ترجمات

هل يوجد تنافس خفي بين السعودية والإمارات؟

بقلم: أراش رايزينجاد – ومصطفى بوشهري
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز

اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس وسط اتجاه إقليمي واضح للتعايش السلمي، وقد تمثل التحول في الشرق الأوسط على هذا المنوال في التحالف الوثيق -على ما يبدو- بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي ترمز إليه الصداقة الواضحة بين زعيميهما الفعليين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.

واتحد البلدان لمواجهة القوة الناعمة المتوسعة لـ”قطر” في العالم العربي، كما يتجلى في الحصار “الفاشل” الذي فرضوه عليها في عام 2017، وكانا على نفس الجانب في حملتهما العسكرية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن منذ عام 2014، وقد تواصلت الدولتان مع بكين وموسكو، وتبنتا سياسة أكثر استقلالية تختلف عن تحالفهما التقليدي مع الولايات المتحدة.

ولكن ما يكمن تحت سطح هذا التحالف الأخوي الواضح هو صراع هادئ، حيث يتنافس البلدان على الزعامة داخل العالم العربي، فخلف الكواليس، تخوض المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منافسة جيواقتصادية نشطة بأبعاد متعددة.

أولاً، هناك منافسة هائلة على الاستثمار الأجنبي، حيث يعود التنافس إلى عام 2009، عندما اعترضت أبو ظبي على الموقع المقترح لمقر البنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، والذي لعب في نهاية المطاف دورًا في إحباط إنشاء البنك نفسه، فبين عامي 2012 و2022، كان تدفق الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات العربية المتحدة أكبر بنحو 3.5 مرات من نظيره في المملكة العربية السعودية، وأصبحت دبي الموقع المفضل لنحو 70% من المقر الرئيسي للشركات الكبرى متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع أسعار النفط في عام 2022، بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى دفع الاقتصاد السعودي إلى النمو بنسبة 8.7%، وهي الأعلى بين دول مجموعة العشرين، التي أنتجت تدفقًا كبيرًا لرأس المال، وقد شجعت المملكة العربية السعودية بنشاط الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الخليج العربي على نقل مقرها الرئيسي إلى أراضيها، وأصدرت تحذيرات من أن الشركات التي تفشل في نقل مقرها الرئيسي تخاطر بوقف العلاقات التجارية مع الرياض.

وقد أدت سياسات الطاقة بين المملكة العربية السعودية (أكبر مصدر للنفط في العالم) والإمارات العربية المتحدة (خامس أكبر دولة) إلى زيادة حدة هذه المنافسة، في صيف عام 2021، ظهر خلاف واضح بين الرياض وأبو ظبي بشأن خطة تقودها السعودية ضمن “أوبك” لإطالة أمد تخفيضات الإنتاج، مع رفض الإمارات العربية المتحدة الاقتراح.

وعلى الرغم من التوصل إلى حل واضح لهذا التوتر بسرعة، فقد انتشرت شائعات لاحقة بشأن اعتراض أبو ظبي على هيمنة الرياض داخل أوبك، بالإضافة إلى التفكير المحتمل في الانسحاب من أوبك.

كما أدت المنافسة على المكانة العالمية إلى إحداث شرخ بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويستثمر كلا البلدين بشكل استراتيجي في الجهود الرامية إلى تعزيز قوتهما الناعمة من خلال استضافة تجمعات دولية بارزة.

فقد أنشأت المملكة العربية السعودية مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، في حين استضافت أبو ظبي منتدى الاستثمار العالمي، وهو حدث سنوي تنظمه الأمم المتحدة، ويعمل كل من المنتديات والمؤتمرات بمثابة منصات لاجتماع القادة والمستثمرين العالميين، وتسهيل اقتراح حلول مبتكرة للتحديات العالمية.

وبعد أن نظمت دولة الإمارات العربية المتحدة معرض إكسبو 2020 في دبي، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، دخلت المملكة العربية السعودية التاريخ من خلال تأمين حقوق استضافة معرض إكسبو 2030.

وعلاوة على ذلك، تم اختيار دبي كمكان لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي المحوري لتغير المناخ العام الماضي، ويستمر هذا الالتزام باستضافة القمة، حيث من المقرر أن تستضيف أبوظبي المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في فبراير/ شباط.

وبعد استضافة قطر الناجحة لكأس العالم لكرة القدم 2022، اتخذت الرياض مبادرات لرفع مستوى الدوري الوطني لكرة القدم من خلال جذب نخبة اللاعبين، منذ أوائل عام 2021، التزمت المملكة العربية السعودية بما لا يقل عن 6.3 مليار دولار أمريكي في الاتفاقيات الرياضية، وهو ما يتجاوز إجمالي الإنفاق في السنوات الست السابقة بأكثر من أربعة أضعاف، ويمكن أن يكون أول مظهر من مظاهر الجغرافيا السياسية لكرة القدم في العصر الجديد.

وتشتهر دبي بمجتمعها العالمي المنفتح نسبيًا، حيث تجتذب المشاهير لاستضافة الحفلات الموسيقية والعروض، إلا أن هذا الامتياز لم يعد يقتصر على دولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي ديسمبر 2023، استضافت الرياض بنجاح ميديل بيست ساوندستورم، وهو أكبر مهرجان موسيقي في الشرق الأوسط، وتعكس هذه المساعي مجتمعة الجهود المتعمدة التي بذلتها هاتان الدولتان لإعادة تشكيل صورتهما الدولية وتعزيز التصورات الإيجابية عن نفسيهما على الساحة العالمية.

أما المنافسة الأخيرة والأكثر محورية فتتعلق باستراتيجيات “الرؤية” التي تنتهجها الدولتان، وقد رسخت دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن شرعت في رحلة التنويع منذ سنوات، مكانتها كمركز عالمي للنقل والأعمال من خلال مبادرات استراتيجية تتعلق بمينائي خليفة وجبل علي، يكملها نجاح الناقل الجوي طيران الإمارات.

ومع ذلك، أطلق محمد بن سلمان رؤية 2030، وهي خريطة طريق طموحة للتنويع الاقتصادي السعودي، في عام 2016، والمشروع الرئيسي ضمن هذه الرؤية هو مبادرة “نيوم”، وهو مسعى بمليارات الدولارات يهدف إلى وضع المملكة العربية السعودية كدولة بارزة في البنية التحتية والنقل والتكنولوجيا، ومركز الأعمال والمال في المنطقة، كما التزمت الرياض أيضًا بأكثر من 100 مليار دولار لتحويل نفسها إلى مركز لوجستي بحري وجوي، وهو ما تميز ببدء شركة طيران الرياض.

وينطوي ذلك على تحدي هيمنة الموانئ الإماراتية من خلال استثمارات كبيرة في ميناء جدة الإسلامي، المقرر أن يصبح أكبر وأكثر الموانئ ازدحاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبصياغة مختلفة، دفعت منافسة “الرؤية” الرياض وأبو ظبي إلى سباق التحديث والتنويع، وغالباً ما يكون ذلك على حساب بعضهما البعض.

ومن المثير للاهتمام أن التقارب مع إيران قد يزيد من حدة هذه المنافسة، فلقد أدى الانفراج الذي قادته بكين بين طهران والرياض إلى القضاء بشكل فعال على التهديد الأساسي المشترك في المنطقة بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبالتالي الحد من الصراعات الجيوسياسية طويلة الأمد بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من الخليج الفارسي.

وبالمضي قدمًا، قد تدخل المنطقة حقبة جديدة حيث يتحول التركيز من المنافسة الجيوسياسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي إلى المنافسة الجيواقتصادية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويتبنى كلا البلدين أيضًا سياسات تجارية ترقى إلى مستوى التحديات المباشرة لبعضهما البعض.

ففي يوليو/تموز 2021، نفذت المملكة العربية السعودية سياسات حمائية لتعزيز إنتاجها الصناعي المحلي، وتنص هذه الأنظمة على أن البضائع المصنعة في المناطق الحرة أو التي تستخدم مدخلات إسرائيلية مستثناة من الامتيازات الجمركية التفضيلية.

وهذا الموقف يتحدى بشكل مباشر المناطق الاقتصادية الحرة التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد الإماراتي، وتمثل هذه اللوائح، التي تهدف إلى جذب المستثمرين الأجانب لتأسيس أعمال تجارية داخل الدولة، بمثابة رد واضح على العلاقات التجارية المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

وتشكل السياسة تجاه إسرائيل مجالاً محتملاً آخر للخلاف، فبينما اعترفت الإمارات رسميًا بإسرائيل في عام 2020، امتنعت السعودية حتى الآن عن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام.

وعززت إسرائيل والإمارات العلاقات الثنائية من خلال التوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، وهذا التقدم الاقتصادي وضع الرياض في موقف ضعيف نسبياً.

لقد أدت الحرب بين إسرائيل وحماس الآن إلى تباطؤ عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية، لكن من المرجح أن تنتعش الحوارات حيث من المفترض أن تكون الرياض حجر الزاوية في الاتفاقات، ولن يكون مفاجئاً أن يسعى محمد بن سلمان إلى الحصول على تنازلات إضافية، خاصة في البرامج النووية والضمانات الأمنية، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى ممارسة الضغط على سياسة محمد بن زايد تجاه إسرائيل، ومع اتساع الصدع بين السعوديين والإماراتيين، هناك احتمال أن تتسارع علاقاتهم مع موسكو وبكين وحتى إيران كثقل موازن لبعضهم البعض، وهذا بدوره يمكن أن يضعف فعالية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ويدفع البيت الأبيض إلى إعادة تقييم أهمية المنطقة.

وفي هذا السياق، لا ينبغي اعتبار اصطفاف أبو ظبي والرياض مع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة أمرًا مفروغًا منه، وكما هو الحال مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، يمكن للمنافسة الجيواقتصادية المتزايدة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تتحدى وجهة النظر التبسيطية القائلة بأن الشرق الأوسط مقدر له أن يصبح أكثر سلامًا.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى