سالم عبد الهادي يكتب لـ”بوليتكال كيز | Political Keys”: الحجاب والنظام الإيراني… معتقد ديني أم أداة قمع؟
سالم عبد الهادي – باحث سوري ومحرر في بوليتكال كيز
لا يخفى على أحد أن شرارة الاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2022 والتي طالبت بإسقاط نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران منذ عام 1979، كانت فتاة كردية شابة تدعى مهسا أميني، خالفت قوانين اللباس فلم ترتدي الحجاب، فاعتقلتها شرطة الأخلاق التابعة للنظام وضربتها حتى الموت.
قد تكون الاحتجاجات في إيران خفتت نارها مؤخرًا بعد القمع الوحشي الذي تعرضت له على يد الأجهزة الأمنية، إلا أن القضية التي ما زال النظام الإيراني متمسكًا بها وعاضًّا عليها بالنواجذ هي قضية الحجاب.
وما نفتأ في كل يوم نسمع عن فتاة أو أكثر في إيران تعرضت للضرب أو نقلت للمستشفى بسبب عدم ارتداء الحجاب، وكان من آخر تلك الحوادث المأساوية ما نقلته وسائل إعلام إيرانية وعالمية، الأربعاء 4 تشرين الأول/ أكتوبر، من أن مراهقة إيرانية تدعى ميتا غراوند دخلت إلى العناية المركزة بعد تعرضها لاعتداء من قبل ضابطة الحجاب في مترو الأنفاق بسبب عدم تغطية شعرها.
وخلال هذا العام، وظف النظام الإيراني مئات الشرطيات في متروهات الأنفاق لمراقبة الحجاب والتأكد من عدم ركوب أي راكبة لا ترتدي الحجاب، كما صوّت النواب الإيرانيون خلف الأبواب المغلقة على مراجعة قانون الحجاب، وسيتمكن البرلمان من الموافقة على تجربة مشروع القانون لمدة تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات، وسيفرض ما يسمى بمشروع قانون الحجاب والعفة مجموعة من العقوبات الجديدة على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.
ويشدد المسؤولون في النظام الإيراني، بدءًا من الرئيس إبراهيم رئيسي وحتى أصغر مسؤول، على قضية الحجاب وأنه قانون، ومؤخرًا قال الرئيس الإيراني في لقاء صحفي مع CNN، إن إلزامية ارتداء الحجاب في البلاد تستند إلى القانون وعلى الجميع الالتزام به.
الأسئلة التي تطرح نفسها، ما السبب وراء تمسك النظام الإيراني بقضية الحجاب إلى هذه الدرجة الكبيرة؟ وهل هناك أسباب أخرى لفرضه غير كونه معتقدًا دينيًّا؟ وهل كونه معتقدًا يستوجب فرضه بالإكراه؟
أولًا، من الواضح أن قضية الحجاب تجاوزت كونها معتقدًا دينيًّا في نظر مسؤولي النظام الإيراني، بل تم تحويلها إلى أداة للقمع والسيطرة، وأصبح خلع الحجاب في نظرهم يمثل تحديًا واضحًا مباشرًا للسلطة كمن يهتف بإسقاط النظام، وليس مجرد حرية رأي واختيار.
أكاد أجزم أننا لو اطلعنا على قلوب مسؤولي النظام الإيراني لوجدنا الحجاب من حيث كونه دينًا ليس له أهمية عندهم، بقدر ما له من الأهمية من حيث كونه أداة للقمع وإثبات القوة والسيطرة على الشعب، حيث يعتبرون خلعه مساسًا بكرامتهم وسلطتهم. سالم عبد الهادي – باحث سوري ومحرر في بوليتكال كيز
من جهة أخرى، أصبح خلع الحجاب عند بعض الناشطات رمزًا للحرية في إيران، ورغم أني لا أقر بهذا، إلا أن تصرفهن مبرر بسبب ممارسات النظام الإيراني.
يمكن الإشارة أيضًا إلى أن مسؤولي النظام الإيراني يكررون التشديد على قضية الحجاب للتمويه وتشتيت الانتباه عن إخفاقاتهم الاقتصادية وما وصل إليه الشعب الإيراني من حالة فقر وبطالة وهجرة إلى الخارج بسبب إدارتهم السيئة وتمسكهم بالسلطة.
من وجهة نظر شرعية، الحجاب للمرأة عند غير محارمها أمر لازم في الإسلام؛ ابتعادًا من الفتنة لها ولغيرها، وقد قال الله في أزواج النبي ﷺ وغيرهن من باب أولى: “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ”، والحجاب يكون بالجلباب، ويكون بغيره من الملابس التي تغطي البدن، وتستر البدن ومنه الوجه.
وفي آية أخرى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ”.
كون الحجاب واجبًا في الإسلام، لا يستدعي فرضه بالإكراه والعنف على النساء اللواتي لا يرتدينه، وقد يكنّ مسلمات، إنما يستدعي النصح به عن طريق التوعية وبالرفق واللين، حتى لا تحدث ردة فعل عكسية ونفور منه، أو يصبح خلعه عند بعضهن رمزًا للحرية كما حصل في إيران. سالم عبد الهادي – باحث سوري ومحرر في بوليتكال كيز