روسيا تعلن الحرب على المحاصيل الزراعية
بقلم: كريستينا لو – آمي ماكينون
المصدر: الفورن بوليسي
ترجمة: بوليتكال كيز
تواصل روسيا تصعيد حربها على صادرات الحبوب الأوكرانية، الأمر أدى إلى ارتفاع أسعار القمح بشكل كبير، في الوقت التي تسعى فيه إلى حصار إحدى أهم سلال الخبز في العالم مهددة بذلك نظام الأمن الغذائي العالمي.
فبعد انسحابها من صفقة الحبوب التي توسطت فيها الأمم المتحدة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية ستُعتبر هدفًا عسكريًا، حيث من الممكن أن تكون تحمل شحنات عسكرية، فيما قد يرقى إلى تصعيد كبير للصراع وتحدي للجهود الأمريكية طويلة الأمد لضمان حرية الملاحة في جميع أنحاء العالم.
تعرضت مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية لوابل من الضربات الصاروخية الروسية لمدة أربعة أيام متتالية، والتي قد تكون أثرت على حوالي 60 ألف طن من الحبوب والمخازن ومنشآت الإرساء، مما ينذر بنقص في الغذاء، وأصدر كبار المسؤولين الأمريكيين قرارًا بشأن الاستجابة للضربات الصاروخية الروسية.
وأفاد مسؤولون أوكرانيون بأن الضربة الأخيرة من قبل موسكو دمرت 100 طن من البازلاء و20 طنًا من الشعير. وقد حذر البيت الأبيض من أن المخابرات الأمريكية تشير إلى أن روسيا قد زرعت ألغامًا بحرية عند اقترابها من الموانئ الأوكرانية، وتعتزم توجيه الاتهام لكييف بهذه الأفعال كجزء من عملية كاذبة.
صرّح سيباستيان برونز، خبير في الاستراتيجية البحرية والأمن في جامعة كيل: “هذا منعطف آخر من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وروسيا لتوسيع الحرب، بحيث يشمل المجال البحري… إنهم يسعون لاستخدام طرق أخرى لترهيب الغرب”.
تشكل التهديدات الروسية اختبارًا كبيرًا لقدرة المجتمع الدولي على حماية الشحن في المنطقة وضمان حرية الملاحة، وهي أساس القانون البحري الذي يسمح للسفن بالإبحار بحرية دون عوائق عبر المياه الدولية.
وعلى الرغم من استمرار روسيا في شن حرب على أوكرانيا لأكثر من عام، فإن هجومًا على سفينة تجارية واحدة قد يُشرك عدة دول في ضربة واحدة نظرًا لطبيعة الشحن العالمي.
من جانبه، قال الأدميرال المتقاعد جيمس فوجو، الذي شغل منصب قائد للقوات البحرية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، في إشارة إلى سفينة الركاب البريطانية: “إذا تعرضت تلك السفن المدنية لهجوم من قِبَل أي طرف، فسيكون ذلك مماثلًا لعودة إلى أحداث الحرب العالمية الأولى وغرق لوسيتانيا، التي غرقت عام 1915 بعد أن هاجمها زورق ألماني. إنها دلالة على التصاعد نحو صراع أكثر خطورة”.
تجري البحرية الأمريكية بشكل روتيني عمليات حرية الملاحة في جميع أنحاء العالم للحفاظ على الحق في الوصول إلى المياه الدولية، وقد أرسل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الاثنين طائرات مقاتلة أمريكية ومدمرة الصواريخ الموجهة يو إس إس توماس هودنر إلى الشرق الأوسط ردًا على محاولات إيران الأخيرة للاستيلاء على سفن شحن تجارية في المنطقة.
لكن في البحر الأسود، حيث تنافست روسيا والقوى الغربية على النفوذ لقرون، أصبحت واشنطن وحلفاؤها في الناتو مقيدين بالجغرافيا والجغرافيا السياسية والأعمال الورقية، فالبحر الأسود، الذي يعد أكبر قليلًا من ولاية كاليفورنيا الأمريكية، يحيط به ستة دول، حيث يكون نصفها – رومانيا وتركيا وبلغاريا – أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). يتم التحكم في المدخل الضيق للبحر، وهو مضيق البوسفور، من قبل تركيا بموجب اتفاقية مونترو التي تم توقيعها عام 1936.
في بداية الغزو الروسي، استندت أنقرة إلى اتفاقية مونترو لإغلاق نقطة الاختناق الاستراتيجية للسفن الحربية، مما أضعف قدرة روسيا على تعزيز أسطولها في البحر الأسود.
في الوقت نفسه، سحبت الولايات المتحدة سفنها الحربية من المنطقة قبل فترة قصيرة من الغزو، محاولة تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا.
قال كورت فولكر، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الناتو خلال إدارة جورج دبليو بوش: “إذا كان هذا هو بحر الصين الجنوبي، فإننا سنجري عمليات بحرية للملاحة… ولكن بسبب عدم الرغبة في مواجهة روسيا، فإننا نتراجع عن هذا المبدأ، الذي يمكن أن ينطبق على الوضع الحالي”.
وأوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، أنه لا توجد خطط قيد الدراسة لمرافقة الشحن التجاري في المنطقة في أعقاب انسحاب روسيا من صفقة الحبوب.
في الثمانينيات، قامت البحرية الأمريكية بمرافقة ناقلات النفط الكويتية التي أُعيدت أعلامها للحماية من التهديدات في الخليج العربي خلال المراحل الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية، في فترة عُرفت باسم “حرب الناقلات”.
قال برونز: “حشدت الولايات المتحدة وحلفاؤها موارد كبيرة لدعم التدفق الحر للبضائع الدولية خلال حرب الناقلات”.
“لقد ساعدت البحرية الأمريكية، والولايات المتحدة بشكل عام، على لعب دور مهم كحارس للنظام البحري”.
وفي هذا الصدد، قال الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، الذي شارك في مهمة قافلة البحرية المعروفة باسم عملية “إرنست ويل”، إنه مع وجود ثلاث دول أعضاء في الناتو على شواطئ البحر الأسود، يمكن للحلف تكرار عملية مماثلة.
وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني، “يمكن لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مرافقة شحنات الحبوب في البحر. حيث أنه لديهما القدرة الكبيرة على القيام بذلك مع ثلاث دول رئيسية في الناتو في البحر الأسود، ومع التحذيرات المعلنة جيدًا لأسطول البحر الأسود الروسي، يجب على الناتو الرد على النيران إذا قامت سفينة حربية روسية بمهاجمة سفينة حبوب، فهي في الأساس سفينة إنسانية تعمل في المياه الدولية”.
بعد الغزو الواسع لأوكرانيا في عام 2022، قامت روسيا بالتحكم في حجم المياه لمنع صادرات المواد الغذائية إلى أوكرانيا، مما أدى إلى إغلاق صناعتها الزراعية وفرض ضغط على كييف خارج سياق المعارك.
وفي رد فعل من جانب أوكرانيا، أعلنت عن استمرار شحناتها من الحبوب رغم منع الشحنات في البحر الأسود. وحذرت أيضًا يوم الخميس من أن أي سفن تسافر إلى الموانئ الروسية أو الأوكرانية التي تحتلها روسيا قد تعتبر هدفًا عسكريًا، وهذا مشابه لتصريحات موسكو. وقبل انهيار الاتفاقية الهشة، تم التبليغ عن التزام البحرية التركية بالمساعدة في ضمان سلامة الصادرات الأوكرانية، على الرغم من أن موقفها المستقبلي لا يزال غير واضح.
قالت وزارة الدفاع الأوكرانية في بيان، قامت روسيا بانتهاك الحق العالمي في حرية الملاحة للعالم بأسره بوحشية، وقامت عمدًا بتهديد الأمن الغذائي… كما قامت بتحويل منطقة البحر الأسود إلى منطقة خطرة… وفي حال بدأت روسيا هجومًا على السفن التي تحمل الحبوب الأوكرانية، فقد يشكل ذلك تصعيدًا حادًا في الصراع.
أشار جيمس كراسكا، أستاذ القانون البحري الدولي في الكلية الحربية البحرية الأمريكية، إلى أنه وفقًا لقانون الحرب البحرية، يحق لموسكو زيارة السفن التجارية وتفتيشها، ولكن ليس استهدافها مباشرةً.
وأضاف: هناك مبادئ إنسانية أساسية يجب الالتزام بها، ولا يمكن التعامل مع الأهداف المدنية بأي شكل من الأشكال كأهداف عسكرية.
وحتى في حال عدم تنفيذ موسكو التهديدات فورًا، فإن مجرد التهديد بالهجوم أو فرض الحظر يخلق حالة من عدم اليقين تكفي لتخويف شركات التأمين والأسواق الدولية للحبوب.
سجلت أسعار القمح ارتفاعًا مضاعفًا منذ انسحاب روسيا من الصفقة، مما أثر على توتر شركات التأمين البحري، وكانت الأسعار سترتفع بشكل أكبر لولا وفرة المحاصيل في البلدان المنتجة للقمح، وهذا ما أدى إلى التخفيف من وطأة الحصار، ويبدو أن كل هذا جزء من خطة روسيا للتأثير في ساحة المعركة، حيث لا يمكنها الانسحاب بسهولة.
قال كريستوفر باريت، خبير اقتصادي زراعي في جامعة كورنيل: “يؤدي ذلك فقط إلى زيادة تكلفة ومخاطر تجارة الشحن البحري مع أوكرانيا عبر موانئ البحر الأسود، وإن هدف روسيا من هذه الخطوة هو عزل أوكرانيا وفرض الضغوط على أوكرانيا وهذا يعني أيضًا فرض بعض الضغوطات على شركاء أوكرانيا التجاريين”.
وأضاف باريت: “هذه مجرد طريقة أخرى لإيذاء العدو في الحرب”.
ستتحمل أوكرانيا والحكومة والمزارعون وتجار الحبوب أكبر تكلفة لعمل روسيا، لأن العالم قد تكيف بالفعل مع عدم القدرة على التنبؤ بصادرات البحر الأسود.