ترجمات

كيف أدت عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى تأجيج الانقلابات الأفريقية؟

بقلم: جيمي ليفين و ناثان ألين
المصدر: جريدة الفورين بوليسي
ترجمة: بوليتكال كيز

في 26 تموز/ يوليو، اعتقل الجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيًا، محمد بازوم، ونصب نفسه رئيسًا لما يسمى بالمجلس الوطني لحماية الوطن، وهو مجلس عسكري.

وبعد أقل من أسبوع، في 30 تموز/ يوليو، أصدرت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) للمجلس العسكري إنذارًا نهائيًا، يقضي بإعادة الرئيس السابق إلى السلطة في غضون أسبوع واحد أو مواجهة التهديد بفرض عقوبات إضافية واستخدام القوة العسكرية.

لقد شهدت المنطقة موجة من الانقلابات في السنوات الأخيرة، وتشعر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالقلق من انتشارها.

وقد انتهى هذا الإنذار منذ ذلك الحين، مع بقاء تشياني صامدًا، مما أثار أزمة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

وفي العاشر من آب/ أغسطس، وضع الاتحاد قواته في حالة تأهب، حيث تعهدت الدول الأعضاء في نيجيريا والسنغال وبنين وساحل العاج بالمساهمة بقوات لاستعادة الديمقراطية في النيجر.

وفي الوقت نفسه، أرسلت بوركينا فاسو ومالي – اللتان تديرهما مجالس عسكرية – بعثات “تضامن” إلى النيجر، الأمر الذي دفع المنطقة إلى شفا الحرب. كما التزم المجلس العسكري الصمت، مما أدى إلى تكهنات مكثفة حول الدوافع التي أدت إلى الانقلاب.

لقد كُتب الكثير عن دور تشياني كرئيس للحرس الرئاسي – المكلف بحماية بازوم – ودوره المزعوم في محاولة الانقلاب الفاشلة السابقة،و كانت هناك شائعات مفادها أن بازوم كان يخطط لإزالة تشياني، ولكن لم يتم التطرق إلى سوى القليل من الاهتمام لدوره السابق كجندي لحفظ السلام تابع للأمم المتحدة.

شهدت مسيرة تشياني العسكرية خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من المهام الإقليمية المتعددة الأطراف، وتعتبر مسيرته المهنية رمزًا لمجموعة جديدة من المهنيين العسكريين الذين يتمتعون بسجلات خدمة دولية مهمة.

إنّ النظر في التطور التاريخي لحفظ السلام يتيح لنا وضع سياق هؤلاء المتآمرين من ذوي الخوذ الزرق ومتآمري الانقلابات مثل تشياني.

منذ نهاية الحرب الباردة، قام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بزيادة تمويل جيوش الدول غير الديمقراطية والبلدان الديمقراطية الضعيفة لتلبية الطلب المتزايد على حفظ السلام، وكانت دول مثل النيجر حريصة على تحمل هذه المهمة،ففي الخمس سنوات التي تلت نهاية الحرب الباردة، أذنت الأمم المتحدة بـ 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، مما استدعى زيادة في عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريبًا، من 11000 إلى 75000 جندي، وفي يومنا هذا، يفوق عدد قوات حفظ السلام هذا 90000 عسكري، منتشرين في جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت نفسه، قلّت الديمقراطيات الغنية مشاركتها في جهود حفظ السلام، مما أدى إلى تزايد الاعتماد على دول كالنيجر.

وبينما كانت المهمات السابقة تتضمن بشكل كبير مهام المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار المحددة بوضوح، أصبحت المهام في مرحلة ما بعد الحرب الباردة – والتي تُشار إليها أحيانًا بالجيل الثاني من عمليات حفظ السلام – أكثر تعقيدًا وعنفًا في العادة.

أماحاليًا، فيتم تكليف القوات بانتظام بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في النزاعات الأهلية المستمرة.

وفي عام 1990، كانت أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام هي كندا، وفنلندا، والنمسا، والنرويج، وأيرلندا، والمملكة المتحدة، والسويد وكلها ديمقراطيات ليبرالية.

وبحلول عام 2015، حلت محلها بنجلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا ومصر، وجميعها دول أقل ديمقراطية ولها تاريخ من عدم استقرار الأنظمة.

على الرغم من أن تأثيرات حفظ السلام على البلدان المضيفة للقوات يمكن أن تكون إيجابية ومستدامة، إلا أنه يُثار جدل حول تأثير هذه الجهود على الدول المشاركة، مثل النيجر.

ويشير بعض المحللين إلى أن العمليات السلمية قد تعزز من مستوى الديمقراطية في الدول المشاركة وتربطها بمعايير حقوق الإنسان، مما يحفزها على الالتزام بمبادئ سيادة القانون لتجنب الانقلابات التي قد تعرض المهام المستقبلية والمكاسب المرتبطة بها للخطر.

ويتم تعويض قوات حفظ السلام بسخاء لأداء هذه المهمة، حيث تنفق الأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار سنويًا على هذه العمليات، وتُستخدم معظم هذه الأموال لتعويضات القوات وتكاليف البنية التحتية.

