عابئةً بالأثمان المدنيّةِ المرتفعة التي يّقدّمها المدنيون في غزة… وكانت حرب آيار 2021 نقلة نوعية في حروب حماس على إسرائيل حيث تبيّن مدى القدرة على تطوير صناعة الصواريخ المحلية نوعاً وكماً… حينها طالت صواريخ حماس كافة الجغرافيا الفلسطينية وتمكّنت من شلّ الحركةِ في إسرائيل وإنزال السكان إلى الملاجىء وإغلاق مطاري تل أبيب واللدّ وميناء حيفا.
“عمليةَ “طوفان الأقصى” كان مُخططاً لها بعناية من مدة سنة على الأقل وتجري التدريبات عليها، والتخطيطُ على المستوى الاستراتيجي يأتي من قيادة الحرس الثوري الإيراني بالتحديد وحماس الأداة المُنفّذ على الأرض”. باسل معراوي – محلل سياسي
وأعتقد أنّ عمليةَ “طوفان الأقصى” كان مُخططاً لها بعناية من مدة سنة على الأقل وتجري التدريبات عليها، والتخطيطُ على المستوى الاستراتيجي يأتي من قيادة الحرس الثوري الإيراني بالتحديد وحماس الأداة المُنفّذ على الأرض، وليس خافيًا ذلك التنسيق، حيث تم تشكيل غرفة عمليات أُعلنـ عنها منذ ما يزيد على 6 أشهر في بيروت بين أذرع الحرس الثوري في المنطقة كلها حيث تَمّ إطلاقُ وحدةِ الساحات أو وحدة الجبهات عليها بحيث تعمل الأذرع كلها وفق تناغم إكاستراتيجي مدروس.
وأعتقدُ أنّ ايران كانت تنوي توجيه ضربة محدودة ولكن مؤلمة لإسرائيل (وإسرائيل هي الولاية الـ51 للولايات الأمريكية من يضربها فإنه ضرب أمريكا نفسها ) خاصة في ظل الضغوطات الأمريكية الهائلةِ على إيران في المنطقة… والذي يتجلى بعدم الوصول لاتفاق نووي كما تربده إيران…. والسعي الأمريكي الحثيث لإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية… واقتراب ساعة التطبيع السعودي الإسرائيلي (وفق حديث الأمير محمد بن سلمان نفسه لفوكس نيوز مؤخرًا)، وإفشال الولايات المتحدة للتطبيع العربي مع الأسد واستمرار عقوبات قانون قيصر عليه… وما يتردّد حديثًا بسبب الحشد العسكري الأمريكي المتنامي في المنطقة عن نِيّة الولايات المتحدة للبقاء لعقود في سوريا بل وتردد كلام كثير عن احتمالية قطع محور إيران البري الاستراتيجي من نقطة البوكمال على الحدود السورية العراقية.
إضافةً للحديث المتزايد عن نِيّة أمريكية بإنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري إبتداء من الجولان المحتل وصولًا للتنف والغاية منه منع تهريب الكبتاغون من مناطق سيطرة الأسد وإدخال الأسلحة والمتفجرات إلى الأردن والضفة الغربية وتُشكّل تلك المنطقة (إن تمّت) حماية خاصة لجبل العرب المنتفض على نظام الأسد.
إزاء كل تلك المخاوف الإيرانية وبسبب انشغال الولايات المتحدة في حربها في أوكرانيا وحاجتها لعدم التصعيد في المنطقة إلا عندما تختار الولايات المتحدة الزمان والمكان المناسبين لها.
قد تكون فكّرت إيرانُ بلعب ورقة حماس الذهبية للمساومة بها مع أمريكا والوصول لاستكمال المفاوضات في مسقط والتي جُمّدت مؤخرًا وطرح كل الملفات على الطاولة.
