خليل صباغ يكتب ل “بوليتكال كيز | Political keys”: في الإجابة على سؤال ما العمل؟ تصورات لحفظ مكاسب حراك السويداء ومواجهة النظام
خليل صباغ صحفي سوري وباحث مساعد في “مركز الحوار السوري”
تستعد انتفاضة السويداء دخول أسبوعها الرابع بسقف مطالبٍ مرتفع وحراك تدعمه حاضنة شعبية ومرجعيات دينية ومجتمعية وعشائرية، توافقت فيما بينها على رفض الانفصال والتقسيم، والقضاء على الفساد، ومحاربة الفقر والبطالة، ودعم حقوق السوريين في نيل حريتهم بالعيش في دولة تحكم بالعدل والمساواة.
الشارع الذي بدأ حراكه مدفوعاً بسلسلة من المطالب المعيشية نتيجة الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وسوء الخدمات، أصبحت ساحاته اليوم تكتظ بآلاف المحتجين الذي ينشدون التغيير السياسي ويطالبون بإسقاط الأسد ومنظومته الأمنية والاقتصادية، وإخراج المعتقلين، وتطبيق القرار 2254، وبهذا الشكل خرج الحراك من وصفه “ثورة جياع” -كما حاول الكثير تسميته-، إلى اعتباره موجة ثورية جديدة تعاند مسار الانحدار والهدم بحق القضية السورية.
يحاول أبناء السويداء الحفاظ على سلمية احتجاجاتهم إلا أن ذلك لم يمنعهم من اتخاذ خطوات تحمي حراكهم من أي اختراقات، وبنفس الوقت تقيد نشاط نظام الأسد وأذرعه الأمنية والميليشياوية، فسارعوا إلى نشر بعض الحواجز على مداخل القرى والبلدات لإحباط أي تهديد محتمل، وعمدوا على إغلاق مقار حزب البعث، في حين انتشرت الكتائب المحلية في الأرياف والمناطق الفرعية لمراقبة الميليشيات المنتشرة في المحافظة ورصد تحركاتها.
لعل ما يميز هذه الاحتجاجات أنها أتت بزخم أكبر من حيث المشاركة، والوضوح في المطالب، وانخراط البدو ومشيخة العقل في دعم الحراك، ورغم أن هذه المشيخة انقسمت منذ الأيام الأولى وقرر اثنان منها “حكمت الهجري وحمود الحناوي” دعم المظاهرات، اتجه الثالث لدعم ما أسماها بـ “الدولة”، وهو ما يمكن اعتباره خطوة أولى من خطوات كثيرة سيحاول نظام الأسد العمل عليها أو استغلالها لاحتوى الحراك تمهيدا لإخماده أو حرف مساره.
● استراتيجيات النظام في التعامل مع الاحتجاجات
رغم أن احتجاجات السويداء تتشارك بالكثير من المفردات مع ثورة 2011، حول الانتقال السياسي، وإنهاء حكم الأسد ومنظومته، وشكل الحكم، إلا أن الأخيرة تعرضت لشتى أنواع العنف واللا إنسانية من اعتقالات وقتل جماعي بالكيماوي واجتياح المدن والبلدات وتهجير السكان.
في حالة السويداء التي من الواضح أنها لن تتراجع عن انتفاضتها حالياً، يعي النظام جيدا خطورة استخدام الخيار العسكري لما له من مآلات قد توسع دائرة الصراع مع الطائفة الدرزية وتصل إلى جرمانا وصحنايا والأشرفية ومناطق في القنيطرة في وقت يحاول ترويج النصر لنفسه، كما أن استخدام هذا الخيار العسكري سينسف ادعاءاته السابقة أمام المجتمع الدولي حول حماية للأقليات.
لذا فإن خيارات النظام لاحتواء الحراك وإخماده سيكون عبر سلسلة من الخطوات تبدأ:
- الإهمال والتشويه المتعمد: منذ اليوم الأول من الحراك في السويداء سعت وسائل إعلام النظام إلى تجاهل الحدث وتفاصيله، واكتفت بذكر بعض التفاصيل في سياق تشويه سمعة الحراك من خلال الادعاء كذبا بأنها مدفوعة بقوى خارجية، أو يحاول أصحابها الانفصال عن سوريا وتشكيل دويلة داخل دولة، وهو ما رفضه الشارع أصلا منذ بداية حراكه، إلا أن عملية التشويه لن تتوقف وسيبقى النظام مراقبا لأدق التفاصيل لاستغلالها في الوقت المناسب، حيث تحدث قبل أيام “عبد الباري عطوان” أحد أبرز الكتاب الموالين للنظام، أن ما يجري في السويداء مخطط امريكي إسرائيلي هدفه تفكيك الدولة باستخدام “بعض” أبناء الأقليات التي قدم النظام الكثير لحمايتها.
- إظهار الحراك كمعطل للحياة في السويداء: وحصل الكاتب على معلومات خاصة من داخل السويداء حول نية النظام خنق الحراك من خلال إيقافه لبعض الخدمات الأساسية كالمستشفيات والمراكز الصحية، والمصارف، وتعمده عدم إصلاح أي مشكلات تصيب قطاعي المياه والكهرباء، في محاولة لإثارة الجزء غير المنتفض من أبناء السويداء ضد الحراك كونه تسبب بعرقلة مصالحهم.
- الاستفادة من عامل الوقت: يمكن لنظام الأسد أن يراهن على قدرة الأهالي على تحمل الأعباء المعيشية المرافقة للعصيان المدني الذي سينتج عنه نقص في الإمدادات إلى المدينة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمالية لتشكل شعور لدى البعض بأن الاستمرار في الضغط على النظام لن يؤتي بنتائج إيجابية، بل سيكون تأثيره سلبياً على السكان وسيؤدي إلى انهيار أكبر في النظام الاقتصادي القائم ضمن المحافظة نتيجة توقف جميع النشاطات التجارية.
- الدفع نحو انقسام الشارع: بدأ النظام منذ الأيام الأولى للحراك بالسعي لاستمالة بعض الوجهاء ومشايخ العقل إلى جانبه ودفعهم لتقديم خطاب يستفز الشارع كخطاب شيخ العقل “يوسف جربوع”، الذي وصف فيه صوت المتظاهرين بـ “النشاز”، وبعد تعرضه للانتقاد أشار إلى أن التصريحات المنسوبة له مجتزأة من لقاء اجتماعي. كما يمكن في مرحلة قادمة أن يعمل على بناء تحالفات محلية مع جهات ذات نفوذ في المحافظة ومنحهم بعض الامتيازات بهدف التأثير على الرأي العام وإفساد حالة التلاحم الشعبي.
- زعزعة استقرار المحافظة: قد يلجأ النظام إلى تنشيط خلايا تنظيم الدولة في البادية السورية القريبة من السويداء لتنفيذ هجمات مشابهة لهجمات عام 2018، بهدف إشغال أبناء السويداء وإنهاء حالة العصيان وهذه المخاطر أدركتها السويداء مبكرا حيث أرسلت عدة بيارق إلى الريف الشرقي للمحافظة للرباط هناك ومنع أي حالة تسلل محتملة من منطقة البادية.
- تنشيط الاغتيالات: حصل الكاتب على معلومات خاصة حول إعطاء أمر لجميع الأفرع الأمنية بتجميد الإجازات وعدم إنهاء أي عقود للمجموعات المحلية المتعاقدة معهم، مع ضرورة انتشار المتعاقدين في جميع أحياء المدينة إلى جانب قرى “عتيل، قنوات، القريا، الطيبة، صلخد، الكفر، وجمع معلومات حول الوفود التي تزور المناطق التي تعتبر شريان الحراك في المحافظة، في خطوة يرى المصدر أن هدفها تنظيم لائحة اغتيال بحق بعض الشخصيات لإثارة الفوضى.
