ترجمات

ماذا تريد دول الخليج في غزة؟

بقلم: طلال محمد
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز

قبل ثلاثة أشهر، شنت حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل، التي ردت بسرعة بعملية للقضاء على الجماعة المسلحة، وحتى الآن، قُتل قرابة 1200 إسرائيلي وما يقدر بقرابة 23000 فلسطيني، وجرح عدد أكبر بكثير.

وسط الدعوات لوقف إطلاق النار، يتكهن العديد من المراقبين بما قد يبدو عليه “اليوم التالي” في قطاع غزة، إن مسألة ما إذا كان من الممكن تدمير حماس أم لا هي مسألة محل جدل كبير، وبغض النظر عن ذلك، فقد أصرت إسرائيل والولايات المتحدة -حليفتها الأكثر أهمية- على أن المجموعة لا يمكن أن يكون لها أي دور في إدارة غزة المستقبلية، وبدلًا من ذلك، اقترح كلاهما إنشاء قوة متعددة الجنسيات تتضمن دورًا للدول العربية، بما في ذلك دول الخليج العربي، وهذا يعني أن غزة يمكن أن تصبح نقطة ساخنة للمنافسات الجيوسياسية بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

قطر في مركز الصراع

استضافت الدوحة الجناح السياسي لحركة حماس ودعمته ماليًّا منذ عام 2012، عندما انتقل من دمشق، ظما وفرة لغزة المساعدة الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، ويشكل دعم قطر لحماس جزءا من استراتيجية جيوسياسية أوسع لدعم الجماعات الإسلامية، وخاصة تلك المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب حليفتيها إيران وتركيا، وهذا يوازن منافسي قطر الإقليميين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

تصوّر المشيخة الخليجية الصغيرة نفسها كدبلوماسية إقليمية، وتنظر إلى الدبلوماسية كوسيلة لحماية نفسها في منطقة مضطربة.

منذ الحصار المؤلم الذي فرض على قطر في الفترة من 2017 إلى 2021، أثبت هذا فعاليته، فقد أدارت قطر محادثات عالية المخاطر مثل تلك التي جرت بين الولايات المتحدة وطالبان في عام 2020، كما ضمنت إطلاق سراح السجناء الأمريكيين المحتجزين في إيران في عام 2023.

وكانت الولايات المتحدة قد طلبت في السابق من قطر فتح خط اتصال مع حماس في عام 2006 بعد النصر التشريعي الذي حققته الحركة في الأراضي الفلسطينية، والذي سبق استيلاءها على غزة عام 2007 والحصار الإسرائيلي الذي أعقب ذلك.

ومنذ ذلك الحين، قامت الدوحة -التي لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل- بالوساطة النشطة بين حماس وإسرائيل في ثلاث مناسبات على الأقل، في 2015 و2018 و2021.

هذه المرة، تأمل قطر في تأمين إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم حماس، ومعظمهم إسرائيليون، مقابل وقف إطلاق النار أو هدنة إنسانية.

وفي الفترة من 24 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 1 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أسفرت المحادثات الجارية عن إطلاق سراح 110 رهائن من غزة و240 سجينًا فلسطينيًا من إسرائيل.

وقد تستمر قطر في دعم الأعضاء غير المسلحين في جماعة الإخوان المسلمين في غزة بعد الحرب، ويمكن أن يشمل هؤلاء أعضاء في الجناح السياسي لحماس، وليس الجناح العسكري.

إن القيام بذلك من شأنه أن يرضي الدعوات الأمريكية والإسرائيلية لغزة للتخلص من حماس، بينما يساعد أيضًا الدوحة في الحفاظ على تحالفاتها مع تركيا، وبدرجة أقل إيران، ومواجهة نفوذ الإمارات والسعودية.

المملكة العربية السعودية

لقد تنافست المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة مع إيران على القيادة الإسلامية والإقليمية، ومنذ أن أطلق العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله ما أسماه “مبادرة السلام العربية” في عام 2002، دعمت الرياض أيضًا عملية السلام العربية – الإسرائيلية، وفي حين تدعم طهران والدوحة حماس ماليًّا وعسكريًّا، تدعم الرياض السلطة الفلسطينية وقد ترغب في تثبيت السلطة الفلسطينية -التي تحكم الضفة الغربية جزئيًّا- في غزة ما بعد الحرب.
ومع ذلك، قد يكون من الصعب تنفيذ ذلك، وفي حين أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه لغزة ما بعد حماس في ظل ما يسميه “السلطة الفلسطينية المنشطة”، فإن إسرائيل تبقى معارضة لأي حكم للسلطة الفلسطينية في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن السلطة الفلسطينية، التي ينظر إليها الكثيرون على أنها وكيل للاحتلال الإسرائيلي، مكروهة من قبل الفلسطينيين، في حين ارتفعت شعبية حماس إلى عنان السماء.

لكي يكون حكم السلطة الفلسطينية في غزة ممكنًا، ستحتاج الرياض وواشنطن إلى القيام بالمهمة الصعبة المتمثلة في تحديد زعيم تقبله إسرائيل ولكنه يتمتع أيضًا بشعبية كافية بين الفلسطينيين لإضعاف انسحاب حماس وإيران.

