المفتاح الاستخباراتي

مكاتب جديدة لعملاق الصناعات الدفاعية الصينية “نورينكو” في السنغال ومالي… ماذا تفعل بكين في “القارة السمراء”؟

أكدت قناة “فرانس 24” في تقرير ترجمته “بوليتكال كيز | Political Keys” أنّ الصين تبحث حاليًا عن حلفاء وأسواق أسلحة في غرب أفريقيا مع تراجع النفوذ الفرنسي هناك.

واعتبرت “فرانس 24” أنّ توسع الصين في سوق الأسلحة في غرب إفريقيا بعد بمثابة تحول في استراتيجية دولة تركز عادة مبيعاتها من الأسلحة على مناطق إفريقية أخرى.

لكن بكين لا تتنافس فقط على حصة في سوق جديدة فمع تراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا، تتطلع الصين إلى تكوين حلفاء جدد وبناء نفوذها.

وبحسب القناة الفرنسية، فقد افتتحت شركة “نورينكو” وهي – أكبر منتج للأسلحة في الصين وسابع أكبر مورد للمعدات العسكرية على مستوى العالم – مكتب مبيعات جديد في السنغال، وفقًا لتقرير صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” المنشور في 21 آب/ أغسطس، وتمتلك الشركة بالفعل مكاتب في نيجيريا وأنجولا وجنوب إفريقيا.

كما تخطط بكين أيضًا لإنشاء مكاتب في مالي وساحل العاج – حيث تبيع الأسلحة بالفعل – مع وجود مادي لصيانة وإصلاح وتجديد المركبات والمعدات العسكرية، حسبما أفاد موقع الأخبار المتخصص Military Africa في الأول من آب/ أغسطس.

وأيضًا تم الإبلاغ عن وصول عملاق الأسلحة إلى الأراضي السنغالية في وسائل الإعلام الصينية، حيث تم الترويج له باعتباره تقدمًا للنفوذ الصيني في غرب إفريقيا وتحديًا للنفوذ الحالي لروسيا وفرنسا.

وأشارت “فرانس 24” إلى أن البلدان التي تبدو الآن في مرمى اهتمام الصين ــ السنغال وساحل العاج ومالي ــ كلها ناطقة بالفرنسية، وباعتبارها مستعمرات سابقة، فقد وقعت تاريخيًا تحت دائرة النفوذ الفرنسي، وفي السنغال وساحل العاج، لا تزال فرنسا أكبر مزود للأسلحة.

من جانبه، قال دانيلو ديلي فاف، المتخصص في الأمن الصيني والباحث في المنظمة الدولية غير الربحية: “ركزت الصين دائمًا على شرق ووسط أفريقيا، لكنها حافظت حتى الآن على مستوى أقل في غرب أفريقيا، أحد الأسباب هو حاجز اللغة”.

وعادة ماكان النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا تحت التهديد من قوة منافسة مختلفة وهي روسيا فقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة أجريت معه عام 2019 إن تطوير العلاقات مع إفريقيا “يعد أحد أولويات السياسة الخارجية لروسيا”.

حيث تشن روسيا هجومًا “ساحرًا” في جميع أنحاء القارة، وتوسع روابطها التجارية وتلعب على مشاعر الاستياء المستمر التي تكنها المستعمرات السابقة لفرنسا، حتى أنها استضافت قمة الزعماء الأفارقة في سانت بطرسبرغ في تموز/ يوليو.

وقال ديلي فاف: “إن قدرة روسيا على تصدير الأسلحة تعاني بسبب العقوبات الدولية المفروضة منذ بداية الحرب في أوكرانيا”.

أما لوك باتي، المتخصص في العلاقات الاقتصادية الصينية في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، فقد أكد أن وصول نورينكو إلى السنغال يظهر أن “الشركات الصينية انتهازية للغاية وقادرة على سد الفجوات التنافسية”.

وتابع ديلي فاف: إنه في غرب أفريقيا على وجه الخصوص، تتزايد الجهود الصينية لدخول السوق حيثما ترى بكين “تدهورًا في النفوذ الفرنسي وتأثير العقوبات الدولية على التجارة الروسية”.
وعلى الرغم من إظهار الوحدة بين بكين وموسكو منذ بداية الحرب في أوكرانيا، يبدو أن الصين ليس لديها أي مخاوف بشأن الدخول في منافسة مباشرة مع حليفتها الروسية على سوق الأسلحة في غرب أفريقيا.

وهذا ليس مفاجئًا لـ ديلي فاف الذي اعتبر ” أنّ الصين لا تريد أن تهزم روسيا في أوكرانيا، إنها لا تريد أن يصبح الغرب أقوى من خلال إضعاف روسيا، لكنّ هذا لا يعني أن الصين لن تتنافس مع روسيا على حصص السوق”.

وأكدت “فرانس 24″، أنّ الصين أصبحت موردًا رئيسيًا للأسلحة إلى البلدان الإفريقية في السنوات العشر الماضية فقط، لكن عقدًا من الزمن كان طويلًا بما يكفي لبناء حضور قوي في هذا القطاع، كما تعد بكين الآن ثالث أكبر مورد للأسلحة في أفريقيا، بعد روسيا والولايات المتحدة.

بدورها، قالت وسائل الإعلام الحكومية الصينية وصحيفة South China Morning Post إن التوسع المادي في غرب إفريقيا يجسد الرغبة المتزايدة بين المجمع الصناعي العسكري الصيني ليس فقط لبيع الأسلحة في إفريقيا ولكن كمثال على طموحات بكين لتعاون أمني أوسع مع الدول الإفريقية.

وقال إيرل كونتيه مورجان، المتخصص في العلاقات الصينية الأفريقية بجامعة جنوب فلوريدا، إن مكتب مبيعات نورينكو في السنغال هو وسيلة للشركة للتواصل مع السوق “بأنها جادة بشأن بيع المزيد من الأسلحة إلى أفريقيا”.

وأضاف “موريجان” سيساعد الفريق الدائم الصين على تقديم خدمة ما بعد البيع التي يمكن أن تعزز العلاقات التجارية وتسمح لشركة Norinco بتقديم حلول تجارية مناسبة للمناخات السياسية المتطورة – مع السماح للشركة أيضًا بمتابعة الأحداث على أرض الواقع في السنغال والدول المجاورة عن كثب.

ووفقًا للقناة الفرنسية، فإن اختيار السنغال كقاعدة أولى في غرب أفريقيا يكشف عن الثقة المتزايدة في نورينكو – وبالتالي في بكين.

ومع احتمال أن تعرقل العقوبات الدولية الجهود الروسية لتوسيع مبيعات الأسلحة إلى إفريقيا وارتفاع الثقة في بكين، يمكن أن يستعد موردو الأسلحة الصينيون لدخول – وربما السيطرة – على أسواق جديدة في جميع أنحاء القارة.

ولكن سيكون من السابق لأوانه التقليل من شأن روسيا ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تجاوزت روسيا الصين كأكبر مورد للأسلحة منذ عام 2018، وهي الصدارة التي تمكنت من الاحتفاظ بها في عام 2022 على الرغم من خضوعها لعقوبات دولية بسبب حربها في أوكرانيا.

هذا وقد اشترت جمهورية الكونغو الديمقراطية طائرات بدون طيار من الصين في شباط/ فبراير 2023، ولاحظ المحللون أن المشتريات الأفريقية من الطائرات المقاتلة الصينية آخذة في الازدياد. بحسب فرانس 24.

وإنّ مثل هذه المبيعات هي نتيجة مباشرة للحرب في أوكرانيا، حيث تجد روسيا – تاريخيا المزود الرئيسي للطائرات المقاتلة لأفريقيا – أن قواتها الجوية تفتقر إلى القوة.
كما أدى تطور أهداف بكين في إفريقيا إلى تحفيز ريادة الأعمال بين شركات الأسلحة الصينية، وقد باعت الصين الأسلحة إلى البلدان التي تمتلك الموارد الطبيعية التي تطمع فيها بكين.

فعلى سبيل المثال، سهلت مبيعات الأسلحة إلى السودان ونيجيريا وصول الصين إلى احتياطيات النفط الهائلة في البلدين، ولكن يبدو أن الصين الآن تتطلع إلى مبادلة الأسلحة بالنفوذ.

وقال كونتيه مورجان: “إن الصين مهيمنة اقتصاديًا بشكل أو بآخر على المنطقة، مما جلب لها قدرًا كبيرًا من النفوذ، لذا يقومون الآن بتوسيع جهودهم في الشؤون الأمنية”.

ويعد وصول “نورينكو” إلى السنغال فرصة تجارية للمجموعة، ولكنه أيضًا محاولة للحصول على السلطة.

وأضاف كونتيه مورجان: “لدى الصين، مثل روسيا، مصلحة أمنية وتجارية في رؤية فرنسا في ورطة في هذه المنطقة”… إنه يساعد على تخفيف النفوذ الفرنسي والغربي في إفريقيا”. “كما أنه يساعد في مواجهة تأثير قوة عظمى أخرى وهي الولايات المتحدة”.

وبينما اختار الرئيس السابق دونالد ترامب استراتيجية انعزالية، مالت إدارة بايدن إلى التطلع إلى تحالف الديمقراطيات لاحتواء جهود الصين لبناء نفوذها في جميع أنحاء العالم.

وأفاد مورجان: “لقد استجابت بكين من خلال تكثيف جهودها لزيادة النفوذ الصيني في إفريقيا”.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى