إبراهيم الحريري يكتب في “بوليتكال كيز | Political keys”: بعد استفزازها… الولايات المتحدة تبعثر أوراق إيران وروسيا في سوريا
إبراهيم الحريري
صحفي سوري محرر ومقدم أخبار
في الآونة الأخيرة، شهدت الساحة السورية تصاعدا في التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا و إيران داخل سوريا. ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ بتعزيز قواتها في شمال شرقي سورية، وذلك بدوره أثار بعض التخوفات لدى خصومها في المنطقة.
على مستوى التصريحات لوحظ ارتباك السلطات الإيرانية، لا سيما أن واشنطن تسعى بقوة نحو إعادة صياغة شكلها العسكري في سوريا لحماية قواتها وضمان تحقيق أهدافها.
التحرك الأمريكي سيغير المعادلة السياسية كذلك وهو ما أربك روسيا وإيران وجعلهما يندفعان نحو مسار التقارب التركي مع نظام الأسد قبل أن تدفع واشنطن الجميع نحو مسار سياسي يتم تطبيقه وفق رؤيتها
في نهاية المطاف، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى قطع الطرق على روسيا وإيران في سوريا، من خلال بعثرة الأوراق سياسياً وعسكرياً، ثم إعادة ترتيبها من جديد فيما يتوافق مع رؤيتها و مصالحها في سوريا.
كيف استفزت روسيا وإيران الولايات المتحدة في سوريا ؟
لقد اتسمت السياسة الأمريكية في سوريا بالبرودة، والذهاب نحو إطالة أمد الصراع، وإغراق عدة أطراف في ساحة تتربع واشنطن على هرم المكاسب فيها، بينما تدير ما تبقى من ذلك الهرم بسياسة الضغط من الأعلى.
تحاول كل من روسيا وإيران مقاومة هذا الضغط لتوسيع نطاق سيطرتهم في البلاد، أو تطوير شكل السيطرة، لا سيما أن إيران تهدف إلى جعل وجودها في سورية رسميا بشكلٍ أكثر و قوياً بشكلٍ أكبر.
في الناحية الأخرى، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على مصالحها بأقل التكاليف العسكرية الممكنة، وذلك بدوره كان استفزازاً واضحاً لخصومها في سورية، فتكلفة انخراط هذه الدول في سورية كانت ولا زالت باهظة الثمن، دون تحقيق مصالح ملموسة مقارنة بما حققته الولايات المتحدة الأمريكية المسيطرة على منابع النفط.
وعليه، عملت كل من روسيا وإيران منذ العام الماضي، على دفع واشنطن للبذل أكثر، حيث بدأتا ذلك بعمليات استفزازية للقواعد الأمريكية، وكانت أحد محطات التسخين حين قتل متعاقد أمريكي وجرح ستة آخرون في شهر آذار/ مارس من العام الحالي.
حيث تم استهداف منشأة صيانة في قاعدة لقوات التحالف قرب الحسكة في شمال شرق سوريا بطائرة مسيرة.
أعلن البنتاغون حينها أن هذه الطائرة بدون طيار تعود للقوات الإيرانية، لترد الولايات المتحدة بضربات جوية استهدفت نقاطًا للميليشيات الإيرانية قرب الحدود السورية العراقية، مما أسفر عن مقتل 14 مقاتلًا مواليًا لإيران بحسب ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الأمريكية.
بالنسبة لروسيا، التي تحاول الضغط ضمن مساحة مختلفة، فقد عمدت على استفزاز طائرات واشنطن في سماء سوريا بحسب وصف البنتاغون، مستغلة انتهاء اتفاقية عدم التصادم الموقعة بين البلدين في سوريا.
ففي شهر تموز الفائت صرحت القوات الجوية الأميركية بأن طائرات روسية انخرطت في “سلوك غير آمن وغير احترافي” أثناء مشاركتها في مهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الأجواء السورية.
في حين اتهمت موسكو بانتهاك المجال الجوي لمنطقة تدريبات مشتركة، وتتالت عقبها عمليات الإحتكاك بين طائرات البلدين وتراشق الاتهامات بالتعدي والتي كان آخرها قبل أيام إذ لا يزال تبادل الاتهامات مستمراً بخرق الاتفاق بين روسيا وأمريكا في سوريا.
فعمليات إيران وموسكو “الاستفزازية” والتي بدأت منذ عدة شهور وضعت القوات الأمريكية في موضع ضعف، ضمن الأراضي السورية.
وهو ما عبر عنه الكاتب الأمريكي آدم لامون الخبير بشؤون الشرق الأوسط في مقال نشره موقع ناشونال إنترست الأميركي (National Interest)، قال لامون:
“إن العمليات ضد قواعد الجيش الأمريكي في سوريا تذكر واشنطن أن تلك القوات بحالة حرب هناك ولذلك يجب حمايتها وإعادة تقييم وضعها”.
وفي رد منسق الاتصال الإستراتيجي بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي على الاتهامات الموجهة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتراخي في سوريا.
قال كيربي: إن الرئيس جو بايدن رد “بسرعة وجرأة” على استهداف المنشآت العسكرية في سوريا، وإن القوات الأميركية ستواصل مهمتها في المنطقة، وهو ما يبعد وجود خيار الانسحاب لدى القوات الأمريكية، ويظهر في ذات الوقت رغبة الإدارة الأمريكية الحالية بإعادة اعتبارها لاعب أساسي في سوريا والمنطقة.
الرد الأمريكي على استفزازات روسيا وإيران في سوريا
لا يمكن لواشنطن الاستجابة لأي استفزاز بطريقة غير مدروسة، وخصوصًا أن هذا ما عرف عن نهج الديمقراطيين. يبدو هنا أن أمريكا تسعى لإبراز قوتها وذكائها في نفس الوقت مع الحفاظ على قدرتها على التحكم في حرارة المنطقة من الناحية العسكرية. وهذا ما يساهم في حماية مصالحها ومشاريعها في سوريا والمنطقة.”
يقول الإعلامي السوري أيمن عبد النور، الذي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال حوار خاص أُجري معه من قبل بوليتيكال كيز، إن التحرك الأمريكي الذي اتخذته إدارة بايدن يهدف إلى زيادة حماية جنودها في سوريا. حيث يشعر بايدن وحزبه بأن أي خسارة لأحد جنودهم ستكون خسارة لبايدن في الانتخابات المقبلة. هذا ما تجلى عندما تم قتل المتعاقد مع الجيش الأمريكي في سوريا.
وبالفعل، بدأت الولايات المتحدة تحركات جديدة في شمال شرقي سوريا، تمثلت بإرسال جنود أمريكيين ومعدات لوجستية، وإلى جانب ذلك بدأت واشنطن بالبحث عن حلفاء على نطاق أوسع من مكونات المجتمعات العربية، التي عقدت عدة اجتماعات في القواعد الأمريكية شمال شرقي سوريا، وحظيت بدعم مبدئي أثار غيرة قسد، في حين كان إعلان واشنطن المستمر أن مهمة قواتها الوحيدة هي محاربة تنظيم الدولة.
نتائج التحركات الأمريكية في سوريا والعراق
التحركات الأمريكية بدأت تؤتي أكلها بالفعل، حيث أن إيران وروسيا أصبحتا أمام مخطط جديد ستفرضه واشنطن ولكنه مخطط غير مفهوم أو واضح المعالم، وهو ما يفسر كثرة الاتهامات اتجاهه، لا سيما من قبل إيران، التي لديها الكثير مما تخسره، على عكس موسكو التي تميل لفتح جبهات قتالية أو غير ذلك في سوريا.
من النتائج الظاهرة حالياً لهذه التحركات، هي نجاح واشنطن في تفادي الهجمات على قواعدها وطائراتها، وتنفيذ عمليات تشويش على إيران وروسيا في سوريا. كما تم الحديث أيضًا عن تلك التحركات داخل العراق على طول الحدود مع سوريا بهدف قطع الطريق البري الإيراني من العراق إلى سوريا، وفقًا للتقارير الواردة حول هذه الأحداث.
وهنا يشكك الكاتب السياسي السوري زياد المنجد بجدية الولايات المتحدة، في قطع ذراع إيران أو إخراجها من سوريا. فهي إلى حد ما، تريد بقاء إيران بشكل محدود في المنطقة لخلق توازنات تستفيد منها واشنطن و هذه التحركات هي ورقة ضغط التي تلعب عليها واشنطن.
التصريحات من حلف إيران بدت مرتبكة، فالأمين العام لحزب الله اللبناني “حسن نصر الله” قال: إن ما يشاع عن أن الأمريكيين يريدون إغلاق الحدود السورية- العراقية، هو مجرد أوهام، ولن يُسمح بذلك.
فيما قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان: إن على الجنود الأميركيين مغادرة سوريا مضيفاً أنه لا جهة تستطيع إغلاق الحدود بين العراق وسوريا. وأضاف على ذلك وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد: إن العراق أكد أنه لن يسمح بشن عدوان على سوريا من أراضيه
تعكس هذه التصريحات في مجملها التخوف من أي تطور في هذا الخصوص، لكنها تضمن في ذات الوقت عدم وصول التطورات إلى حد قطع الطريق كليّاً، بمقدار أنها ورقة ضغط جديدة في المنطقة تستخدمها واشنطن لحماية قواتها بشكل أو بآخر.
الاعتماد الأمريكي على المكون العربي في سوريا
وبالحديث عن طبيعة التحرك الأمريكي في تفاصيله على الأرض، فإنه من الظاهر توجه الولايات المتحدة نحو المكون العربي هذه المرة، لا سيما أن قسد لديها خطوط اتصال مع النظام وحتى روسيا وإيران، أو لديها معادلات معقدة ربما تكون عذرًا لها في ذات الوقت أمام داعمتها واشنطن التي تسعى لحمايتها من خطر روسيا وإيران، وتركيا ولا ترغب بزجها في مواجهة مفتوحة معهم.
حيث إنَّ أنقرة حليفة لواشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهي طرف ضد قسد في المعادلة. في المقابل، قد تكون مؤيدة لأي دعم أمريكي جديد للمكونات العربية التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع قسد. يجب أن نلاحظ أن هذه المواجهات تأتي نتيجة للعمق القوي للعشائر العربية والموقف الحالي لواشنطن تجاهها. وهذا يفسر بدوره موقف روسيا المؤيد لقسد في بعض المناطق ضد هذه العشائر.
في المحصلة لا تزال الولايات المتحدة تبحث ضمن الخطوط العريضة عن مصلحتها، وتذهب لتعزيز دور المكون العربي، الذي سيتقبل التنسيق مع المكونات العربية الأخرى و في منطقة التنف بشكل أكبر. وبالتالي، فإن ذلك هو ما تبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية لقطع الطريق البري الإيراني من العراق إلى سوريا أو التلويح بذلك من خلال تشكيل يندرج تحت مسمى الجيش الحر، الذي اختفى وبقيت آثاره في منطقة التنف إبان انطواء عناصره تحت مظلة الجيش الوطني التابع لتركيا.
الدور التركي في لعبة واشنطن الجديدة
يبدو توجه واشنطن للمكون العربي غير مقلق بشكل كبير لأنقرة، فالمكوّنات العربية تعطي فاعليّة أكبر ضد النظام، في في حال تم دعمها من قبل واشنطن. وذلك ما أثبتته التجارب السابقة في درعا وغيرها من المناطق.
وهذا ما سيخلق الحالة العسكرية الجديدة التي ستبعثر أوراق إيران وروسيا من جديد. بعدما وصلت كلا الدولتين لمرحلة لم تعودا فيها قادرتان على بذل الكثير لإبقاء الأسد أكثر في السلطة، فكلا الدولتين تعاني من أزمات داخلية وخارجية، فروسيا تعاني من حصار اقتصادي خانق بعد غزوها لأوكرانيا، وعدا عن الحرب الاستنزافية التي تخوضها في أوكرانيا. وإيران التي تعاني من احتجاجات داخلية، وأيضاً تحاول التقرب من دول المنطقة لفك عزلتها وهذا بدوره ينعكس على سلوكها في المنطقة.
بناءًا على ذلك، تبحث كل من روسيا و إيران عن تحصيل العقود والسيطرة على الدولة السورية كي تضمن مصالحها، و من خلال تحاول واشنطن إعادتهما إلى مربع الصفر في حرب مفتوحة مع أبناء سوريا المؤيدين للثورة.
في المشهد العام تبدو واشنطن قريبة في توافقاتها مع أنقرة حاليا في الشأن السوري، ولكن مختلفة معها فيما يخص ملف قسد و الذي قد يعالج بوجود المكون العربي. فتركيا التي ترغب بفرض حل في سوريا، تدرك تمامًا أن الولايات المتحدة لن تسمح بإتمام أي مسار خارج رغبتها سياسيًا كان أم عسكريًا. وهنا قد يتفق الطرفان على حل جزئي واتفاق يحقق مصالحهما شبيه باتفاق روسيا وإيران في سوريا.
في المقابل عاد مسار التقارب التركي مع النظام السوري للظهور في تصريحات إيران وروسيا والنظام الذي بدا متمسكاً بخيار خروج القوات التركية من سوريا كشرط أساسي، بينما تقول روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها اقترحت على تركيا العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهاب في شمالي سوريا من قبل أنقرة، ولكن بالاتفاق مع النظام السوري، وهنا تبحث موسكو عن ثغرة للضغط على الولايات المتحدة من قبل تركيا على قسد. كما حضر المسار في نقاشات وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في دمشق خلال زيارته الأخيرة.
الدفع الأمريكي نحو الحل السياسي
من ضمن الأهداف الأمريكية المذكورة في تحركها الحالي هو دفع الجميع بمن فيهم نظام بشار الأسد نحو حل سياسي وفق رؤيتها.
في نقاشه مع لبوليتكال كيز، يقول الصحفي السوري أيمن عبد النور، إن هذه التحركات ستزيد من الخناق على بشار الأسد بشكل شبه تام. لكن دون القضاء عليه، وهو ما سيجعله مضطراً للعودة إلى مسار الحل السياسي في سوريا.
من جانبه يرى السياسي السوري المعارض وعضو اللجنة الدستورية السورية حسن الحريري، أن الدفع الأمريكي في الجانب السياسي غير جاد ولن يصل إلى حل نهائي.
لا يبدو أن هناك تعارضًا بين رغبة واشنطن في إعادة النظام السوري لمسارها السياسي، وعدم الوصول إلى حل نهائي، فمجرد قبول بشار بالعودة للمسار يمثل مكسبًا أمريكيا على حساب إيران وروسيا.
أو ربما يرضخ بشار الأسد للإرادة العربية التي قد تخلق الحل الوسط بين الجميع. أما المسار التركي فهو أصعب من أن يتحقق، لا سيما أنه على حساب قسد، وهنا في هذه النقطة بالتحديد يمكن تفسير السباق الروسي الإيراني على إحياء مسار التقارب بين النظام السوري وتركيا.
في الختام، لا يوجد جديد في سياسة واشنطن تجاه سوريا، حيث تستمر في تكرار سياساتها السابقة من خلال تطبيق سياسة الإرباك وإطالة أمد الصراع والحفاظ على برودة جبهتها في وجه التصاعد في مناطق أخرى، وإنشاء استراتيجيات جديدة لحماية مصالحها السابقة.
هذه السياسات تمثلت سابقًا عندما قدمت واشنطن دعمًا عسكريًا للمعارضة، ثم تراجعت وأيدت الحل السياسي دون أن تصل إلى نهايته. وعلى الرغم من ذلك، نجحت دائمًا في حماية مصالحها وصاغت مشروعًا يخدم مصالحها في شمال شرق سوريا، كما نجحت في الحصول على نصيبها من النفوذ في سوريا، بينما تركت ما تبقى للبقية من اللاعبين دون أن يترك للسوريين شيئًا يُذكر.
المقالات التي تنشرها “بوليتكال كيز | Political Keys” على موقعها الرسمي تعبر عن آراء كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي فريق العمل والتحرير.