ويمكن أن تشكل مكافآت حفظ السلام نسبة كبيرة من الميزانيات العسكرية للدول المشاركة، بالإضافة إلى رواتب الجنود الأفراد، وهذا يكون أكثر بروزًا في البلدان الأقل تقدمًا اقتصاديًا.

وفي الواقع، يتشير بعض التقارير إلى أن بعض الدول تشارك في جهود حفظ السلام لأسباب اقتصادية ومالية.

هناك وجهات نظر مختلفة حول تأثيرات عمليات حفظ السلام. حيث إنّ هناك مخاوف من أن هذه العمليات قد تؤدي إلى تعزيز الحكم الاستبدادي وتشجيع التوجهات الانقلابية في الديمقراطيات الهشة، مثلما حدث في النيجر.

وفي حين أن عمليات حفظ السلام قد تؤدي إلى انخراط الدول المرسلة في القيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة، إلا أن هناك الكثير من الأمثلة حيث يتم التسامح مع الانتهاكات ويتم تعزيز المعايير غير الليبرالية بدلًا من ذلك.

يعتمد المجتمع الدولي في بعض الأحيان بشكل زائد على هذه البلدان في عمليات حفظ السلام، مما يجعله مترددًا في فرض عقوبات عندما يخرج سلوكها عن الأعراف الليبرالية.

وقد استغلت بعض الدول حفظ السلام لبناء قوات مسلحة قوية، مما أدى في بعض الحالات إلى تفوق الجانب العسكري على الجوانب المدنية، حيث حدث تموجات في التوازن بينهما، وهذا قد يكون أكثر وضوحًا في البلدان التي لديها تاريخ سابق من الانقلابات.

وقد شهدت النيجر نموًا هائلاً في دورها في حفظ السلام، حيث تساهم اليوم بحوالي 1000 جندي وأفراد أمن (مقارنة بثمانية في عام 2000).

وخلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي الأموال على النيجر -أرسلت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 500 مليون دولار في العقد الماضي بالإضافة إلى التدريب والدعم- لتحسين أمنها وتعزيز جيشها.

أما الأمم المتحدة فقد أغدقت في الثناء على النيجر، وشكرتها على مساهماتها في حفظ السلام.

ومع ذلك، أصبح المجتمع الدولي أيضًا مترددًا في نقد قوات حفظ السلام مثل النيجر، وعادةً ما يظل صامتًا في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي.

وقد تم منح قوات حفظ السلام ترخيصًا لتجاهل بعض الشروط، مثل ممارسة ربط المساعدات بتعزيز الديمقراطية، وقد ظهر هذا التردد في أعقاب الانقلاب.

بدوره، أعرب متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “قلقه العميق” إزاء الأحداث في النيجر، لكن المنظمة توقفت عن إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب.

وبينما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بقطع الكهرباء عن البلاد، فقد رفضت ممارسة إجراءات أكثر قوة، مما سمح بانتهاء مهلة الإنذار دون عواقب.

وبينما يتم تضخيم الأسباب المحتملة للانقلابات بشكل مفرط، يبدو أن الدول التي ترسل قوات حفظ السلام والتي تمتلك تدريبًا وخبرة أجنبية أكبر تكون أكثر عرضة لحدوث انقلابات، وغالبًا ما يجدر بالذكر أن حفظة السلام أنفسهم، مثل تشياني، يتحملون المسؤولية.

وبالنظر إلى سجل قوات حفظ السلام فيما يتعلق بالسلوك المندفع داخليًا، يبدو أن الفكرة المتعلقة بتعبير المعايير الليبرالية في عمليات حفظ السلام هي خرافة، وهناك دلائل تشير من النيجر إلى أن دور حفظ السلام قد لعب دورًا في الأحداث الأخيرة، حيث قدم المجلس العسكري وسائل أكبر – بما في ذلك تعزيز الجيش وزيادة شجاعته – للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

وتشير الأدلة إلى أن حفظ السلام يشكل شرطًا متساهلاً للتدخل العسكري في السياسة، فهو يزيد من خطر الانقلابات ولكن لا يمكن القول بشكل قاطع أنه يسببها، وهذا يشكل تحديًا لصانعي السياسات.

وقد تنظر الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أوالمواد المخصصة لحفظ السلام فقط، ويمكن تحقيق ذلك من خلال مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة.

قد نشكك في الحكمة من تعزيز قدرات دول حفظ السلام التي لديها تاريخ حديث من الانقلابات، ومن الأفضل بدلًا من ذلك، أن تعمل الأمم المتحدة على منع هذه الجيوش من المشاركة في الانقلابات، وهذا ما تعهدت به في الماضي ولكن لم تنجح في تنفيذه.

ومن ناحية أخرى، يمكن للديمقراطيات الغنية أن تقدم المساعدة من خلال تقديمها للقوات الضرورية بدلًا من دفع الأموال للآخرين للقيام بذلك، وهكذا تتمكن من تعويض النقص في عمليات حفظ السلام.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى