موسى أفشار يكتب لـ”بوليتكال كيز | Political Keys”: صناعة الوهم في إيران
موسى أفشار
كاتب ومحلل سياسي مختص بالشأن الإيراني
لا يمکن التصور أبدا بأن النظام الإيراني وبعد الأحداث والتطورات الأخيرة ولاسيما الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي استمرت لأشهر عديدة، وکذلك الأوضاع الاقتصادية بالغة السوء والعزلة الدولية، قد خرج سالما معافى کما يوحي في تصريحات ومواقف قادته ومسؤوليه في وسائل إعلامه المختلفة، فذلك محض کذب وهراء لاينطلي حتى على مبتدئ بالسياسة.
النظام الإيراني الذي يعلم جيدا بأن کل ماحدث وجرى خلال ال44 عاما المنصرمة بکفة، وماجرى خلال الاحتجاجات الأخيرة بکفة أخرى، ذلك أن ما قد حدث وجرى خلال الاحتجاجات الأخيرة وما تمخض عنها، قد کان بمثابة تطور نوعي في عملية الصراع والمواجهة الشعبية الجارية ضد النظام وخلالها صار جليا للنظام بأن عملية مواجهته ورفضه لم تعد مبعثرة أو من غير توجيه ومن دون رأس منظم، بل إنه قد تيقن بأن المواجهة ضده منظمة تماما، ولعل أبسط دليل استمرارها لفترة طويلة غير مسبوقة والأهم من ذلك أن آثارها وتداعياتها ما زالت باقية بمختلف الاتجاهات.
هذه الحالة غير المسبوقة وبالغة الحساسية والخطورة على النظام، قد جعلت قادة النظام ومسؤوليه في حالة من حيرة غير عادية ولاسيما عندما اصطدموا بالتداخل النوعي بين الشعب وبين المعارضة الإيرانية، ذلك أن هذا النظام وطوال ال44 عاما المنصرمة، سعى بکل ما في وسعه ومن خلال حملات سياسية تعبوية شاملة لخلق حالة تدفع بالشعب للنأي بنفسه عن المعارضة الإيرانية، لکن الصدمة الأقوى التي تلقاها هذا النظام هو أن وحدات المقاومة التابعة للمعارضة، والتي مارست نشاطات مکثفة في أثناء الاحتجاجات، في سائر أرجاء إيران وما زالت، فإن معظم أعضائها هم من الأجيال الجديدة، وهو أکبر دليل عملي على فشل تلك الحملات.
اليوم، وبعد الاحتجاجات الأخيرة والنشاطات السياسية للمقاومة الإيرانية على الصعيد الدولي والتي لم يتمکن النظام من التعتيم عليها وعدم السماح بأن تترك آثارها على الشارع الإيراني، فإن هذا النظام لم يجد أمامه من سبيل إلا اللجوء الى ممارسة الکذب والخداع في مواجهة هذا الوضع الجديد خصوصا بعد أن انتهت خياراته، والملاحظ أن النظام قد جعل من ممارسته للکذب والخداع صناعة في حد ذاتها، صناعة مبنية على الوهم والتضليل، فهو من جهة يسعى للترکيز على أن أوضاعه على أحسن ما يرام وأنها ليست في طريقها للتحسن بل إنها تحسنت، وأن خصوم النظام وأعداءه ولاسيما المعارضة الإيرانية قد فشلوا في تحقيق أهدافهم.
ولکن هذه الصناعة التي هي في الحقيقة ليست بجديدة وطارئة على النظام بل إنه مارسها على الدوام ولکن فرقها الآن أنه يمارسها بصورة تکاد تکون غير مسبوقة على أمل أن تنعکس على الداخل والخارج معا، ولکن هل يمکن ذلك؟ ذلك هو الوهـم الذي يعيشه النظام ويحلم بتحققه عبثا ومن دون طائل.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير.