ترجمات

هل تحمل العلاقات بين الصين ودول جنوب شرق آسيا الأمل؟

بقلم: سعود فيصل مالك
المصدر: صحيفة ديلي تشاينا
ترجمة: بوليتكال كيز

بينما نعيش في عالم مترابط عالميًا، تمتلك الشراكات الدولية القدرة على تأثير مصير الدول، وتتصدر الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) مثل هذا التعاون، حيث تعملان بجد لخلق مجتمع مشترك في المستقبل.

ومن بين أبرز مبادرات هذا التعاون هو مشروع السكك الحديدية فائقة السرعة بين جاكرتا وباندونج، والذي يمثل رمزًا مهمًا للتكنولوجيا والمعايير الصينية.

ويُتوقع أن يحقق هذا المشروع الرائد تحسينًا ثوريًا في مجال السفر في المنطقة، وليس هذا فقط بما يتعلق بالراحة، بل إن هذا المشروع الضخم للبنية التحتية من المتوقع أن يخلق المزيد من فرص العمل المباشرة المرتبطة به.

كما يوجد أمثلة أخرى تتضمن التعاون الناجح بين الصين ودول الآسيان كآليات التعاون في منطقة حوض نهر ميكونغ وخط السكك الحديد بين الصين ولاوس، والذي نال استحسانًا واسع النطاق منذ بدء تشغيله في كانون الأول/ ديسمبر 2021، حيث يعتبر رمزًا للتواصل والتقدم.

منذ بداية حوار الصين والآسيان في عام 1991، ازدهرت الشراكة بفضل التزامهما ببناء الثقة المتبادلة وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وإنّ أحد الأحداث البارزة كان انضمام الصين إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا في عام 2003، مما جسد مفصلًة جديدة في العلاقات بين الصين والآسيان، وتعززت الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أُعلنت في عام 2021 التزامهما المتجدد نحو بعضهما البعض.

إنّ زيارة رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ إلى إندونيسيا ومشاركته في قمة الصين والآسيان السادسة والعشرين، وقمة الآسيان زائد ثلاثة، وقمة شرق آسيا الثامنة عشرة تعكس التفاني الثابت في تعزيز العلاقات.

وفي ظل الوضع الدولي والإقليمي المعقد، فإنّ تلك المؤتمرات والقمم تسهم في تعزيز الوحدة وتعميق التعاون وتعزيز الاستقرار والإيجابية التي تحتاجها المنطقة بشدة.

وتعد واحدة من أهم النتائج الواقعية للتعاون بين الصين والآسيان هي ازدهار العلاقات التجارية والاستثمارية رغم التحديات العالمية الحالية.

ووفقًا لبيانات وزارة التجارة الصينية، ارتفع حجم التجارة بين الصين والآسيان إلى مستويات مذهلة تصل إلى 975.3 مليار دولار في عام 2022، بزيادة تبلغ 11.2% على أساس سنوي وزيادة ملحوظة تبلغ 120% منذ عام 2013. وبحلول نهاية تموز/ يوليو، تجاوزت الاستثمارات الثنائية 380 مليار دولار أمريكي، حيث أسست الصين أكثر من 6500 شركة باستثمار مباشر في الآسيان.

والجدير بالذكر أنه بفضل التخفيضات الجمركية المتبادلة والعلاقات الأكثر سلاسة في العقد الماضي، برزت الآسيان كأكبر شريك تجاري للصين في عام 2020، متجاوزة كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وقد عزز هذا التآزر الاقتصادي مناخ المنفعة المتبادلة، ودفع النمو والازدهار في المنطقة بأكملها، كما برز تطوير البنية التحتية كنقطة محورية للتعاون بين الصين والآسيان.

وتشمل هذه الجهود الرامية إلى التعاون المستمر والجديد جميع القطاعات، مع التركيز بشكل خاص على التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر والصحة العامة والزراعة وإدارة الكوارث والتنمية المالية والتعاون البحري والأمن السيبراني.

علاوة على ذلك، فإن المفاوضات الجارية بشأن النسخة الثالثة من منطقة التجارة الحرة بين الصين والآسيان تشير إلى الالتزام بتعزيز مستوى أعلى من الانفتاح.

كما تهدف هذه الجهود إلى الدخول في عصر جديد من التعاون الاقتصادي، وترسيخ أساس الشراكة بين الآسيان والصين.

وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع الخبراء مضاعفة التجارة الثنائية بين آسيان والصين إلى مثليها على مدى السنوات العشرين المقبلة، إلى جانب زيادة متناسبة في الاستثمارات. ومع ذلك، فمن الضروري أن ندرك أن التحديات لا تزال قائمة.

إنّ السياسات الأحادية والحمائية التي تنتهجها بعض الدول خارج المنطقة وتدريباتها العسكرية الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي وما حوله ألقت بظلالها على التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك التعاون بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وفي هذا المشهد المعقد، الوحدة هي مفتاح النجاح.

ومن أجل ضمان السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يتعين على كافة الأطراف أن تتحد للتغلب على هذه التحديات، وتقليل النزاعات إلى الحد الأدنى وتعزيز التعاون بين آسيان والصين. ولن يتسنى للمنطقة أن تأمل في الازدهار في عصر يتسم بضعف الطلب العالمي وارتفاع التضخم والصراعات الجيوسياسية إلا من خلال التعاون المستدام.

وفي هذا السياق، أعرب نائب وزير التجارة “لي فاي” عن التزام الصين بتوسيع التعاون متبادل المنفعة مع الآسيان، وهدفهم المشترك هو رفع مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري وبناء مجتمع مصير مشترك بين الصين والآسيان.

كما تعد الشراكة بين الصين والآسيان مثالًا ساطعًا على إمكانات التعاون الدولي في عالم سريع التطور. كما يحمل المستقبل وعودًا هائلة، لكنه يتطلب أيضًا التفاني المستمر من أجل الوحدة والاستقرار والرخاء المشترك.

ولكي تتمكن الصين والآسيان من بناء مجتمع مصير مشترك أوثق، فإن الإجابة تكمن في التزامهما الثابت بالعمل معًا والتغلب على التحديات وصياغة غد أكثر إشراقًا للجميع.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى