أسامة العبد الله يكتب في “بوليتكال كيز | Political keys”: المجاهد المهاجر الشهيد “عز الدين القسام” رمز البطولة والفداء في زمن التطبيع مع الأعداء
أسامة العبد الله
محرر ومدرس في الشمال المحرر
المجاهد المهاجر الشهيد “عز الدين القسام” رمز البطولة والفداء في زمن التطبيع مع الأعداء
بعد 88 عامًا على استشهاده، ما زال اسمه يملئ الأسماع، ويرعب الأعداء، أصبح ذِكره رعبًا وخوفًا، “مسافة الصفر، الملثم، المقاومة، العمل الفدائي” مصطلحات اقترنت بكتائبه، فمن هو؟
عز الدين القسّام، ولد في مدينة جبلة السورية عام 1882، والده: عبد القادر، والدته: حليمة قصّاب، أخوه: فخر الدين، أخته: نبيهة أشقاؤه من أبيه: أحمد و مصطفى و كامل و شريف، زوجته: أمينة نعنوع، بناته: خديجة و عائشة و ميمنة، وابنه: محمد.
تلّقى دروسه الابتدائية في بلدته في كتّاب والده، ثم سافر وهو في الرابعة عشرة إلى القاهرة، والتحق بالجامع الأزهر، وأخذ العلم من خير أئمته، ومنهم الشيخ المصلح محمد عبده.
وبعد نيله شهادة الأهلية، قفل عز الدين القسّام راجعًا إلى بلده جبلة سنة 1903، حيث خلف والده في كتّابه يعلّم أصول الكتابة والقراءة وحفظ القرآن وبعض العلوم الحديثة.
تشرّب القسّام، خلال إقامته في مصر، أجواء الغليان الوطني ضد الاحتلال البريطاني، عقب فشل الثورة التي قادها الضابط في الجيش المصري أحمد عُرابي، وروح الدعوات الإصلاحية لحفظ الأمة بالاتحاد والاعتماد على النفس ومقاومة الاحتلال الأجنبي.
وتولّى الشيخ عز الدين القسّام إمامة المسجد المنصوري في جبلة، وأصبح بخطبه ودروسه وسلوكه، موضع احترام الناس، وامتدت شهرته وحسن سمعته إلى المناطق المجاورة.
دعا القسّام بعد هجوم إيطاليا على ليبيا سنة 1911، إلى نصرة الشعب العربي الليبي عن طريق التظاهر والتطوع للقتال إلى جانبه، ثم كان من أوائل من انضم إلى الثورة ضد الاحتلال الفرنسي في الساحل السوري ما بين سنة 1919- 1920، وأبلى في قتالهم أحسن البلاء في الجبال المحيطة بقلعة صلاح الدين فوق اللاذقية، فأدرك الفرنسيون خطورته وحكموا عليه بالإعدام غيابيًا.
“الهجرة” بعد الحكم عليه بالاعدام
التجأ القسّام مع أسرته وبعض إخوانه إلى مدينة حيفا الفلسطينية في أواخر سنة 1920، حيث عمل مدرّسًا في مدرسة “البرج” الثانوية التي أنشأتها “الجمعية الإسلامية” المسؤولة عن إدارة الأوقاف الإسلامية في منطقة حيفا، ثم صار يعطي دروسًا دينية في جامع “الاستقلال”، الذي شيّدته “الجمعية الإسلامية” نفسها، ملفتًا الأنظار بمواعظه، وبعد سنوات قليلة، أصبح إمامًا وخطيبًا في الجامع ذاته، كما أنشأ مدرسة ليلية لمكافحة الأمية.
و شارك عز الدين القسّام أيضًا في تأسيس فرع “جمعية الشبان المسلمين” في مدينة حيفا، وانتخب، في تموز/ يوليو 1928، رئيسًا له، فكانت هذه الجمعية وسيلة فعّالة لنشر الوعي الوطني بين صفوف الشباب والرجال واستقطابهم.
ثم عيّن القسّام سنة 1930 مأذونًا شرعيًا من قبل المحكمة الشرعية في حيفا، فصار يخرج إلى قرى الجليل ويتصل بالناس ويتعرّف إليهم، الأمر الذي زاد من شيوع صيته.
ثم تابع عز الدين القسّام استفحال الخطر الصهيوني بسبب السياسة البريطانية الداعمة لمشروع “الوطن القومي اليهودي”، ووصل إلى قناعة بأن بريطانيا هي العلّة والمعلول، وأن لا سبيل إلى ردعها سوى بالكفاح المسلح المباشر ضدها، وأن لا سبيل إلى ذلك سوى بالإيمان الصادق ونبذ الحزبية والعائلية والتضافر والتضحية والالتزام بسرية العمل وإحكام التنظيم والتوقيت، فضلاً عن حنوه على الفقراء وذوي الدخل النزير وسعيه المتصّل لتحسين حالهم.
فاستقطب بذلك في حلقاته الخاصة ولاء دوائر زادت اتساعًا من سكان الريف وشيوخه ممن وفدوا إلى حيفا للعمل في مينائها ومصانعها ومصفاتها، وسكنوا في أحياء بائسة تحيط بالمدينة شرقًا، وكان الكثيرون منهم ممّن أُجلوا عن أراضيهم لانتقال ملكيتها إلى أيدي الصهاينة.
إعلان الجهاد ضد الصهاينة
لم يكن القسّام ليرغب في إعلان الجهاد ضد الاستعمار البريطاني قبل استكمال استعداده، بيد أن طوفان الهجرة اليهودية الجماعية في سنوات الثلاثينيات الأولى من القرن العشرين، وتضييق السلطات الموجودة الرقابة عليه والخشية من ضربة استباقية تقوم بها، كل هذه الأسباب جعلته يندفع إلى إعلان الجهاد في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1933.
اغتيال عز الدين القسام
في 15 تشرين الثاني 1935، اكتشفت القوات البريطانية مكان اختباء عز الدين القسام في قرية البارد الريفية، ومع ذلك، تمكّن القسام و15 من أتباعه من الانحياز إلى قرية الشيخ زايد، وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، لاحقتهم القوات البريطانية، التي حاصرتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبت القوات القسام ورفاقه بالاستسلام، لكنهم رفضوا ودخلوا في اشتباك معها.
خلال المواجهة، قتل عز الدين القسام ومن معه أكثر من 15 جنديًا بريطانيًا، ودارت معركة متواصلة لمدة ست ساعات بين الجانبين، في نهاية المعركة في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، استُشهد الشيخ عز الدين القسام وبعض رفاقه، وجُرح واعتُقل الباقون.
استشهاد عز الدين القسام كان له تأثير كبير في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936، وقد تحولت هذه الحادثة إلى نقطة تحول مهمة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية في ما بعد.
وشهدت مدينة حيفا إضرابًا شاملاً في 21 تشرين الثاني 1935، بعد وصول خبر استشهاده، فأُغلقت الحوانيت والمتاجر والمطاعم، وودع الآلاف من سكانها الشهيد عز الدين القسّام ومن استشهد معه من أنصاره في أضخم جنازة عرفتها المدينة، ودفن الشيخ القسّام في مقبرة “بلد الشيخ” من أعمال حيفا.
عز الدين القسّام شيخ مشايخ الجهاد الفلسطيني، لعب استشهاده دورًا كبيرًا في إشعال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936- 1939)، وألهم المقاومة الفلسطينية منذئذ جيلًا بعد جيل.
عز الدين القسام (رحمه الله) ورثائه
خلّدت الأقوال والشهادات سيرة الشيخ عز الدين القسّام، ومن أشهرها قصيدة شاعر الثورة اللبناني فؤاد يوسف الخطيب التي يقول:
ما كنت أحسب قبل شخصك أمة .. في بردتيه يضمها إنسان
لم يثن عزمك والكتائب شمرت .. نصلٌ يشب توقدا وسنان
ووثبت تخترق الصفوف مجاهداً .. والنقع أكدر والسماءُ دخان
آمنت باليوم الأخير فلم تخف .. ومُكذِّب اليوم الأخير جبان
يا رهط عز الدين حسبك نعمة .. في الخلد لا عَنتٌ ولا أشجان
شهداء بدر والبقيع تهللت .. فرحاً، وهش مُرحباً رضوان.
كتائب القسام التأسيس والنشأة
ووفاءًا للشيخ القسام، وتكملةً لما بدأ له، فكانت البذور الأولى لكتائب القسام عام 1986 قبل الإعلان عن انطلاق حركة “حماس”، ويعد صلاح شحادة المؤسس لأول جهاز عسكري للحركة عرف باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، ثم صار يحمل اسم “كتائب عز الدين القسام” في أواسط 1992.
وتقول القسام إن علاقتها مع حماس علاقة “تكامل تنظيمي وانفصال ميداني” إذ تعد جزءًا من هيكلها وتشارك في صنع القرار فيها والتوجيه وفق أنظمتها الداخلية، لكنها تنفصل عنها في “الجوانب العملية المختصة بالعمل العسكري”، وهي أقرب إلى الجيش المنظم بما تمتلكه من قدرة قتالية عالية وخبرات علمية في مجال تطوير الأسلحة و تتبنى كتائب القسام التوجه الإسلامي السني، وتعتبر الجهاد والمقاومة الوسيلة الأنجع لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض، ومن أهدافها وثوابتها تحرير كل فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.