ترجمات

دول الخليج العربي… محاولة في إعادة تشكيل النظام الأمني العالمي

بقلم: راغدة درغام

المصدر: ذانيشن

ترجمة: بوليتكال كيز

تمَّ عقد اجتماعات مهمة في الخليج العربي الأسبوع الماضي، وقد شكّلت تلك الاجتماعات نقطة تحول نحو فترة جديدة من الأمن الذاتي والجماعي للمنطقة والعالم.

زيارات الرئيس الياباني فوميو كيشيدا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى الخمس، تُسلِّط الضوء على رؤية الخليج للأمور الأمنية وطموحها في تشكيلها على المستوى المحلي والإقليمي.

يُعَدُّ هذا التطور الجديد والمهم أمرًا حيويًا ليس فقط بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي بل أيضًا للعلاقات الأمنية بين دول الأعضاء وحلفائها التقليديين، فضلًا عن العلاقات الأمنية مع الدول التي دخلت مؤخرًا في علاقات إستراتيجية مع منطقة الخليج، مثل الصين وروسيا.

وبدرجة الأهمية ذاتها، تُحاول دول الخليج العربي التعامل مع مخاوفها المتعلقة بإيران وتركيا، وتسعى لحل تلك المشكلات بشكل مستقل.

منذ بداية الحرب الأوكرانية، شهدنا تغيرًا في مفهوم الأمن الجماعي، حيث لم يعد الأمن الدولي الركيزة الأساسية للعلاقات الدولية، وذلك بشكل أخص بعد انتشار وعولمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في آسيا.

تراجعت أهمية الكتل الدولية التي نشأت خلال الحرب الباردة، مثل حركة عدم الانحياز على الرغم من استمرار مجموعة السبعة ككيان متماسك، حيث برز تجمع بريكس كتحدٍ للغرب، لكن تطلعاته في أن يصبح كتلة اقتصادية وأمنية بديلة لم تثبت واقعيتها.

تعرضت مجموعة العشرين لبعض المشكلات غير القابلة للتسوية بين أعضائها بسبب الحرب في أوكرانيا.

الصراع في أوكرانيا شكّل فُرصًا للتكتلات الإقليمية في إعادة صياغة منهجيتها وتعاملاتها فيما بينها، أو على الأقل تسريع عملية التكامل بينها.

ربما أصبح الناتو أهم تحالف عسكري في العالم، حيث تعمل حرب أوكرانيا على تعزيز تفوقه التكنولوجي والإستراتيجي.

يبدو أن الصراع قد وفر فرصة للصناعات الدفاعية الأمريكية والأوروبية لاختبار أسلحتها وتقنياتها العسكرية من أجل مزيد من التطوير.

لقد أتاحت الحرب في أوكرانيا فرصة للكتل الإقليمية لإعادة صياغة أنفسها، أو على الأقل تسريع المزيد من التكامل والتجانس بينها، على سبيل المثال، تظهر رؤية إستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي تتضمن مفهوم أمن إقليمي متعدد الطبقات والأبعاد.

للتوضيح، يبدو أن التجمع الإقليمي لا يميل إلى التحالف مع الصين أو روسيا في معارضة عولمة الناتو.

في الواقع، لا توجد مؤشرات تشير إلى أن الناتو ينوي الانتشار نحو المنطقة الخليجية، وأيضًا دول مجلس التعاون الخليجي غير مستعدة للانضمام إلى تحالف يستهدف روسيا والصين.

قد تكون عولمة الناتو مصدر قلق للصين وروسيا نظرًا لعدم قدرتهما على الرد بالمثل، فروسيا لا تستطيع إنشاء كتلة مماثلة لحلف وارسو البائد في الوقت الحالي، وعلى الجانب الآخر، قد تكون الصين قادرة على تصعيد ردٍ عسكري على عولمة الناتو، خصوصًا في بحر الصين الجنوبي، ولكنها لا تستطيع بناء وتوسيع كتلة عسكرية مماثلة للناتو، وهذه المسألة مهمة، وهي أمر تأخذه دول مجلس التعاون الخليجي بعين الاعتبار عند اتخاذ خياراتها الأمنية.

كان هناك اعتقاد بأن بريكس يمكنها مواجهة الناتو، وعبرت بعض الدول، بما في ذلك دول الخليج، عن اهتمامها بالانضمام إليه، ومع ذلك، أوقف الصراع الأوكراني تصاعد التجمع، وعلى الرغم من ذلك، من المقرر عقد قمة للبريكس في جنوب إفريقيا الشهر المقبل.

ظهرت أهم مرحلة في التضامن السياسي لبريكس في الأمم المتحدة عندما نسقت هذه الدول مواقفها ضد عمليات الناتو العسكرية في ليبيا، وقد اتخذت مواقف إجماعية مماثلة بشأن قضايا أخرى، بما في ذلك الحرب “الأهلية السورية” – حتى المواقف المتعارضة التي اتخذتها دول الخليج في بعض الأحيان – على الرغم من أن الأمور قد تغيرت منذ ذلك الحين، حيث أصبحت مواقف المجموعتين بشأن مختلف القضايا أكثر توافقًا اليوم.

لقد حررت البراغماتية دول مجلس التعاون الخليجي من السياسات المقيدة، حيث رسمت مسارًا جديدًا لمعالجة الخلافات دون التخلي عن المبادئ الأساسية، يمكن رؤية مثال على ذلك في تحسين العلاقات بين الدول الأعضاء وتركيا في الأشهر الأخيرة.

إن قمة جدة التي تضم جمهوريات آسيا الوسطى طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وتركمانستان هي أيضًا شهادة على التفكير الإستراتيجي طويل المدى لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بعلاقتها مع بقية العالم.

كانت هذه الجمهوريات السوفيتية السابقة ذات مرة في مجال النفوذ السوفيتي ثم الروسي فيما بعد، ولكن نظرًا لأهميتها، لم تكن أبدًا بعيدة عن رادار مصالح الولايات المتحدة وإيران.

جاءت قمة جدة في وقت مناسب، وربما كان من الممكن عقدها بسبب انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية.

في القمة، تم تناول جميع جوانب التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني لتعزيز الاستقرار في آسيا الوسطى، نظرًا لأهميتها الجيوسياسية والإستراتيجية ومواردها الطبيعية الهائلة، كما تم التأكيد على أهمية محاربة التطرف الديني وأشكال العنف المختلفة، والتأكيد على هويتها كدول إسلامية حديثة ومعتدلة.

يشهد المشهد الجيوسياسي تغيرات شبه يومية، تقوم دول الخليج العربي بتقييم خياراتها بعناية، وتراقب التطورات بين القوى الكبرى، وتتابع برامجها وأولوياتها الخاصة، إنهم يدركون تمامًا الواقع الحالي ويقبلونه، إنهم ليسوا مستعدين للوقوع في منافسات القوى العظمى ولكنهم يقرأون بعناية تطور تحالفاتهم وتحدياتهم.

منذ وقت ليس ببعيد، كانت هناك معادلة بسيطة تتعلق بالصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، ولكن اليوم، الأمر لم يعد مجرد مسألة أمريكا مقابل الصين، بدلًا من ذلك، نحن في مرحلة جديدة، فيها اللاعبون الإقليميون يسعون لاحتلال مواقعهم الصحيحة في المفهوم الجديد للأمن العالمي، بدلًا من السعي لاستبدال القوى العظمى.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى