بعد دخول الحرب بين إسرائيل وحماس “مرحلة جديدة”… ماهي السيناريوهات المحتملة؟
بقلم: دانيال بايمان
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، السبت الماضي، إن إسرائيل دخلت “مرحلة جديدة في الحرب” ضد حركة حماس في غزة. وقد أرسلت القوات البرية الإسرائيلية الدبابات والقوات البرية الأخرى إلى غزة واحتفظت بها هناك بينما واصلت هجماتها المدفعية المكثفة والقصف الجوي. ولكن حتى الآن، لم تقم بغزو بري شامل.
وليس من الواضح ما إذا كان سيكون هناك “إنزال” رسمي لمثل هذه العملية، لكن إسرائيل تعمل بشكل مستمر على زيادة عملياتها البرية داخل غزة وتشن غارات على القطاع وتقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية هناك.
مع تحول إسرائيل من النهج الجوي فقط إلى النهج الذي يشمل قواتها البرية، فإنها تواجه العديد من التحديات والمزيد من المعضلات، التي يتضمن بعضها مخاطر على القوات الإسرائيلية بينما يتعلق البعض الآخر بأهداف استراتيجية وإنسانية أوسع.
وبالفعل، ربما تكون هذه التحديات سببًا في تأخير غزو واسع النطاق لغزة، وقد تدفع القادة الإسرائيليين إلى تقليل نطاق وحجم العمليات العسكرية بطرق أخرى أيضاً.
التحدي الأول يتمثل في طبيعة القتال ذاته. إذ أن غزة مزدحمة بالسكان والمباني المتلاصقة ببعضها، حيث يبلغ عدد سكانها في كل ميل مربع ما يعادل عدد سكان لندن، وفي هذا السياق تشكل غزة بشوارعها الضيقة والمباني المزدحمة، معضلة حقيقة ضد التوغل الإسرائيلي حيث يتم تحييد العديد من المزايا التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي في السرعة والاتصالات والمراقبة وقوة النيران على مسافة بعيدة.
بدلاً من ذلك، سيتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي تفكيك قواته، والتي ستصبح بعد ذلك عرضة لعصابات صغيرة من مسلحي حماس. بالإضافة إلى ذلك، سوف توفر الأنقاض التي تركها القصف الإسرائيلي فرصًا لمجموعات صغيرة من المقاتلين لإيجاد غطاء ضد القوات الإسرائيلية، وإقامة مواقع للقناصة، وزرع الأفخاخ المتفجرة.
وفي السياق ذاته، واجه الجيش الأمريكي صعوبات كبيرة في العمليات الحضرية في الفلوجة بالعراق، ويمكن القول إن غزة قد تكون أصعب. فعلى عكس المتمردين العراقيين الذين كانت الولايات المتحدة تقاتلهم في الفلوجة عام 2004، فإن حماس سيطرت على غزة منذ عام 2007 وشنت إسرائيل عدة هجمات هناك منذ ذلك الحين.
ربما توقعت حماس ردًا إسرائيليًا صارمًا على هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن حتى إذا لم يحدث ذلك، فقد استعدت حماس للتصدي للتوغل الإسرائيلي منذ فترة طويلة.
قامت حماس – بزعم الكاتب – بتجميع الإمدادات والأصول العسكرية في منشآت مدنية مثل المدارس، وفقًا للأمم المتحدة والقوات الإسرائيلية، كما قامت المجموعة ببناء شبكة أنفاق واسعة يُعتقد أنها أكبر من مترو الأنفاق في لندن، ويمكنها استخدام هذه الأنفاق لإخفاء الإمدادات والقادة، وضمان التواصل أثناء الصراع.
القتال في الأنفاق يشكل تحديًا كبيرًا ويمكن وصفه بأنه كابوس. فقد قارن الجنرال جوزيف فوتيل، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية، ذلك باستخدام تنظيم الدولة الإسلامية لشبكة الأنفاق في الموصل بالعراق، وحذر قائلاً: “سيكون الأمر كذلك”. يمكن لمقاتلي حماس استخدام الأنفاق للظهور خلف القوات الإسرائيلية، أو نصب كمائن لهم، أو حتى اختطاف المزيد من الرهائن.
إسرائيل حاولت قصف هذه الأنفاق، ولكن من الصعب العثور عليها وتدميرها من الجو. كما أن إسرائيل تسعى إلى تدمير حماس، وهذا يعني عملياً قتل قادتها. ومع ذلك، فقد ثبت أنه من الصعب العثور عليهم. حيث يمكن للقادة البارزين الاختباء في الأنفاق والاندماج مع السكان المدنيين. وستسعى حماس بكل تأكيد إلى الحفاظ على معظم قادتها الرئيسيين، بما في ذلك شخصيات بارزة مثل القائد العسكري لحماس محمد ضيف.
نجحت إسرائيل في الماضي في استهداف قادة حماس وزعماء آخرين، ولكن كانت هذه العمليات بطيئة.
بالإضافة إلى ذلك، احتلال شمال غزة يعني أن إسرائيل لن تسيطر على أجزاء كبيرة من القطاع، مما يتيح لقادة حماس الاختباء هناك. ويزيد من صعوبة الأمر أن العديد من كبار القادة السياسيين في حماس لا يعيشون في غزة بل يقضون أوقاتًا في أماكن أكثر أمانًا في دول مثل قطر وتركيا ولبنان.
وبالإضافة إلى ذلك، توجد أكثر من 200 رهينة محتجزين من قبل حماس، بما في ذلك العديد من الرعايا الأجانب، مثل 54 عاملاً تايلانديًا وحوالي 10 أمريكيين. وهذا سيزيد من تعقيد القتال، حيث يمكن أن يكون المبنى الذي يختبئ فيه قادة حماس به رهائن، والنفق الذي يُحتجز فيه إمدادات حماس أيضًا. كما إرسال قوات لمهاجمة هذه المواقع، وحتى تفجيرها، قد يؤدي إلى مخاطرة بمقتل الرهائن.
إضافة إلى ذلك، هددت حماس بقتل الرهائن كرد فعل على الهجمات الإسرائيلية. حتى الآن، لم تنفذ هذا التهديد بحسب معلوماتنا، ولكن يمكن أن تقوم بذلك في المستقبل. كلما نجحت العمليات البرية الإسرائيلية في ضرب حماس، زادت احتمالات أن تلجأ المنظمة إلى اتخاذ تدابير يائسة.
إسرائيل يجب أيضًا أن تأخذ في الاعتبار التكلفة المدنية في غزة. عملياتها هناك أدت إلى مقتل ما يقرب من 7000 فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة التي تديرها حماس في القطاع، ويمكن أن تكون العمليات البرية أكثر دموية بكثير.
في الماضي، أدى الغضب الدولي من خسائر المدنيين إلى وقف عمليات إسرائيل في النهاية، وإن كان من الممكن أن يغير عدد الإسرائيليين الذين قتلوا بشكل استثنائي نتيجة هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هذه الديناميات.
هذا القلق من الممكن أن يجعل القتال أكثر تعقيدًا حيث تحاول إسرائيل موازنة بين خسائر المدنيين والمخاطر التي تواجهها قواتها، بالإضافة إلى احتمال حماس لاستخدام المقاتلين والأصول العسكرية بين السكان المدنيين.
الكيان الإسرائيلي قام بمنع وصول الوقود والكهرباء وغيرها من الضروريات المدنية إلى غزة على أساس أن حماس ستستخدمها لأغراض عسكرية، مما أدى بالفعل إلى خلق أزمة إنسانية ضخمة تزداد سوءًا مع مرور الوقت. وإذا قررت إسرائيل تلبية الضغوط الأمريكية والدولية وتوفير الخدمات الأساسية وضمان تدفق الغذاء والدواء إلى القطاع للمدنيين، فإنها ستواجه تحديات فريدة تتعلق بتقديم المساعدات وتنفيذ العمليات العسكرية في نفس المنطقة. وإذا فشلت في القيام بذلك، ستزيد التكلفة البشرية الفعلية بشكل كبير، وسيدفع الثمن الأطفال وكبار السن وغير المقاتلين.
بالرغم من مصالح الكيان الإسرائيلي الإستراتيجية ورغبتها في تهدئة الرأي العام المصدوم والغاضب، إلا أن القادة الإسرائيليين سوف يأخذوا في اعتبارهم أيضًا الرأي الدولي، وبالأخص الرأي العام الأمريكي. مع الإشارة إلى أن العديد من القادة العرب يكرهون حماس بشكل سري، وسيكونوا سعداء إذا قامة الكيان الإسرائيلي بتدميرها.
