أجرت “بوليتكال كيز | Political keys”، حوارًا خاصًا مع الباحث الأكاديمي اللبناني الدكتور “مازن شندب” للحديث عن السيناريوهات التي من المتوقع حدوثها جراء الاشتباكات الدائرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
واعتبر “شندب” أنّ مايجري في جنوب لبنان هو أمر مختلف ربما عما نعتقده أو نظنه، فهو رغم ارتباطه بالحرب على غزة لكنه ارتباط غير مباشر، وهو بمثابة هجمات وقائية استباقية من “حزب الله” يريد من خلالها أن يقول للجميع وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل أنكم أمام خيارين، الأول أن تبقوا المعركة إسرائيلية حمساوية وهنا تبقى طبيعة الاشتباك في الجنوب تحت السقف المعتاد، والثاني هو أن يهرب الإسرائيلي إلى الأمام بقصف طهران أو بيروت وهنا لن يبق “حزب الله’ مكتوف الأيدي وبالتالي ستشتعل المنطقة، وتابع: أنّ مايرجح الرؤية الثانية هو الصواريخ اليمنية التي كانت تحمل أهدافًا سياسية أقرب منها إلى عسكرية.
ما هي السيناريوهات المتوقع حصولها جراء الاشتباكات الحاصلة على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية؟
وفيما يخص السيناريوهات المحتملة في جنوب لبنان، قال “شندب”: إنّ الأمر كما قلت هو مرتبط بنسقية المعركة في غزة وبتوسعها الجغرافي، بمعنى آخر إذا استمرت الحرب فلسطينية – إسرائيلية فستبقى قواعد الاشتباك كما هي في الجنوب، لكن في حال حقق الإسرائيلي نجاحات كبيرة وأصبحت “حماس” في “عنق الزجاجة” هنا يمكن أن يدير حزب الله حربًا مفتوحة كي لاتسقط “حماس” سقوطًا نهائيًا لأنه في الحسابات لدول “الممانعة” فإن “حماس” تعتبر أحد مرتكزات هذه القوى وبالتالي إذا سقطت فذلك يشكل ضربة كبيرة للمشروع الذي تديره تلك القوى.
وأضاف الباحث الأكاديمي أنّ ما يمنع “حزب الله” من التصعيد، و من باب الاستنتاج وسير المعركة هو أمر واضح، فحزب الله بالنهاية ليس “كاريتاس” ولاجمعية خيرية و”نصر الله” كان صريحًا عندما وضع معادلة “المدني مقابل المدني” هو قصد المدني اللبناني مقابل المدني الإسرائيلي ولم يدخل عنصر المدني الفلسطيني مقابل المدني الإسرائيلي، وأعتقد أن تلك كانت سقطة كبرى في خطابه، فاستشهاد 20 ألف فلسطيني من أبناء “غزة” لايؤثر على معادلة المدني اللبناني مقابل المدني الإسرائيلي، وهذا ما يعكس حقيقة أن تحرك “حزب الله” هو تحرك استراتيجي بهيئة “مقاومة” دون أن يلغي ذلك واقع أنه بموجب القوانين الدولية هو حركة مقاومة في وجه الاحتلال باعتبار إسرائيل دولة محتلة وربط حزب الله للنزاع معها لم تتفتق عراه بعد ولم يزل النزاع قائمًا وأيضًا عملية الربط لم تزل قائمة.
كيف ستنتهي معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كتائب “القسام”؟
بالنسبة لمعركة “طوفان الأقصى” وكيفية نهايتها، فرأى “شندب” أن ما فعلته كتائب “القسام” شيء في أهميته وأبعاده الاستراتيجية يوازي كل الحروب العربية الصهيونية، يعني الجدارات التي فصلت بين غزة وبين مستوطنات الكيان الصهيوني سقطت بإرادة وتصميم وإيمان مجاهدي “القسام”، ولاشك على الإطلاق أن نظرية الردع والقوة القاهرة في إسرائيل سقطت في عين وفي قلب المواطن والمستوطن الإسرائيلي وهناك فرق بينهما، ونظرية الدولة الآمنة سقطت، وهنا دعنا نتخيل لو أن كتائب “القسام”، تمتلك الصواريخ بعيدة المدى وذات القدرة التدميرية التي يمتلكها “حزب الله” في لبنان كيف سيكون شكل المعركة؟ أنا أعتقد أنه سيكون مختلفًا كليًا وجذريًا لذلك لم يسمح لحماس أن تمتلك أكثر مما امتلكت، وعندما أقول لا يسمح بفعل المضارع المبني للمجهول أقصد به أنّ كل الأطراف المتصلة بالصراع العربي – الإسرائيلي والصراع في الشرق الأوسط لديها مصلحة في ألا تمتلك حماس أكثر مما تمتلك، لكن رغم ذلك أنا أعتقد أن نهاية هذه المعركة ستكون على مقاس إسرائيل.
هل هناك تغير جوهري في الدور العربي بعد مرور كل هذا الوقت على “طوفان الأقصى”؟
وبالنسبة للموقف العربي من الأحداث الدائرة في قطاع غزة، فذكر “شندب” أنا لا أعتقد ان هناك تغيرًا جوهريًا في الدور العربي لكن هذه المرة كانت النظرة العربية لهذه المعركة من نافذة آخرى نوعًا ما. المشكلة في حركات المقاومة في فلسطين خصوصًا الإسلامية منها أنها بسبب أوضاعها وبسبب قلة عناصر قوتها إن صح التعبير، تميل إلى قوى إقليمية وفق منطق الحاجة، السياق العربي قبل 7 أكتوبر كان متجهًا نحو عملية ترميم علاقات مع إسرائيل في نهاية المطاف باعتبار أن هذا الصراع لابد له أن ينتهي وهناك إيمان لدى النظام الرسمي العربي بأن إسرائيل دولة قائمة وعضو في الأمم المتحدة وبالتالي دعونا نتعاطى معها على هذا الأساس ونطرح مسألة حل الدولتين ونحاول أن نحصل مكاسب إضافية للفلسطينيين في الدولة المنظورة أو التي نتطلع لأن تقام.
وتابع: وفق هذه الرؤية كانت الحسابات العربية ذاهبة باتجاه برامج وطموحات على أساس هذه الوضعية في الصراع العربي – الإسرائيلي، الكثير من الأنظمة العربية شعر أن 7 أكتوبر كان ضده قبل أن يكون ضد العدو الإسرائيلي، لأنه جاء عكس السير وعكس المتوقع وبالتالي زاد من مسألة أنه يجب لهذا الصراع أن يحل وألا نعود إلى الوراء أكثر وأخذت المسالة ضمنيًا في الموقف العربي لومًا لحركة “حماس” وعتبًا عليها، وبالتالي أنها تتصرف على هواها وما إلى ذلك، ولهذا نجد أن الخطاب العربي ركز على المسألة الإنسانية في غزة من الهمجية الإسرائيلية، ولم نسمع أو نشاهد خطابًا عربيًا سياسيًا مؤيدًا لحماس إلا ما كان من منطلق الأمن القومي كخطاب الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” الذي رفض مسألة تهجير أهالي غزة إلى سيناء واقترح مسألة النقب، وأيضًا مواقف عربية منفصلة أخرى، ومن هنا لا يمكن التعويل أكثر على الموقف العربي.
لماذا يصمت النظام السوري عما يجري في قطاع غزة؟
بالنسبة لصمت النظام السوري عما يجري في “غزة”، قال “شندب” أعتقد أن المسألة ليست مسالة صمت، هذا موقف ثابت بالنسبة للنظام موقف عدم التدخل إن صح التعبير، إضافة إلى أن ماحصل في سوريا منذ عام 2011 وحتى الآن والذي أدى لتدمير سوريا الدولة إضافة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، وبالتالي هو بغنى عن أن يفتح معارك ضد إسرائيل، حتى أنّ محور “الممانعة” برأيي يعتبر أن ليس مطلوبًا من النظام السوري إلا أن يبقى نظامًا، لأن بقاءه هو مكسب من وجهة نظرهم، وبالتالي هو ليس بوضعية تسمح له بأن يشن حروب أو يتلقى حروب والمسألة بهذا الحجم ليست أكثر ولا أقل.
وعن خطة “إسرائيل” و”حزب الله” في المواجهات الدائرة، أفاد الباحث الأكاديمي، أنا دائمًا أرى أن هناك حالة عدائية قائمة بين إسرائيل وحزب الله، لكن دائمًا هذه الحالة العدائية وحتى عندما تكون في أوج طبيعتها تكون منسجمة، وتكون حالة العداء فيها انسجام وفيها رومانسية وهذا خطر جدًا، ولكن أحيانًا عندما نكون أمام عدوين يفهمان أماني بعضهما إلى هذا القدر يكون هناك انسجام في العداوة وبالتالي قواعد اللعبة تكون واضحة بالنسبة لكليهما، يعني مثلًا أعتقد أنه عندما يحدد الأمين العام لحزب الله موعدًا لخطاب معين وعكس مايروج، فإن قادة إسرائيل ليسوا بحاجة لأن يسمعوا الخطاب لأنهم باتوا من باب معرفة العدو يعرفون مسبقًا ماذا سيقول والعكس صحيح، سواء تحدث “نتنياهو” أو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “هاغاري” أيضًا القادة في الحزب ليسوا مضطرين لسماع ماسيقولون لأنهم مدركون مسبقًا ماذا سيقال، فهذا يعني أنه عندما تكون حالة العداء مستحكمة لدرجة أن أفهم كل ما يخطط له عدوي وهو يفهم ما أخطط له تصبح الأمور الأخرى واضحة وجلية.
ما هو موقف لبنان الرسمي من تحركات “حزب الله”؟
وعن موقف الحكومة اللبنانية من التصعيد على الحدود اللبنانية، قال “شندب”، طبعًا الدستور اللبناني في أحد مواده يقول بإنّ قرارات الحرب والسلم تكون بيد السلطة التنفيذية باعتبارها السلطة القانونية في الدولة، لكن على أرض الواقع السلطة الفعلية هي لحزب الله وهذه أبجديات الواقع السياسي في لبنان، وبالتالي حتى بالنسبة لحزب الله أنا أعتقد أنه لا يستمع لبيانات الحكومة اللبنانية ولا يدير لها بال، والمسألة لا تستحق بالنسبة له أي اهتمام، لذلك نجد أن هناك نوعًا من الضبابية في موقف الحكومة اللبنانية بين أن تسترضي حزب الله وبين أن ترضي إسرائيل وبين أن تقف إلى جانب أهالي غزة، فبالتالي تحتاج إلى نوع من الإبداع في الخطاب لكي توفق بين المتناقضات الثلاث.