إدريس احميد يكتب في بوليتكال كيز: أولويات الأزمة الليبية… المصالحة أم العملية الدستورية؟
مما لا شك فيه بأن المصالحة من أهم أسس السلم والانطلاق نحو البناء والتنمية، فالمصالحة هي وسيلة ينتقل من خلالها المجتمع من الانقسام أو الخصام أو الاقتتال بين الأفراد أوالجماعات بغية إعادة الثقة اجتماعيًا وسياسيًا.
شهدت ليبيا في عام 2011 انقسامًا واصطفافًا بين مؤيد ومعارض، أدى إلى الاقتتال والقتل والتهجير، وانتهى الأمر بانتصار طرف على آخر، ومن البديهي من خلال التركيبة المجتمعية الليبية والتفكير الذي استدعى خلافات وتعصب موروث بين بعض المناطق، وتكررت المظالم والاعتداءات والقتل والتهجير من لدن المنتصر.
المؤسسات الدستورية ودورها
جرت أول انتخابات في تاريخ ليبيا في 7-7-2012، والتي أنتجت المؤتمر الوطني، وكان المنتظر أن يؤسس للمصالحة الوطنية، ولكنه دخل في خلافات وانقسامات منذ التئامه بين التيار الإسلامي والتيار الوطني و الليبرالي. وقد أقر المؤتمر قانون العزل السياسي بالقوة والذي صمم لإقصاء التيار الوطني و الليبرالي وأشخاص معينين، بدل التأسيس للعملية الديمقراطية وتداول السلطة.
جاءت الانتخابات التشريعية في 25 حزيران/ يونيو 2014، لانتخاب مجلس النواب الليبي، والتي خسرها التيار الإسلامي أمام التيار الوطني واللييرالي للمرة الثانية، على الرغم من ضعف الإقبال بنسبة 18%.
بعد إعلان نتائج الانتخابات اندلع قتال داخل العاصمة بين المليشيات المسلحة، في محاولة لتعطيل البرلمان المنتخب من الاجتماع في العاصمة، مما اضطره للانتقال إلى مدينة طبرق في أقصي شرق البلاد.
تعمقت الخلافات لدرجة وجود أكثر من حكومة مابين عامي 2014 – 2015، حيث شكلت حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة “عمر الحاسي” وجاءت بعدها حكومة “الإنقاذ” برئاسة “خليفة الغويل” في مواجهة للبرلمان الذي كلف الحكومة المؤقتة برئاسة “عبدالله الثني”.
عقد اتفاق الصخيرات عام 2015، واختيرت حكومة الوفاق برئاسة “فايز السراج”، وتأمل فيها الليبيون المصالحة وبناء الدولة، واستمرت الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي. جاءت الحرب في طرابلس 2019 بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، للمزيد من تعميق الانقسامات والخلافات.
ملف المصالحة الوطنية
بعد وقف إطلاق النار بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق في أكتوبر 2020، وعقدت اجتماعات لجنة 75 في تونس وانتهى الاجتماع في جنيف باختيار حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الرئاسي الذي كلف بملف المصالحة الوطنية، وإنشاء هيئة للمصالحة الوطنية والتي شكلت في نيسان/ أبريل 2021.
فالمصالحة الوطنية قسمين، أولًا، المصالحة الاجتماعية بين المدن والقبائل، والتي تتطلب العدالة وجبر الضرر والتعويض، ومع مرور 12 عامًا حصلت لقاءات اجتماعية انتجت التعايش السلمي حتي قيام الدولة. ونعتقد بأن السبب هو الظروف التي تمر بها البلاد، جعلت الغالبية تفكر في استقرار البلاد.
ثانيًا، المصالحة السياسية التي تمثل أولوية بين الفرقاء من أجل التوافق على النقاط الخلافية، والاحتكام للصندوق الانتخابات والدستور، ويعد انتشار السلاح لدى التشكيلات المسلحة أهم العقبات في سبيل المصالحة الوطنية. ويتفق معنا بعض المحلليين بأن المصالحة الاجتماعية سوف تتحقق بعد الانتخابات من خلال وجود سلطة شرعية تطبق القانون.
وتشهد الساحة السياسية تحركات واجتماعات تحضيرية في عدة مدن شرق وغرب وجنوب البلاد يقودها المجلس الرئاسي بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية الجامع في مدينة “سرت” في أبريل القادم. وقد انسحب من الاجتماع التحضيري الثالث الذي في مدينة سبها الفريق السياسي لسيف الإسلام، بسبب استمرار سجن رموز النظام السابق.
الاتحاد الإفريقي ودوره في المصالحة الوطنية
شكّل الاتحاد الأفريقي لجنة رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الكونغولي
“دينيس ساسو نغيسو” بصفته رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي ويمثله وزير خارجينه “جان كلود جاكوسو”، وتضم اللجنة الأفريقية من تونس والجزائر ومصر والنيجر والسودان وموريتانيا وجنوب أفريقيا والكونغو وإثيوبيا وأوغندا، بشأن ليبيا، وعقدت في برازافيل اجتماع في 21 يوليو الماضي. وجاءت القمة التي عقدت في 5 فبراير 2024 ، للاستعداد للمؤتمر المصالحة الجامع في مدينة “سرت” في أبريل القادم.
الموقف الدولي من المصالحة الوطنية
على مدى 12 عامًا من الأزمة الليبية، فشلت الأمم المتحدة والدول الكبرى في دعم الليبيين لتحقيق المصالحة الوطنية، اكتفت بالتصريحات والمطالبات بل ليس أولوية مقارنة بالحديث عن الحل السياسي والانتخابات، مما يؤكد عدم الجدية في ظل تضارب المصالح الدولية في ليبيا. وهذا مايجعل الليبيين لا يثقون في الأمم المتحدة والدول الكبري.
ونعتقد بأن الملف الليبي منذ التدخل الأجنبي في 2011 ، لدى مجلس الأمن الذي يشهد انقسامًا بين الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من جهة وروسيا الاتحادية والصين من جهة، وبذلك أصبح الاتحاد الأفريقي الذي عارض التدخل الأجنبي في 2011 ينشغل بالاوضاع في ليبيا، مهمش وبذلك أضعف دوره مجرد متفرج، واما المبعوث الاممي لليبيا “عبدالله باتيلي” الأفريقي، فيبدو دوره ضعيفًا فيما يتعلق بملف المصالحة، على الرغم من تحركاته بين الأطراف الليبية، ويركز على ملف الانتخابات ويراها أولوية ولربما يتناغم مع الدول الكبرى، ويتحرك وفق توجهاتها.
ونرى بأن هناك تشابهًا في مهمة المجلس الرئاسي الذي يجمع الفرقاء الأساسيين، وما يقوم به المبعوث الأممي من اختيار طاولة خماسية أو أكثر، أولجنة رفيعة المستوى وماهي معايير اختيار المشاركين فيها، وبين مؤتمر المصالحة الوطنية الجامع ، خطة المبعوث الأممي، أيهما الأقرب والأنجع للحل المصالحة الوطنية ام إجراء الانتخابات بعد التوافق بين الفرقاء،ويمر الوقت والأزمات الاقتصادية تزداد في البلاد.