أحمد الحسن يكتب لـ “بوليتكال كيز | Political Keys”: ويلات الحرب السورية وجرائم النظام… هل يستوحش المظلومون؟
أحمد حسن
صحفي وباحث في الشأن التركي والسوري ومدير مركز القارات الثلاث للأبحاث والدراسات.
كتب الحقوقي الجزائري المناصر للثورة السورية – أنور مالك:
(عانيت كثيرًا ودفعت الثمن غاليًا من أجل محنة الشعب السوري البطل ولم ولن أندم على مفخرة أعتز بها لكن المؤلم في محنتي التي أمر بها لم يتضامن معي إلا قلةٌ قليلة من عموم السوريين لا أقول ذلك للوم هذا أو معاتبة ذاك معاذ الله ومحنتي لا تساوي شيئًا أمام محنهم لكن لتبيان حقيقةٍ مرّة مفادها أن المحن من شدتها وكثرتها لم تعد تؤثر في وجدان الناس وهو مؤشرٌ خطير ستكون له تداعياته الوخيمة على الوضع الاجتماعي في أوطاننا ولن يخدم إلا أجندات خبيثة تستهدفُ النسيجَ البشري والتراب الوطني وقيمَ الإنسان في العالم العربي والاسلامي!).
رغم أن ما كتبه أنور مالك لم يكن بهدف العتاب إلا أنه يعكسُ مرارةَ ما يشعر به صاحبه من خذلان أهم من ناصرهم من الشعوب العربية وكذلك القلقُ مما يحصل داخل الشعب السوري من متغيرات خلال الفترة الأخيرة وهذا القلق يشاركه فيه الكثيرُ من السوريين أيضًا، الذين باتوا يصدمون يوميًا بحدث أوآخر وكيف يتعاطى معه السوريون.
لقد خرجت الأولويات الأولى من حياة السوريين وخاصة قضيةُ الوطن الأولى – تحرير هذا الوطن من المجرم الذي شرد كل الشعب السوري وسجن وقتل مئات الألوف منه – من أولويات الكثير لحسابِ أولوياتٍ جديدة باتت تدخل على خط الأزمة السورية ومحن الشعب السوري الجديدة داخل سوريا أو في دول اللجوء وهذه الأولويات الجديدة تساهم في استقطاب السوريين بشكل قد يخدمُ القضية في بعض المرات وقد يضر بالقضية الرئيسية في مرات كثيرة الى درجة وصولها الى خدمة النظام الذي يواجهه السوريون.
لم يعد الكثيرُ من الشعب السوري مهتمًا بتكثير حلفائه أو تعزيز تحالفاته الشعبية والدولية وإنما بات مشغولًا بمحاسبة الجميع دولًا كانت أم شعوبًا وبات الشغل الشاغل للكثير ملاحقةُ كل وسائل التواصل الاجتماعي للمساهمة في شهرة كل نكرةٍ تشتم سوريا أو تحرض عليها حتى تفرغ الطاقة اليومية في سب هذا وشتم هذا وتحقير هذا وتوصيف هذا ومشابهة كل نكرة حتى في أخطائه ويحصل هذا للأسف على حساب القضية الرئيسة والمعتقلين الذين ينتظرون مناصرتهم في سجون الأسد والشهداء الذين قدموا الغالي والرخيص من اجل إسقاط المجرم والشعب السوري المرتهن في الداخل تحت تهديدات هذا المجرم وحلفائه.
هذه الطاقة اليومية للسوريين يفترض أن توجَّه الى مناصرة من يدافعون عنهم في شعوب العالم وحتى أنظمته وليس من اجل تطفيش هؤلاء أيضًا عبر تحميلهم مسؤولية ووزر باقي شعوبهم وأنظمتهم.
هذه الطاقة يفترض أن توجه ليل نهار لخدمة قضاياهم في داخل سوريا وخارجها وابتكارِ حلولٍ لكل المشكلات المعقدة وإلا فإن هذه المشكلة السورية لن تحلَّ على يد أي دولة إلا وفق مصالحها وقد لا تحل أبدًا كما حصلت لشعوب أخرى لازالت معاناتها لأكثر من قرن.
قد يقول البعض إننا لا نملك ترف التخطيط الاستراتيجي ولا الوقت لتنظيم ما أفسد في أكثر من 12 عامًا من الجرائم المنظمة والتدمير الممنهج للمجتمع السوري ويضاف إليه أكثر من خمسين عامًا من الاستبداد وزراعة الفساد وغيرها وهذه وجهة نظر قد تكون محقة استنادًا إلى سوء الوضع الذي يعانيه السوريون، لكنها في نفس الوقت ليست حجة سليمة استنادًا إلى إنجازات شعوب أخرى ومراحل أخرى من النضال السوري في التاريخ والتي أنجزت الكثير في ظروف مشابهة، فلا يعقل أن ينجح أفراد ومجموعات صغيرة من السوريين في هذه الظروف في التخطيط للنجاح في قطاعات كثيرة في دول اللجوء وفي ظروف داخلية صعبة ثم نبحث عن أعذار في أهم قضايانا ونبرر فيها فشلنا في التخطيط الاستراتيجي والعمل.
لا يختلف اثنان من السوريين حاليًا على أن الحلول لأي مشكلة في سوريا تنطلق من السوريين وليس من خارجهم رغم ان السوريين باتوا على الهامش لكن ما ينقص السوريين هو المبادرة والابتعاد عن الأنا والتركيز على الهدف المشترك وتوظيف الخبرات والطاقات والإمكانات في هذا الهدف وهي إسقاط مشروع النظام المجرم ومن يشابهه لبناء دولة سورية تليق بتضحيات السوريين وتطلعاتهم بكل فئاتهم وشرائحهم بدون إقصاء أحد أو إبعاده.
يمكن للتوجه الإيجابي في وسائل التواصل الاجتماعي أن ينشر هذه الطاقة في الكثير من المترددين والخائفين والذين يقدمون خطوة ويؤخرون أخرى وكذلك يدعم التجارب الفردية والصغيرة الناجحة لتكون تجارب أوسع وتترسخ لخدمة الشعب السوري، أما السلبي والذي بات مقتنعًا بعدم جدوى استمرار النضال أو السلبي الذي بات ضمن دائرة (علي وعلى أعدائي) فهذا في آخر الدائرة والاهتمام به يأتي دومًا في السلسلة الأخيرة من أي مشروع لأن دخوله على أولوية أي مشروع يكفي لهدم المشروع على أصحابه.
هؤلاء المثبطون والذين يشغلون الشعب السوري بأولويات غير مفيدة وانتقامية أو سلبية هم مشكلة رئيسية حاليا وتقوم بخدمة النظام المجرم وتجعله يتفرغ لتوسعة دائرة عودته إلى المجتمع الدولي وإلى البازارات الدولية مرتاحَا من انشغال الشعب السوري بحروبه الافتراضية الداخلية فيما بينهم، بينما يغيب النظام مرتاحًا من هذه الحروب.
لذلك بات مطلوبًا خلال المرحلة الحالية مراجعة شاملة للجولة الحالية من تحركاتنا وأولوياتنا ومشكلاتنا وتطلعاتنا وأيهم الأولى حاليًا وأيهم يجب أن يؤجل لمرحلة لاحقة وبناء خطة عمل مشتركة تعمل على تعويض ما ينقصنا في المؤسسات المعارضة وفي التحالفات الداخلية والخارجية وأعود لأقول: سقوط النظام المجرم ومشروعه مرتبط بزنودنا كسوريين وتخطيطنا كسوريين والأهم مرتبط بالمحافظة على طاقتنا الرئيسية لها الهدف وعدم استنزافها في مشاريع وليدة مهما كانت براقة او متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي وهنا لا أتحدث عن الإسقاط العسكري فقط بل على العكس أقولها بكل صراحة، وجود مجموعات منظمة من السوريين تفكر بعقلية الدولة ومصالحها تكفي لإسقاط النظام بدون أي طلقة لأنه أكثر من يخشاه الآن وسابقًا وعمل مرارًا على عدم وجود مشروع كهذا ليقدم نفسه على أنه الشيطان المنضبط والمنظم على عكس خصومه غير المنضبطين.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” على موقعها الرسمي تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير.