إدريس أحميد يكتب لـ”بوليتكال كيز”: “القضية الفلسطينية والعدالة المفقودة”
سيطرت بريطانيا على فلسطين بما يعرف بالانتداب البريطاني والذي حكم فلسطين لمدة 28 عامًا. بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولي، وفق معاهدة “سيفر” بين فرنسا وبريطانيا.
وكان منذ البداية هدف الانتداب هو تحقيق وعد “بلفور” المشؤوم في 1917 من أجل تمكين اليهود من الهجرة إلى فلسطين لإقامة وطن قومي يهودي. ويعد ذلك بمثابة التخلص من اليهود وتجميعهم من مختلف دول العالم ، والزج بهم في فلسطين، وبذلك بدأ الصراع في فلسطين وبدأت أعمال القتل واغتصاب الأراضي وإرغام الفلسطنيين على الهجرة بالقوة.
الحروب العربية – الإسرائيلية
كانت أول الحروب عام 1948 والتي خاضتها الجيوش العربية في مواجهة القوات الصهيونية المدعومة من الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها بريطانيا وأمريكا بالخبرة العسكرية والعتاد والاسلحة ودعم الوكالة اليهودية التي كان يرأسها “ديفيد بن غورين”.
وكانت الهزائم التي تلقتها الجيوش العربية في الحروب الخمسة طبيعية، نظرًا للتفوق الصهيوني في الأسلحة والدعم اللوجستي من أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وقد توالت هزائم الجيوش العربية في يونيو 1967، وخسرت أراض في سوريا وسيناء وجنوب لبنان.
قرارات الأمم المتحدة في الإدراج
صدرت قرارات من الجمعية العامة ومجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية، ابتداء من عام 1948 بلغت “9” قرارات، وأهمها القرار ” 194″ لسنة 1948 بشأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وصوتت معه الولايات المتحدة، وصدر من المجلس ” 13 ” قرار ، ومنها قرار 3379 الذي ألغى اعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز، وبكل بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأول للكيان الصهيوني.
ومن المفارقات والخداع الذي مارسته أمريكا والغرب على مجلس الأمن، يأتي القرار “242” لسنة 1967 الذي جاء فيه “انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلت في النزاع الأخي ، كما نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنًا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. والذي وضعه المندوب البريطاني على طريقة الخبث البريطاني المعروف، تلاها القرار 338 لسنة 1973 والذي دعا إلى وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 242.
وتوالت اجتماعات الجمعية العامة كل عام بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينيّة والتي صوتت بمنحها صفة مراقب وقد صوت أمريكا ضد القرار. واستمر الكيان الصهيوني في تحديه لكل القرارات والمطالبات الدولية وعدم الالتفافات إليه.
اتفاقيات السلام
بدأت مرحلة جديدة بعد انتهاء حرب العبور 1973 التي خاضها الجيش المصري من جهة والجيش السوري مع قوات العدو الصهيوني، وحقق فيها الجيشين الانتصار. وجاءت اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل في مارس 1979، واعتبر ذلك خروجًا عن الإجماع العربي وماعرف باللآت الثلاثة التي اتفق عليها في قمة الخرطوم عام 1967، وكانت بداية للخلافات العربية ومقاطعة جمهورية مصر العربية.
استمرت المقاومة الفلسطينية انطلاقا من لبنان التي شهدت صراعات سياسية وعسكرية وتحالفات عربية ودولية، وانقسام بين الفصائل الفلسطينية والفصائل اللبنانية، وجاء عام 1982 الذي شهد اجتياح صهيوني بما يعرف حرب صيف 82، وانتهى بحصار بيروت وتوقيع اتفاق بوساطة أمريكية لإخراج المقاومة الفلسطينية وإنهاء حصار بيروت وانسحاب إسرائيل. وقد أعقب ذلك وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا داخل المخيمات الفلسطينية والتي راح ضحياتها حوالي “3500” من الأطفال والنساء والشيوخ!
المقاومة الفلسطينية الحقيقية
انطلقت الانتفاضة الفلسطينية والتي عرفت بـ”ثورة الحجارة” نتيجة الممارسات الوحشية والحصار والتجويع والاستيطان الصهيوني، وكان قيام المستوطنين بدهس عمال فلسطينيين في طريقهم إلى ديارهم السبب الأكبر لتوسع الانتفاضة في كل المدن والقرى الفلسطينية بكافة أنواع المقاومة وأهمها الحجارة، وقد كانن لهذه الانتفاضة أثر كبير أدى إلى إحراج الكيان الصهيوني وأثار الرأي العام الدولي.
مؤتمر مدريد للسلام 1991
أجبرت الولايات المتحدة بفعل تداعيات الانتفاضة الفلسطينية، وحاولت عقد مؤتمر للسلام في اكتوبر 1991 بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي السابق، وبحضور دول المنطقة، وجاء ذلك لتهدئة الانتفاضة وخدمة مصالح الكيان الصهيوني.
وقد مهد هذا المؤتمر لإطلاق مفاوضات سرية بين الفلسطينيين و الإسرائيليين ، وأهمها لقاء “أسلو ” في النرويج والذي توج باتفاقية أسلو، وتم الاتفاق على إنشاء سلطة فلسطينية على الأرض محددة ومنزوعة السلاح. وتواصلت المفاوضات برعاية امريكية في “واي ريفر 1 ،2”.
تعاملت إسرائيل بتاعنت ومحاولة كسب الوقت والمرواغة والتخلي عن تعاهداتها، واستمرت في الاستيطان والاستيلاء على الأراضي والاعتقالات والاغتيالات وفي النهاية حاصرت الرئيس الشهيد “ياسر عرفات” في مقر المقاطعة في رام الله، ولم تستجب للمبادرة العربية التي قدمت في قمة بيروت أيضًا.
مخطط إنهاء دول الممانعة والربيع العربي
انطلقت الفوضى الخلاقة تحت ذريعة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، فكان هدفها إنهاء الدول التي تعارض السياسة الأمريكية، وبدأو من العراق وسوريا وليبيا واليمن، بهدف إلهاء الشعوب عن القضية الفلسطينية.
عملية طوفان الأقصى والانتصار
إسرائيل الدولة القوية التي تمتلك القنابل الذرية والأسلحة المتطورة والمدعومة من الولايات المتحدة الملتزمة بالدفاع عنها، فإذا بمجموعة من الشبان المحاصرين والذين استطاعوا تصنيع قذائف وقنابل بأيدهم، وقاموا بأختراق المنظومة الاستخباراتية والامنية. ليكون ذلك موعدًا لإرباك هذا الكيان ومن ورائه الولايات المتحدة وحلف الناتو الذي أعلن دعمه اللا محدود، وأرسلو الأسلحة والمعدات في تأييد غير مسبوق لأعمال القتل والجرائم التي يرتكبها الصهاينة.
لقد أعادت عملية “طوفان الأقصى إحياء القضية الفلسطينية ولفتت أنظار الرأى العالمي، إنّ عملية طوفان الاقصي التي خطط لها بعناية واستراتيجية عجلت بإنهاء هذا الكيان وسببت إرباكه وكشفت عن حجم التناقض داخل المجتمع الصهيوني، الذي جمع من كل دولة من أجل وطن اليهود، وتحقيق أحلامهم “من النهر إلى البحر” و “يهودا والسامراء”.
عملية طوفان الأقصى حققت انتصارات لم تحققها الجيوش العربية في حروبها السابقة. ونعود ونذكر بالدعم الأمريكي السريع بتحريك أكبر حاملتي طائرات لنجدة الصهاينة، وتقديم القذائف الصاروخية الموجهة وتسخير الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة، بل المشاركة بقوات أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية وألمانية، والتأييد السياسي والذي تمثل في زيارات القادة الامريكان وفي مقدمتهم الرئيس بايدن ووزير خارجيته الذي صرح عند وصوله للقدس المحتلة “جئت لأنني إسرائيلي”.
وهنا نذكّرُ بما قاله أحد المحليين الصهاينة الذي قال: الجيش الإسرائيلي مجهز لمواجهة الجيوش الرسمية، ولا يستطيع مواجهة حرب العصابات، وهذا ماتقوم به المقاومة التي ألحقت خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال بعد”80″ يومًا من القصف الذي يطال الأطفال والنساء والشيوخ أمام أنظار العالم وتأييد أمريكي متواصل.
القضية الفلسطينية وفشل الأمم المتحدة
لقد تأكد بما لا يدع مجالًا للشك انتهاء الأمم المتحدة التي جاءت من أجل العدالة والسلام، لتتعرض لطعنات ممن أسسوها، ورفعوا شعارات ومبادئ داسو عليها بأقدامهم واستخدموها لخدمة مصالحهم الاستعمارية بحجة المصالح، التي تسير على آهات ومعاناة الشعوب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية من خلال مجلس الأمن.
الولايات المتحدة الأمريكية تدعي بأنها راع لما يسمى عملية السلام والتي استخدمت حق النقض”الفيتو” عشرات المرات، دعمًا للكيان الصهيوني وتأييده في الانتهاكات ونقض كل الاتفاقات والمواثيق الدولية، ولعل آخرها العدوان على غزة والمدن الفلسطينية، الذي يستهدف الأطفال والنساء والشيوخ والمستشفيات ودور العبادة، في سابقة لم تشهدها البشرية في تاريخها. في ظل صمود وتحد شكّل أروع الملاحم التي سوف تفشل هذا العدوان وتنهي هذا الجسم السرطاني الذي يهدد البشرية جمعاء. إنها الصهيونية ولسنا ضد “اليهودية”، بل هؤلاء الذين جمعوا من جميع دول العالم لاغتصاب الأرض الفلسطينية بعدما سيطروا على الدول الكبرى من خلال اللوبي الصهيوني الذي يسير العالم.
معطيات عملية طوفان الأقصى
لقد أعطت عملية طوفان الأقصى أبعادًا استراتيجية وكشفت حقائق سوف تغير النظام العالمي، وأهمها إعادة القضية الفلسطينية التي تمثل أقدم قضية في التاريخ، ونبهت شعوب العالم إلى ضرورة التخلص من الهيمنة الصهيونية والأمريكية. وإن انتصار القضية الفلسطينية بدأ يتحقق، بإرادته القوية والتي جعلت الول الأوربية تفكر في إيجاد حل ينهي هذا الاحتلال، وما كان ذلك يتحقق لولا المقاومة والصمود الأسطوري من أجل الحق والكرامة الإنسانية.
إنّ عملية طوفان الأقصى كشفت الحاجة الملحة لإيجاد نظام عالمي يحترم إرادة الشعوب، كما أحر جت أمريكا والناتو في صراعهم مع روسيا الاتحادية، التي استفادت من وقف الدعم الأمريكي الغربي لأوكرانيا وجعلتها تحقق مكاسب عسكرية تعجل بفشل المؤامرة عليها.
وسوف تسبب هزيمة للرئيس الأمريكي في الترشح لولاية ثانية، والذي أراد كسب اللوبي الصهيوني ويبدو أن حساباته أخطأت في ذلك.
أما في الداخل الإسرائيلي سوف تنتهي الحياة السياسية لنتنياهو في ظل الصراع على السلطة وقد أراد في الحرب ذريعة للتهرب وتأجيل المحاكمة، وقد أبرزت “طوفان الأقصى” أزمة مجتمعية بين الإسرائيليين وجعلت الآلاف منهم يفرون من فلسطين، بعدما تأكدوا زييف الوعود بأن فلسطين أرض المستقر بالنسبة لهم. إضافة لضغط أهالي الرهائن الذين يطالبون بإيجاد حل لإطلاق سراحهم. كما أفشلت مخطط تهجير الفلسطينيين (أهالي غزة) إلى سيناء وأهالي الضفة إلى الأردن.
كما فتحت جبهات جديدة في اليمن من خلال الهجوم على السفن الإسرائيلية وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، إضافة لجبهة لبنان والعراق وسوريا.
وهذا مايساعد إيران على تقوية موقفها في المنطقة والسير في المفاوضات بشأن ملفها النووي.
ختامًا، إنّ عملية طوفان الأقصى أعطت دليلًا على أن المقاومة هي الرد والحل الحاسم لوقف أحلام الصهاينة التوسعية في المنطقة العربية.