أحد المرشحين المحتملين هو رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، حصل فياض، وهو زعيم عملي، على دعم من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال فترة ولايته من عام 2007 إلى عام 2013، كما أجرى محادثات مع حماس في عام 2021 في محاولة فاشلة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

وفي الماضي، اقترح فياض ضم حماس تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي حين لم يعلق فياض علنًا حول إمكانية قيادة غزة الآن، ذكرت وسائل الإعلام السعودية في أوائل شهر كانون الثاني/ يناير أن اسمه قد ذكر من قبل دبلوماسيين دوليين في مناقشات خاصة حول هذا الموضوع.

قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بدا أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية تتجهان نحو التطبيع، وكانت إدارة بايدن قد وافقت مبدئيًا على طلبات طموحة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بما في ذلك اتفاقية أمنية على غرار الناتو، والحصول على أسلحة متقدمة، وبرنامج نووي مدني، وأخبر ولي العهد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي أن التطبيع لا يزال مطروحًا بعد انتهاء الحرب، شريطة أن تكون هناك أيضًا خارطة طريق لإقامة الدولة الفلسطينية.

الإمارات

النفوذ السعودي في محادثات التطبيع قد يزعزع استقرار الإمارات، وعلى الرغم من أن البلدين حليفين ظاهريًا، خاصة في مواجهة قطر وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنهما صعّدتا المنافسة الجيوسياسية بينهما في السنوات الأخيرة في سعي كل منهما ليصبح القوة الخليجية البارزة، وقد تنافست الدولتان على الهيمنة الإقليمية في الحروب في اليمن والسودان، ومن الممكن أن تؤدي عملية السلام العربية الإسرائيلية بشكل عام، والمناقشات حول مستقبل غزة، إلى تصعيد هذا التنافس بشكل أكبر.

تسعى أبوظبي إلى ممارسة تأثير معتدل على الحرب مع حماية مصالحها الإقليمية، وبالإضافة إلى إدانة الهجمات الإسرائيلية على مستشفيات غزة، كانت الإمارات العربية المتحدة سباقة في إدخال المساعدات إلى القطاع، وخاصة في الأمم المتحدة.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الإمارات، التي تعمل على توازن العلاقات بين القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، لديها طموحات توسعية، وبالإضافة إلى اليمن والسودان، تدعم أبوظبي أيضًا الوكلاء في الصراعات في القرن الأفريقي وليبيا.

وكان تطبيع الإمارات للعلاقات مع إسرائيل عام 2020 خطوة استراتيجية أخرى من هذا القبيل، ومع ذلك، لا تزال البلاد حذرة بشأن التحولات المحتملة في ديناميكيات القوة الإقليمية، وخاصة احتمال التطبيع السعودي الإسرائيلي.

كان الانفراج الإماراتي، جزئيًا، محاولة لتصبح القوة العربية البارزة التي يمكنها إحداث التغيير في فلسطين، وإبعاد هذه العباءة عن المملكة العربية السعودية، وإذا طبعت الرياض مع إسرائيل فستتمكن من استعادة الملف الفلسطيني.

ربما تفكر أبوظبي في تعيين محمد دحلان لإدارة غزة في إطار السلطة الفلسطينية “المعاد تنشيطها” بقيادة بايدن، وكان دحلان، وهو زعيم سابق بارز لحركة فتح الرائدة في السلطة الفلسطينية وموطن في غزة، يشغل منصب رئيس الأمن في الحركة، ومع ذلك، أصبح دحلان الآن موضع احتقار في غزة لأنه أمضى سنوات في محاربة حماس، وفي نظر العديد من سكان غزة، فهو ليس أفضل من المحتل الإسرائيلي.

ويعيش دحلان في المنفى في أبوظبي منذ عام 2011 بعد مزاعم بالتورط في الفساد المالي واغتيال ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، ويُعتقد أنه أثر وتوسط في عملية التطبيع الإسرائيلية الإماراتية، وعلى الرغم من أن زعيم فتح السابق رفض علنًا لعب دور في غزة ما بعد حماس، إلا أن دحلان ألمح أيضًا إلى أنه منفتح على قيادة السياسة الفلسطينية في المستقبل، وهذا من شأنه أن يحقق مكاسب استراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
الأردن ومصر

ويحتفظ دحلان بعلاقة قوية مع مصر والأردن، الدولتين المجاورتين اللتين تحتفظان بعلاقات رسمية مع إسرائيل، يجب أن يُدرج هذان البلدان في أي نقاش دبلوماسي دولي حول مستقبل غزة، وربما يجدان أنفسهما متورطين في المنافسات الخليجية.

الأردن، المجاور للضفة الغربية والذي احتلت إسرائيل أراضيه من عام 1948 حتى عام 1967، يعتبر موطنًا لعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، تُظهر معاهدة السلام الموقعة بين عمان وإسرائيل عام 1994 احترام الملكية الهاشمية للأماكن المقدسة في القدس، مما يبرز صورة الأردن كمكان ذي أهمية إقليمية ودينية.

في 1979، كانت مصر، المحتل السابق لغزة، أول دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين، سعت إلى تحقيق توازن بين علاقتها الاستراتيجية مع إسرائيل، ودعم الشعب للفلسطينيين، وضرورة الحفاظ على الاستقرار على طول حدودها.

ومع منع معظم سكان غزة من دخول إسرائيل، فإن معبر رفح الحدودي المصري هو طريق خروجهم الرئيسي، وتؤوي المنطقة الحدودية أيضًا أنفاق التهريب التابعة لحماس.

خلال هذه الحرب، ساعدت القاهرة في السيطرة على معبر رفح وتبادلت المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، في حين حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديم نفسه كوسيط من خلال استضافة قمة دولية، وبالمثل، اجتمع الأردن مع القادة الأمريكيين والعرب.

لكن كلا البلدين يعانيان من نقاط ضعف يمكن استغلالها من قبل القوى الخليجية الحريصة على لعب دور قيادي في غزة ما بعد حماس، فهم أفقر بكثير من نظرائهم في الخليج، كما أن اقتصاداتهم في حالة يرثى لها، الأمر الذي يؤدي إلى تأجيج الغضب الشعبي حتى في البيئات السياسية القمعية.

تلقت عمّان مساعدات إغاثية من دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2018 وأصبحت تعتمد بشكل خاص على دعم المجموعة بسبب الضغوط الناجمة عن جائحة كوفيد-19.

كانت مصر تكافح اقتصاديًا قبل الوباء والحرب الروسية – الأوكرانية، لكن هذه الأزمات وتأثيرها على أسعار الغذاء والوقود لم تؤدِّ إلا إلى تفاقم الأمور، ويخضع السيسي لتدقيق أكثر من أي وقت مضى.

وفي مصر، يمكن لقطر أن تمارس نفوذها من خلال حث الحكومة على تخفيف الضغط على جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت في الانتخابات الديمقراطية الأولى والوحيدة في مصر في عام 2012، وتم تصنيفها لاحقًا على أنها منظمة إرهابية بعد استيلاء جيش السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013.

يمكن للرياض وأبوظبي ممارسة نفوذهما على مصر للتأثير على الحروب في السودان وليبيا واليمن.

إن التأثير على الأردن من شأنه أن يمنح دول الخليج إمكانية الوصول إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية وربما السيطرة عليها، وجادل مايكل شارنوف من جامعة الدفاع الوطني في مجلة فورين بوليسي في عام 2021 بأن المملكة العربية السعودية ترغب في إزاحة الأردن من منصب الوصي على الأماكن المقدسة في القدس.

طلب المملكة العربية السعودية الحصول على هذا التمييز يمكن أن يعزز دور الرياض في مفاوضات التطبيع مع إسرائيل، ويعزز مكانتها كقائدة إسلامية وعربية ريادية، حيث يُضاف المسجد الأقصى، الذي يعد ثالث أقدس المواقع في الإسلام، إلى وصاية المملكة التي تدير مكة المكرمة والمدينة المنورة.

قد يكون التأثير التوسعي للنفوذ الخليجي على الأردن ومصر ضارًا بواقع الفلسطينيين الهشين بالفعل، خاصةً مع تزايد عدم واقعية فكرة حل الدولتين، قد يؤدي هذا إلى فتح ثغرات جديدة في المجتمع الفلسطيني، ويضعف موقف الحكومتين في عمان والقاهرة.

الالتحاق بإحدى دول مجلس التعاون الخليجي، بغية دعم الجهود لطرد حماس من غزة، قد يجلب مساعدات مالية ملحة، مما قد يزيد من خطر تصاعد التوتر في الدوائر الانتخابية المؤيدة للجماعة المسلحة.

لقد بدأت المنافسة الخليجية في غزة بالفعل، ومن بين الإجراءات الأخرى، استضافت قطر مفاوضات ثلاثية مع الولايات المتحدة وحماس وإسرائيل للسماح بوقف مؤقت للقتال وتوفير المساعدات الإنسانية، وسارعت المملكة العربية السعودية إلى طرح مبادراتها الخاصة، حيث استضافت قمة للجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية والدول ذات الأغلبية المسلمة، مثل إيران وتركيا، وأعلنت عن محادثات بوساطة صينية لإنهاء الحرب، ووقعت شركة إسرائيلية ناشئة اتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة لإنشاء جسر بري لنقل البضائع من دبي عبر المملكة العربية السعودية والأردن إلى الموانئ الإسرائيلية بعد سلسلة من هجمات الحوثيين على البضائع الإسرائيلية في البحر الأحمر.

إن إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الزعماء العرب متحدون في الرغبة في رؤية زوال حماس، ولكن في التخلص من مشكلة واحدة، قد تنشأ مشاكل أخرى.

يمكن للحرب بين إسرائيل وحماس أن تزيد من حدة التنافس المتنامي بين دول الخليج وقد يفسح أحد مصادر التوتر الإقليمي المتصاعد المجال لآخر.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى