لقد عادت الولايات المتحدة إلى شرق آسيا ولكن إلى متى؟
المصدر: واشنطن بوست
بقلم: جوش روجين
ترجمة: بوليتكال كيز
انعقدت قمة الرئيس بايدن الأسبوع الماضي في كامب ديفيد مع قادة اليابان وكوريا الجنوبية، وكانت تُعَدُّ إنجازًا تاريخيًا حققته حكومات الحلفاء الثلاثة بمجهود مشترك.
ويتساءل البعض عما إذا كانت إدارة بايدن قادرة على القيام بالإجراءات اللازمة في الوقت المتبقي لضمان استمرار هذا التقدم وعدم تراجعه.
أظهرت هذه القمة حتى الآن إشارات واضحة بأن التوسع الإقليمي العدواني للصين والتدخل الروسي في أوكرانيا يدفعان الديمقراطيات في منطقة آسيا إلى إعادة النظر في استراتيجياتها بشكل كامل.
وخلال الخمس سنوات القادمة، تعتزم اليابان زيادة ميزانيتها الدفاعية بشكل مضاعف، ومن الممكن أن تحدث كوريا الجنوبية تصالحًا مع الدولة التي احتلت أراضيها وأساءت إلى شعبها خلال القرن الماضي.
وعلى الرغم من تركيز معظم الأنظار على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن إدارة بايدن كانت تعمل في الكواليس للاستفادة من تعثرات بكين، بهدف تقريب هذين الصديقين المتنازعين بعد عقود من الانقطاع.
وتُظهِر القمة نجاح استراتيجية هؤلاء الزعماء، لكنها لا تتجاوز ذلك، وتبقى الساعة تُشير إلى تحديات مستقبلية.
قال لي السفير الأمريكي لدى اليابان “رام إيمانويل”:
“لقد تغيرت اللوحات الإستراتيجية، الشيء الوحيد الذي لم ترغب الصين أبدًا في رؤيته يحدث.”
وما يثير الاهتمام هو أن المراسل الأول الذي تم استدعاؤه في مؤتمر الصحافة خلال القمة اختار أن يطرح على بايدن سؤالًا حول السبب الذي يجعل الدول الآسيوية تثق في التزام الولايات المتحدة على المدى الطويل.
وفي النهاية هدد سلف بايدن “والمنافس المحتمل في العام المقبل” بالتخلي عن حلفاء آسيا، واستغلالهم ماليًا، وأراد سحب القوات الأميركية من المنطقة، وقضى وقته بشكل غير ماهر في محاولة جذب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
أجاب بايدن قائلاً:
“هذه ليست مجرد قمة واحدة, ما يجعل اليوم مختلفًا هو أنه بالفعل تم إطلاق سلسلة من المبادرات التي تمثل تغييرات مؤسسية في كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض… وكل هذا سيخلق زخمًا.” وبالتأكيد فريق بايدن يدرك تمامًا كيفية التعامل مع إنجازات دبلوماسية كبيرة”.
ومما يجدر بالذكر أن بعض أعضاء هذا الفريق قد شغلوا مناصب في اتفاق النووي الذي قامت به إدارة أوباما مع إيران، وتبقى إدارة بايدن لديها 17 شهرًا في فترة ولايتها الحالية لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث في مجموعة متنوعة من المجالات مثل الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا وسلاسل التوريد والتنمية.
من جانبه، يواجه الياباني “فوميو كيشيدا” مخاطر سياسية كبيرة في مسعاه لتنفيذ سياسات تشمل تنسيق القيود التكنولوجية على الصين وتعزيز التعاون في مجال الدفاع الصاروخي، مما قد يثير استياء الحكومة الصينية بلا شك.
ويعتمد اقتصاد كل من اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير على الاقتصاد الصيني، وما هو معروف بأن بكين تستخدم نفوذها في مثل هذه الحالات لمواجهة الزعماء الأجانب الذين يعارضونها.
وأشار مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” خلال إحدى المقابلات إلى أنهم يعملون على بناء أسس راسخة تمكنهم من مواجهة التحولات السياسية في بلدانهم، وأضاف أن الزعماء الثلاثة يهدفون إلى بناء شيء يحظى بدعم الجميع، مؤكدًا على استدامة مؤسسات كل دولة على المدى غير المحدد في المستقبل.
وأكد “سوليفان” أن العمل على ترتيب قمة كامب ديفيد بدأ قبل تولي بايدن منصبه، حيث قرر الرئيس منذ وقت مبكر تخصيص موارد كبيرة لهذه الجهود. وفي نيسان/ أبريل 2021، استضاف سوليفان نظراءه من طوكيو وسيول في “أنابوليس”لبدء هذه الجهود.
وأوضح “سوليفان” كيف تعاملت الإدارة مع الحلفاء حيث قال:
”لدي تعليمات من الرئيس، للعمل حقًا على هذا التعاون الثلاثي، ومحاولة بنائه، مضيفًا أن هذا التعاون سيصبح سِمَةً دائمة للهندسة الأمنية والاقتصادية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأنه يجب أن يتم العمل على تحقيق ذلك”.
وفي أيار/ مايو 2021، التقى وزير الخارجية بلينكن ونظراؤه من الحلفاء على هامش قمة مجموعة السبع في بريطانيا، وبعد ذلك استمرت اجتماعاتهم المشتركة عندما كان الثلاثة زعماء في نفس المكان، وفي نفس الوقت كما ظهرت اجتماعات ثلاثية مماثلة بين مسؤولي الدفاع والجيش في الدول الحليفة.
وإن الحظ يتم تعريفه في بعض الأحيان على أنه تقاطع التأهب والفرصة، إذ أن بايدن قد حالفه الحظ في مناسبتين كبيرتين عندما تولى قادة جدد زمام الأمور في كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
و أصبح “كيشيدا” الذي تولى منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، من جانب حزب الديمقراطية الليبرالية الحاكم الأكثر توجهًا نحو كوريا الجنوبية،وكان “يون”، الذي تولى منصبه في أيار/ مايو 2022، يحمل ذكريات طفولية جميلة من اليابان حيث كان والده أستاذًا هناك.
وللعلم فقد اجتمع هؤلاء القادة الثلاثة لأول مرة في حزيران/ يونيو 2022 خلال قمة الناتو في مدريد، وكانت كل من اليابان وكوريا الجنوبية على استعداد لتنحية خلافاتهما التاريخية جانبًا والانضمام إلى الدول الغربية لتنسيق الرد على التهديد المشترك بين الصين وروسيا، وكان الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي في كامب ديفيد، يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم التزامات جديدة طويلة الأجل إلى حلفائها، ويكمن الخطر في أن ينتهي الأمر باتفاقية كامب ديفيد إلى أن تكون علامة بارزة في تلك الجهود وليس نقطة انطلاق، لكن مع جهود بايدن الأخرى في آسيا، يصبح الهيكل الاستراتيجي الجديد للمنطقة واضحًا، حيث تعمل إدارة بايدن على بناء التحالفات الاستراتيجية في آسيا، ومن هذه التحالفات، المجموعة الرباعية “الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند”، أوكوس “أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة” وJAROPUS “اليابان والفلبين والولايات المتحدة”، وهو اختصار صاغه إيمانويل نفسه.
إنّ هذه العلاقات المتنوعة لا تشكل نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي، وبدلًا من ذلك فهي تتألف من شبكة من العلاقات المتداخلة التي تشكل ما يسميه سوليفان “نهج الشبكة” في الاستجابة للتوسع الإقليمي للصين، وفي الوقت الحالي، يعتبر الجانب العسكري هو الأكثر تطورًا، في حين أن الجانب الاقتصادي والتجاري هو الأكثر افتقارًا، ولكن إذا كان المسؤولون في بكين يتساءلون عن المسؤول الأكبر عن توحيد هذه البلدان فما عليهم إلا أن ينظروا في المرآة.