كانت إيران تتوقع حصادًا سياسيًا من عملية طوفان الأقصى ولكنها فوجئت بتحالف دولي ينوي استئصال حركتي حماس والجهاد من المشهد الفلسطيني بل إخراجهما من معادلة الصراع في الشرق الأوسط.
“كانت إيران تتوقع حصادًا سياسيًا من عملية طوفان الأقصى ولكنها فوجئت بتحالف دولي ينوي استئصال حركتي حماس والجهاد من المشهد الفلسطيني بل إخراجهما من معادلة الصراع في الشرق الأوسط”. باسل معراوي – محلل سياسي
وأظنّ أنّ أخطاء ارتُكبت أثناء تنفيذ العملية وأهمها اتساع الرقعة الجغرافية لتوغّل المسلحين الفلسطينيبن وازدياد أعداد القتلى الإسرائيلين الكبير والذي قد يصل إلى قرابة 1500 واصطحاب أسرى إلى داخل القطاع.
ولا أظنّ أنّ إيران كانت تُفكّر باستدعاء ذلك التحالف الغربي الهائل والذي بدأ بالحشد سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا وإعلاميًا منذ الساعات الأولى لهول الصدمة.
قد يكون نتنياهو يعني مايقول عندما قال إنّ مابعد عملية غزة سَيُغيّر المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، ويعلم الجميع أنّ غياب حركتي حماس والجهاد عن الساحة لايُغيّر المشهد وما يُغيّره هو غياب أذرع الحرس الثوري كلها عن الساحة.
ويتجلى المأزق الإيراني في سياقين كل واحد أمرّ من الآخر، أولهما، إن لم تَتدخّل أذرع الحرس الثوري من لبنان أو سوريا أو من مناطق أخرى في الحرب الجارية الآن على غزة فإنّ الرافعة الأساسية لخطاب وشرعية محور المقاومة سَتُصاب بعطب شديد ولم يَعد مُجديًا تمرير شعارات أنّ طريق القدس يَمرّ من حلب أو القصير أو حمص أو درعا أو بغداد… ولم يَعُد ذلك الشعار صالحًا للحشد والتحشيد لأهداف المشروع الإيراني الحقيقية والتي لاعلاقة لها بتحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية فيها، ثانيهما، بناء على شعار وحدة الساحات أو وحدة الجبهات فقد هدّد حزب الله بدخول الحرب فيما إذا قرر جيش الاحتلال الاقتحام البري لغزة وأجرى تسخينًا للحدود اللبنانية السورية فيما وجّهت إسرائيل تحذيرات إعلامية وعملية لنظام الأسد بعدم إستخدام أراضيه لمهاجمة إسرائيل وتمّ إخراج مطاري حلب ودمشق عن الخدمة كرسالة تحذيرية على الأرض إضافةً للتهديد بقتله (بشار الأسد) إن لم يمتثل لتلك التحذيرات… ويُقال إنّ اتصال الرئيس الإماراتي بالأسد مُؤخرًا تمّ من خلاله نقل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية له.
وبما أنّ عملية اجتياح جيش الاحتلال للقطاع مسألة وقت لا أكثر فإنّ حزب الله مطلوب منه تنفيذ تهديده بالدخول بالحرب وإن دخلها سيخسر كثيراً وإن لم يدخلها سيخسر أكثر ولم تَعد كلُّ خطابات أمينه العام حول المقاومة وسلاح المقاومة والـ100 ألف صاروخ المُوجّه لحيفا ومابعد حيفا ستكون عِبئاً على صاحبها وأنصاره.
وتخشى الأذرع الإيرانية في المنطقة من أن تكون الهدف التالي بعد الإجهاز على حركتي حماس والجهاد، لأنّ ذلك الحشد العسكري الكبير في البحر لايهدف إلى التدخل في معركة غزة بل في مناطق اخرى ولأهداف أخرى، وبالتالي تَجد إيران نفسها في أمّ المآزق الآن.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” على موقعها الرسمي تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير. بوليتكال كيز – Political Keys