تصورات لحفظ مكاسب حراك السويداء وتعزيزه
تركز المفاهيم والمبادئ العامة للحركات الثورية والاحتجاجات ضد أنظمة الاستبداد على جملة نقاط تكون بمثابة إرشاد عام لكيفية تنظيم الفعل الثوري والحفاظ عليه وأهمها: الوحدة والتنظيم، رسالة وهدف واضح، الاستراتيجية والتكتيك والقدرة على التكيف والتعديل بناء على المستجدات، توسيع المشاركة الشعبية، المحافظة على الحالة السلمية، التوافق على قيادة فعالة لاتخاذ القرارات، الاستمرارية ومواجهة الانتكاسات، وبناء تحالفات مع أفراد وجماعات تحمل ذات الفكر الثوري، بناء علاقات مع المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان للضغط على نظام الحكم، الاستفادة من الأدوات السياسية المتوفرة.
في الحالة السورية يمثل الحراك الشعبي في السويداء مرحلة مفصلية في التاريخ السوري، خاصة عند النظر إلى توقيته ومطالبه، لذلك أمام المحافظة فرصة لتقديم نموذج جديد جاذب لبقية السوريين داخل المحافظة وخارجها، وهنا ليس المراد الضغط على المحافظة وتحميلها المسؤولية إنما دعوة للعمل بشكل منظم ويكون ذلك من خلال:
- تحقيق التوافق بين الشارع ومرجعياته لوضع رؤية وبرنامج سياسي ينظم حراك الشارع داخليا وخارجيا للخروج بخطاب سياسي واجتماعي موحد، وذلك يتطلب الضغط على المرجعيات لإبداء موقفا أكثر وضوحا تجاه مطالب الشارع التي تستهدف نظام الأسد بشكل مباشر وتطالب بالتغيير السياسي، حيث إن ترددها باتخاذ موقف يُنبئ برغبتهم في إبقاء الباب موارباً أمام إمكانية فتح حوار مستقبلي مع النظام وهو ما يتعارض مع مطالب الشارع.
- الاستمرار في مواجهة خطاب النظام فيما يتعلق بالشائعات التي يطلقها بأن الحراك مدفوعاً من قبل قوى كإسرائيل وغيرها والتأكيد -وهذا ما حصل- على وطنية المطالب التي تمثل رغبة أغلبية السوريين بالتغيير السياسي.
- تنظيم الشؤون الخدمية والمدنية يشكل جزءًا أساسيًا من استمرارية الحراك الثوري، حيث ينبغي عدم التركيز فقط على الجانب السياسي والاحتجاجي، بل العمل على تنظيم الشؤون الخدمية والمدنية في المحافظة وضمان استمرار تقديم الخدمات العامة، بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحراك التفاوض والتواصل مع الجهات الأممية والمنظمات الدولية للحصول على الاعتراف والدعم لضمان توفير الموارد اللازمة، حيث يسهم تنظيم الشؤون الخدمية والمدنية يسهم في بناء الثقة بين الحراك والسكان المحليين وتعزيز الدعم المحلي للحركة الثورية.
- التأكيد على ضرورة استمرار العقوبات على النظام وعلى رأسها قانون قيصر، لإجهاض محاولات النظام استغلال الحراك لصالحه حيث بدأ بتوجيه رسائل إلى المجتمع الدولي وفق معلومات خاصة حصل عليها الكاتب وفيها أن الأسد ومن خلال مركز الضغط واللوبيات الداعمة له بدأ بالتواصل مع مراكز صنع القرار لتأكيد التزامه بحماية الأقليات في سوريا وأن ما يجري من غضب شعبي ناتج عن الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات المفروضة لذا فإن حل المشكلة تبدأ برفع العقوبات.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” على موقعها الرسمي تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير.
بوليتكال كيز – Political Keys