ياسر القالش يكتب لـ”بوليتكال كيز | Political Keys”: الوساطة القطرية في الأزمة اللبنانية… هل تكون بديلًا للدور الفرنسي؟
ياسر القالش
باحث سوري ومحرر أخبار في منصة بوليتكال كيز
شهدت الفترة الأخيرة من الأزمة اللبنانية المتمثلة بالفراغ الرئاسي المستمر منذ نحو عام، تطورات دراماتيكة ربما ستحدث نقلة نوعية توصل لبنان إلى بر الأمان فيما يتعلق بتنصيب رئيس جديد له يرضي الأطراف جميعًا، ويكون فيه لقطر دور بارز في ذلك.
التحرك القطري الأخير مقابل التقهقر الفرنسي
مع المحاولة الفرنسية الثالثة لإنهاء أزمة الفراغ اللبناني والتي يقودها المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان “جان إيف لودريان” يبدو أنّ جهود باريس لم تثمر في إحداث خرق في جدار الأزمة الحاصلة فمع تمسك فرنسا – الواضح – بخيار المضي قدمًا في مسار مايتبناه “الثنائي الشيعي” بترشيح رئيس تيار المردة “سليمان فرنجية” كمرشح وحيد لها لرئاسة لبنان، وتصريح “لودريان” بتأييده لمبادرة حوار “السبعة أيام” الذي أطلقه زعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب “نبيه بري” والذي ينتهي به المطاف لذات أهداف الثنائي الشيعي، يبدو أنّ ذلك لم يشفع لفرنسا في جهودها المبذولة بل اصطدم أكثر من مرة بصخرة قوى المعارضة الداخلية كحزب الكتائب والقوات وكذلك التيار الوطني الحر (الأقل معارضة) وأيضًا بالقوى الخارجية الدولية والمتمثلة بالولايات المتحدة والسعودية اللاعبان الأبرز مع فرنسا وإيران في الساحة اللبنانية. كل ذلك نتج منه على ما يبدو قناعة خارجية وداخلية بفشل المسار الفرنسي ومحاولة تحييده بشكل جزئي وإدخال لاعب جديد يملك خبرة الوساطة بين الأحزاب وبين الدول وهو دولة قطر والتي بدأت تحركاتها بشكل مكثف خلال الأسبوع الماضي عبر موفدها الخاص، والذي التقى معظم القادة اللبنانيين هناك وعلى رأسهم رئيس حزب القوات اللبنانية “سمير جعجع” و رئيس مجلس النواب “نبيه بري”، وكذلك صرح مستشار رئيس وزراء الدوحة والمتحدث باسم الخارجية “ماجد الأنصاري”، الثلاثاء 26 أيلول/ سبتمبر، أن بلاده تعمل حاليًا في وساطات بملفات مختلفة، من بينها أزمة لبنان ورواندا وأفغانستان.
الوسيط العنيد لايعود حتى يحقق أهدافه
تسير الدوحة الآن في مسار الوساطة بين الأطراف اللبنانية وبضوء أخضر أمريكي سعودي والذي ظهرت إرهاصاته بعد اجتماع اللجنة الخماسية الأخير، فقد كشفت مصادر مطلعة على نتائج اجتماع اللجنة، الاثنين 25 أيلول/ سبتمبر، أنّ هناك توجهًا جديدًا اعتمدته دول “اللقاء الخماسي” في اجتماعها الاخير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتضمن الإبقاء على مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي “جان إيف لودريان” المكلف بها لحل أزمة الانتخابات الرئاسية، مدعمًا بتحرك متزامن يتولاه الموفد القطري المكلف إجراء الاتصالات اللازمة مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، توجه وإن كان لايلغي الدور الفرنسي “المحوري” في لبنان ظاهرًا إلا أنه يعبر عن رفض لذلك المسار من قبل واشنطن والرياض وقد أرادتا استبداله بمسار جديد وجد أنّ “الدوحة” ستكون الأجدر بقيادة دفته، فالمملكة ومعها الولايات المتحدة لا تريدان أن يفرض رئيس “تحدي” على لبنان وإنما تريان أنّ الأمور يجب أن تسير بشكل انسيابي ودون فرض أي شخص أومرشح من كلا الأطراف، بل ترغبان بالتوجه نحو شخصية توافقية ترضي جميع الأطراف وتضمن مصالح الدول والأحزاب. أمر تتفهمه دولة قطر بشكل واضح وصريح فقد صرح مسؤولوها أنهم يتوجهون حاليًا نحو أسماء أخرى غير تلك التي حصل الخلاف حولها سابقًا كـ”فرنجية” و “أزعور”، ويمكن أن ترضي الجميع ومنها على سبيل المثال قائد الجيش “جوزيف عون” وأيضًا المدير العام للأمن العام بالإنابة “إلياس البيسري” والذي التقاه الموفد القطري إلى لبنان جاسم آل ثاني قبل أيام.
التحركات القطرية:
تحركات قطرية تستند فيها الدوحة على خبرات سابقة في مجال الوساطة والتي كان أبرزها “اتفاق الدوحة” 2008 الخاص بلبنان والذي أفضى في النهاية لحل مشكلة الفراغ الرئاسي وتنصيب ميشال سليمان رئيسًا للبنان آنذاك، وكذلك الوساطة بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة والتي رعت فيها قطر معظم اجتماعات مسؤولي الطرفين في بلادها وانتهت بتفاهمات بين الطرفين أفضت لانسحاب واشنطن من أفغانستان مقابل شروط على طالبان، وكذلك قيام الدوحة بإجراء وساطة بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بمفاوضات العودة للاتفاقية النووية…
ومع وجود إيران كطرف دولي فاعل في الساحة اللبنانية لابد للوساطة كي تنجح أن يكون هناك طرف ترتضيه طهران كوسيط في ظل وجود منافس (عادت العلاقات الدبلوماسية معه مؤخرٌا) كالمملكة وهو قطر. ياسر القالش – باحث سوري ومحرر أخبار في منصة بوليتكال كيز
مهمة لاتبدو سهلة في ظل التعنت الكبير من “الثنائي الشيعي” المتمسك بخياره ترشيح “فرنجية”، لكن وفي ظل الرضا الدولي ومعه الإيراني عن الدور القطري ستبذل الدوحة قصارى جهدها في الوساطة حتى تحقيق أهدافها والوصول في نهاية المطاف لسد الفراغ الرئاسي.
وعليه نحن أمام سيناريوهات عديدة للمشهد اللبناني في ظل التحرك القطري الأخير، يتمثل الأول برفض الثنائي الشيعي وحليفه الإيراني للوساطة القطرية وبقائه متمسكًا بمرشح “فرنجية” إلى أن يصل لمبتغاه. أمّا الثاني، فهو رفض الأطراف اللبنانية للوساطة ومحاولة تقريب وجهات النظر بينها والإبقاء على حالة الفراغ الرئاسي والتعايش معها لفترة طويلة دون الوصول لحل نهائي، وأما الثالث فهو نجاح الوساطة والذي يبدو هو الأقرب في ظل الظروف الحالية، فالمتابع للتصريحات الأخيرة القادة اللبنانيين والتي كان أخرها تصريح رئيس مجلس النواب “بري” أنّ كرسي الرئاسة سيملأ – غالبًا – في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وكذلك الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان والذي ينتظر دعمًا مشروطًا بملء الفراغ الرئاسي، ومع تململ الدول المعنية بالملف اللبناني من طول مدة الفراغ والتي أثرت على مصالحها هناك وخصوصًا فرنسا، ومع التحدي الذي يمثله هذا الأمر للدوحة في دورها كوسيط ورغبتها الكبرى بإنجاح مهمتها بما يجعلها لاعبًا هامًا لا يستهان به في رقعة الشطرنج الدولية، كل ذلك مجتمعًا يمكن أن يكون بمثابة رافعات لتلك الوساطة ومساهمًا في إنجاحها وإيصال لبنان لهدفها الحالي الأبرز المتمثل بتنصيب رئيس في قصر بعبدا بعد نحو عام من الفراغ الرئاسي.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” على موقعها الرسمي تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير. بوليتكال كيز – Political Keys