ترجمات

صفقة الرهائن بين إسرائيل وحماس: هدنة أم وقف إطلاق نار؟

بقلم: أنشال فوهرا
المصدر: مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز

ساهمت أنباء الاتفاق بين إسرائيل وحماس، الذي تم الإعلان عنه في وقت مبكر من صباح الأربعاء، في راحة عائلات الرهائن المقرر إطلاق سراحهم. حيث سيتم إطلاق سراح حوالي 50 رهينة، بينهم نساء وأطفال على ما يبدو، و خلال هذه الفترة سوف تتوقف الأعمال القتالية مدت أربعة أيام. ولكن بما أن خمس إجمالي عدد الرهائن من المقرر أن يعود ــ تاركين ما يقرب من 200 رهينة في قطاع غزة ــ فإن المزاج السائد بين العديد من الإسرائيليين ظل قاتمًا.

من جانبه، قال نعوم دان، الذي من المتوقع أن يتم إطلاق سراح أبناء أخيه، لمجلة فورين بوليسي: “إننا نعد الثواني حتى نتمكن من معانقة أحبائنا مرة أخرى… بمجرد إتمام هذا الاتفاق الأولي، يصبح الطريق إلى الأمام واضحًا… نحن بحاجة إلى مزيد من الوساطة لإعادة بقية الرهائن إلى ديارهم”، وتابع: “لن نرتاح حتى يحدث هذا”. حيث أن صهر دان، لا يزال ضمن المحتجزين.

وفي السياق نفسه، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الصليب الأحمر سيتمكن من الوصول إلى الرهائن المتبقين وتزويدهم بالعلاج الطبي. ومع ذلك، لا تزال حالة عدم اليقين قائمة بشأن مصيرهم، ومصير سكان غزة. فهل ستتحول الهدنة الإنسانية القصيرة إلى وقف دائم لإطلاق النار مع تزايد الضغوط الدولية ضد إسرائيل، أم أن إسرائيل ستستأنف القصف في الأسبوع المقبل؟

إنّ الصفقة الحالية تضع أحكامًا للإصدارات المستقبلية ويمكن تمديد فترة التوقف المؤقت إذا احتاجت حماس إلى وقت لجمع الرهائن التي في عهدة جماعة أخرى تسمى الجهاد الإسلامي.

بدوره، قال فادي قرعان، مدير الحملات في آفاز، وهي منظمة غير حكومية تدعو إلى وقف إطلاق النار لمصلحة الأطفال على الجانبين، إنه بعد إطلاق سراح المجموعة الأولى المكونة من 50 رهينة، سيبقى هناك 30 مدنيًا بين هؤلاء الرهائن لا يزالون محتجزين في غزة.

وفي بيان لها، قالت وزارة الخارجية القطرية (التي ساعدت في التوسط في الصفقة) إنّ “عدد المفرج عنهم سيزداد في مراحل لاحقة من تنفيذ الاتفاقية”.

في المقابل، قالت إسرائيل إنه سيكون هناك تمديد للهدنة لمدة يوم واحد مقابل كل 10 رهائن إضافيين يتم إطلاق سراحهم.

وأضاف قرعان: “ما أفهمه هو أنه بالنسبة لكل رهينة يمكن تمديد الهدنة، وستكون هناك دفعة كبيرة من قبل العديد من الدول والمؤسسات لتحويل هذا إلى وقف لإطلاق النار… بالإضافة إلى ذلك، ستطالب العديد من عائلات الرهائن بتمديد عملية الوساطة حتى يتم إطلاق سراح جميع الرهائن”.

وقد يكون أحد آثار الصفقة زيادة الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية لتأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين. ويعتقد بعض الخبراء أيضًا أن وقف القتال قد يدفع الحكومات الأجنبية، في ضوء عدد القتلى الهائل في غزة، إلى دعوة إسرائيل إلى إعلان وقف دائم لإطلاق النار والالتزام به.