بالنسبة للشعوب العربية، فإن الغضب يتجه نحو إسرائيل بسبب الضربات القوية التي تشنها على غزة. حيث أدت عمليات إسرائيل إلى احتجاجات في العالم العربي، حتى في الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مثل البحرين ومصر.
إن التطبيع هو هدف دبلوماسي رئيسي لإسرائيل، ولن يتم تعريضه للخطر بسهولة. وحتى المملكة العربية السعودية، التي كانت تجري مفاوضات مكثفة مع الولايات المتحدة لتعزيز اتفاق التطبيع مع إسرائيل، أصدرت بيانات تدين تصرفات إسرائيل في غزة.
من جهة أخرى، فإن الرأي الأمريكي يعتبر أمرًا مهمًا، حيث إن الرئيس جو بايدن وإدارته احتضنوا إسرائيل علنًا، ولكن يبدو أنهم يحثون سرًا على ضبط النفس.
وبالإضافة إلى محاولة الحد من التأثير الإنساني على الجانب الفلسطيني، يشعر المسؤولون في واشنطن بالقلق بشأن المخاطر التي تهدد الرهائن الأمريكيين وانتشار الصراع في المنطقة وتهديد القوات الأمريكية وحلفائها، ومع تصاعد هذه المخاوف، قد تتزايد الضغوط الأمريكية على إسرائيل للحد من عملياتها.
إن مخاوف الولايات المتحدة لها ما يبررها، إذ من الممكن أن تمتد هذه الحرب من إسرائيل وغزة إلى معظم أنحاء الشرق الأوسط. وبالفعل، هدد حزب الله بالانضمام إلى المعركة وكثف هجماته على إسرائيل من لبنان، وتتزايد الاضطرابات في الضفة الغربية، كما أطلق الحوثيون في اليمن صواريخ على إسرائيل، وعانت القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط من هجمات من وكلاء إيران، مما دفع الولايات المتحدة إلى ضرب المواقع المرتبطة بإيران في سوريا.
ومن شأن حرب أوسع يشارك فيها حزب الله وغيره من الجماعات المدعومة من إيران أن تشكل تهديدًا خطيرًا لإسرائيل، وتزيد من خطر الإرهاب الدولي، وتهدد العديد من المصالح الأمريكية.
وسوف تواجه إسرائيل تحديات أكثر جوهرية عندما تسعى إلى إنهاء عملياتها العسكرية. إحدى الصعوبات التي تواجه اجتثاث حماس هي مسألة من أو ماذا سيحل محلها. فالسلطة الفلسطينية بالكاد تتمسك بالضفة الغربية، وسوف تلحق الضرر بمصداقيتها الضعيفة بالفعل بين الفلسطينيين إذا تعاونت مع إسرائيل في إدارة غزة في أعقاب الغزو. فمصر والدول العربية الأخرى مترددة في استقبال اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن تولي المهمة الفوضوية المتمثلة في إدارة غزة.
ولكن إذا وجهت إسرائيل ضرباتها بقوة ثم انسحبت، فإن حماس سوف تؤكد نفسها من جديد، دون أن يكون هناك من ينافس سيطرتها.
تظهر استطلاعات الرأي أن حماس لا تتمتع بشعبية، لكنها تظهر أيضًا أن منافسيها الفلسطينيين أقل شعبية، وأنهم يفتقرون إلى الأصول العسكرية والشبكات الاجتماعية والاقتصادية التي تمتلكها حماس في غزة.
إن الغضب في إسرائيل شديد السخونة، ويطالب بتدمير حماس، ولكن القادة الإسرائيليين يدركون أن العمليات سوف تكون محفوفة بالمخاطر وقد تؤدي بسهولة إلى نتائج عكسية. كما أن خطر وقوع المزيد من الضحايا الإسرائيليين والمخاوف الأخرى ربما يدفع البعض في الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء نفسه، إلى التصرف بحذر.
قد تتضمن النتيجة النهائية بعض العمليات البرية، ولكن من المرجح أن تكون نهجًا أكثر حذرًا بشكل عام من الغزو الشامل والاحتلال طويل الأمد الذي بدا مرجحًا في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول مباشرة.
إن مثل هذا التوجه لن يدمر حماس، بل إنه سوف يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف إسرائيل والمزيد من المعاناة على الجانب الفلسطيني، ولكنه من شأنه أن يسمح لزعماء إسرائيل بتقليص العديد من المعضلات الأكثر صعوبة التي يواجهونها في غزة.