فعلى سبيل المثال، صوت البرلمان الاسكتلندي لصالح وقف فوري لإطلاق النار يوم الثلاثاء، ودعا إلى إنهاء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، لكن لم يكن هناك أي جهد ثابت من قبل أي قوة غربية كبرى لوقف القتال. وبالنظر إلى المستويات العالية من الدعم في المجتمع الإسرائيلي للقضاء بشكل حاسم على حماس ككيان سياسي وعسكري، فمن المرجح أن يظل وقف إطلاق النار بعيد المنال.

بدوره، قال عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لمجلة فورين بوليسي: “إنها معضلة رهيبة للحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي.. لكن الجيش الإسرائيلي قادر تمامًا على استئناف القتال بمجرد انتهاء فترة التوقف الحالية”.

قبل يوم واحد من التوصل إلى الاتفاق، قال المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية جوناثان كونريكوس لمجلة فورين بوليسي عبر الهاتف إنه “متى انتهت فترة التوقف المؤقت، سنستأنف عملياتنا”.

وفي استطلاع رأي تم إجراؤه يشير إلى أن 70% من الإسرائيليين يريدون أن يكون هدف الحرب “القضاء على حماس”، لكن آخرين يظهرون وجهة نظر عامة أكثر تعقيدًا. وكشف استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي أن 37.8% ممن شملهم الاستطلاع يريدون أن تتفاوض إسرائيل مع حماس بشأن إطلاق سراح الرهائن في غزة، “لكن لا ينبغي أن توقف القتال”.

في المقابل، إنّ أكثر من اثني عشر شخصًا تمت مقابلتهم في جنوب إسرائيل – بما في ذلك العديد من الكيبوتسات الذين دعوا منذ فترة طويلة إلى السلام مع غزة ولكن من المفارقات أنهم أصبحوا أهدافًا لهجوم حماس وأجبروا على الفرار من منازلهم – قالوا لمجلة فورين بوليسي إنهم لم يشعروا بالأمان عند العودة إلى ديارهم.

إن إسرائيل الآن بين خيارات معقدة يجب أن تقرر كيفية التوفيق بين هذه الأهداف، وتشعر الحكومة الإسرائيلية بالقلق من أن حماس سوف تطيل أمد المفاوضات الخاصة بالإفراج عن الرهائن في المستقبل لسنوات كما فعلت في الحالات السابقة، مما يعني استغلال حياة الرهائن بشكل فعال حتى تتمكن حماس من البقاء على قيد الحياة في الصراع. ولكن يبدو أن إسرائيل غير راغبة في منح حماس أي شيء يشبه النصر في الحرب. وبدلًا من ذلك، تتمثل استراتيجيتها في الضغط على الجماعة عسكريًا لإطلاق سراح الرهائن المتبقين.

ومن ناحية أخرى، كانت استراتيجية حماس تتلخص في إثارة الخوف بين الإسرائيليين من احتمال مقتل أسرى إسرائيليين أيضاً في التفجيرات المستمرة في قطاع غزة. وقد رفض المسؤولون الإسرائيليون تلميحات حماس ووصفوها بالحرب النفسية. وقال كونريكوس: “إن حماس ترسم صورة زائفة… من المهم التأمين على حياة الرهائن، وهو أصل مهم للغاية”، مشيرًا إلى أنه من مصلحة حماس الحفاظ على سلامتهم.

وقد دعا شركاء إسرائيل الغربيون البلاد إلى احترام القانون الدولي، لكن لم تدعم الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي وقف إطلاق النار. وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لمجلة فورين بوليسي، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “وقف إطلاق النار لا يزال غير مطروح على الطاولة بالنسبة للاتحاد الأوروبي نظرًا لعدم وجود إجماع عليه”.

وأضاف المسؤول: “تقول بعض الدول الأعضاء إنه من الصعب الدعوة إلى وقف إطلاق النار إذا كانت إسرائيل لا تزال تتعرض للهجوم، حيث يتم احتجاز الرهائن ويستمر إطلاق الصواريخ، ومع ذلك، لا يزال موقف الاتحاد الأوروبي يدعو إلى “هدنة إنسانية”.

إنّ هناك مجموعات عديدة من الرهائن والرجال والجنود معرضون بشكل خاص لخطر أن يكونوا آخر من يتم إطلاق سراحهم، ومن المرجح أن يتم مبادلتهم بكبار قادة حماس في السجون الإسرائيلية، وتريد معظم العائلات إطلاق سراح أحبائها في أقرب وقت ممكن، حتى لو كان ذلك يعني إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، لكن البعض الآخر يرى ميزة في نهج الحكومة الإسرائيلية المتمثل في حملة عسكرية لا هوادة فيها للضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن.

وفي قلب تل أبيب قبل بضعة أسابيع، تجمع آلاف الإسرائيليين للمطالبة من حكومتهم بإعادة الرهائن على الفور. كليري ألباج، 18 عامًا، والتي أسرت من قاعدة ناحال عوز العسكرية في أول يوم لها كجندية، قال والدها، إيلي ألباج، لمجلة فورين بوليسي: “نشرت حماس مقطع الفيديو الخاص بها على تيليجرام، وهكذا اكتشفنا أنها على قيد الحياة…إنهم يطلقون النار ولكنني بخير، كانت تلك رسالتها الأخيرة”.

وكان من الواضح على عائلتها الذهول والغضب من الحكومة لعدم مشاركتها أي معلومات حول المفاوضات، ومع ذلك، شعر والدها أن الحكومة تسير على الطريق الصحيح.

وقال: “إذا أطلقوا سراح أطفالنا، سأرسل الزهور. ولكن هذا كيف يحدث ربما نرسل صواريخ لزيادة الضغط حتى يفهموا”. وأضاف: “في المرة الأخيرة التي خطفوا فيها جنديًا واحدًا، تفاوضوا لمدة خمس سنوات، وكان علينا إطلاق سراح 1000 شخص مقابل واحد”، (في إشارة إلى المفاوضات من أجل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط)، نحن لسنا على استعداد للانتظار خمس سنوات الآن.

ومع مرور الوقت، قد يغير أقارب الرهائن وجهات نظرهم حول أفضل طريقة لإعادة الرهائن. وفي الوقت الحالي، تدعي الحكومة الإسرائيلية أن الفضل بالوصول إلى الصفقة تعود إلى عملياتها العسكرية الواسعة النطاق التي قادت حماس إلى طاولة المفاوضات.

لكن بعض الناشطين يقولون إن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت إمكانية التوصل إلى صفقة لأسابيع من أجل مواصلة أهدافها العسكرية في قطاع غزة. وقال قرآن، مدير الحملات في آفاز: “لا يزال الجيش الإسرائيلي يشعر بأنه لم يحقق أهدافه أو الردع، وأن أي توقف من شأنه أن يحد من الزخم”.

وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 14 ألف شخص قتلوا في القصف الإسرائيلي على غزة والدمار الهائل الذي أحدثته. لكن نتنياهو أكد أن هذه ليست النهاية بعد. وقال يوم الثلاثاء، قبل وقت قصير من الإعلان عن الصفقة: “نحن في حالة حرب وسنواصل الحرب”. وأضاف: “سنواصل الحرب حتى نحقق جميع أهدافنا الحربية، وهي القضاء على حماس، وإعادة جميع الرهائن والمفقودين لدينا، والتأكد من عدم وجود أي عنصر في غزة يهدد إسرائيل”.

وقد يدرك العالم قريبًا ما إذا كانت إسرائيل قادرة على البقاء على هذا القدر من التأكيد في مواجهة الضغوط المتزايدة لإنهاء القتال.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى