ماهي الكارثة التي قد تنجم عن مفاوضات الباب الخلفي حول أوكرانيا؟
بقلم: بن ليفكوويتز و كوري شاك
المصدر: الفورن بوليسي
ترجمة: بوليتكال كيز
أدى الارتفاع الصاروخي في تكاليف الوقود والغذاء في الجنوب العالمي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تحفيز عروض الوساطة بين كييف وموسكو من الصين والاتحاد الإفريقي وحتى المملكة العربية السعودية.
من جهته رحب وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين بهذه المبادرات، سواءً لجذب الدعم من الدول التي لم تدن روسيا، ولأن إدارة بايدن يبدو أنها تؤمن حقًا بالصورة المبتذلة المتكررة وغير الصحيحة التي تقول إن جميع الحروب تنتهي بالتفاوض.
وبدوره يواصل البيت الأبيض القول إن الولايات المتحدة لن تتفاوض بشأن رئيس أوكرانيا، لكن تشجيع الوساطة يخاطر بتكرار خطأ سياسة ترامب وبايدن في أفغانستان: وهي نزع الشرعية عن حكومة من المفترض أن تدعمها الولايات المتحدة.
نتيجة لرغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من أفغانستان، تم التوصل إلى اتفاق غير مجدي مع حركة طالبان التي تدير الحكومة الأفغانية. حيث استمرت العملية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من عشرين عامًا وأتت بتكلفة تجاوزت التريليوني دولار.
و في إطار سعيها لإنهاء التورط الأمريكي، قامت إدارة ترامب بمفاوضات مباشرة مع حركة طالبان، حيث تم التوصل إلى اتفاق يشمل انسحاب القوات الأمريكية خلال 14 شهرًا مقابل تعهد حركة طالبان بمنع الإرهاب وعدم استهداف القوات الأمريكية في أفغانستان.
واصلت إدارتا الرئيسين ترامب وبايدن سياستهما بالانسحاب على الرغم من عدم امتثال حركة طالبان لالتزاماتها التي تعهدت بها، ما أدى إلى ترك الحكومة الأفغانية في مواجهة حركة طالبان دون دعم، وتعزيز دور حركة طالبان سياسيًا وعسكريًا دون تأييد أمريكي.
في الوقت الحالي، يشعر الأوكرانيون وحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا بخوف مبرر من تبعات دعم أوكرانيا، ومن التحديات السياسية الضرورية للحفاظ على دعم الكونغرس والشعب حيث لم تقم إدارة بايدن بجهود كبيرة في هذا الصدد. وهناك خطر يتمثل في أن التصاعد مع روسيا قد يدفع واشنطن إلى التخلي عن كييف في مسعى للسلام غير الحكيم، مما يهدد استقرار أوكرانيا على المدى الطويل.
من جهة أخرى لا يعتبر أي من هؤلاء اللاعبين الثلاثة – الصين أو الاتحاد الإفريقي أو المملكة العربية السعودية – شريكًا موثوقًا به في جهود السلام. تدعي الصين أنها طرف محايد لأنها لم تنضم أبدًا إلى العقوبات الغربية ضد روسيا ولم تقدم علنًا مساعدة عسكرية لأي من الدولتين.
ومع ذلك، منذ بداية الحرب، كانت وسائل الإعلام الصينية والتصريحات الرسمية تناهض بشدة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وتقبل الروايات الروسية دون أدنى نقد، كما أن بكين تصور كييف على أنها ضحية ساذجة للتلاعب الغربي، و أيدت القيادة الصينية هذه التصرفات.
في مارس، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة موسكو لتجديد التزام الصين وروسيا بشراكة “بلا حدود”. ووفقًا لتقارير المخابرات الروسية التي اطلعت عليها الولايات المتحدة، وافقت بكين على تقديم شحنات مساعدات سرية لروسيا، حيث تعتبر الصين الآن أكبر مشترٍ للنفط الروسي في العالم.
أظهر استطلاع في أوائل فبراير أن 97% من الأوكرانيين يعتقدون أنهم سيهزمون روسيا، من جهته أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أي تسوية يجب أن تتضمن “انسحاب القوات الروسية من كل أراضينا المستقلة بما في ذلك شبه جزيرة القرم”. يدرك الأوكرانيون تمامًا أن وحدة أراضيهم هي أساس سيادة دولتهم، كما يدركون أن التنازل عن أي جزء من الأراضي الأوكرانية سيكون مثل انتصار لروسيا.
ومع ذلك، تسعى السلطات الأمريكية إلى دفع زيلينسكي للتصريح بالاستعداد للمشاركة في محادثات مع روسيا تحت ذريعة أن الرفض الروسي للتفاوض يعزز موقفها دبلوماسيًا.
بدوره أشار الخبير السياسي روي ليكليدر، فإن 85٪ من الحروب الأهلية تنتهي بانتصار عسكري، وليس بتسوية سياسية تفاوضية.
تأكيدًا لهذا، تظهر نتائج النمذجة الواسعة للبيانات التي أجراها الراحل لينكولن بلومفيلد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
حيث يفند المؤرخ جيفري بلايني بشدة فكرة التسوية التفاوضية في كتابه الأساسي “أسباب الحرب”، موضحًا أن المعاهدات المعتدلة – أي التسويات التفاوضية لإنهاء الحروب – تزيد من احتمالية تجدد الصراع في المستقبل. ويخلُصُ إلى أن “المعاهدة الصارمة قد تمتد لتحقيق سلام دائم، وهذا له تفسير مقنع”
فعادةً ما تكون المعاهدات الصارمة نتيجة لحروب تنتهي بانتصار محسوم، ولاحقًا سيظهر أن الانتصار المحسوم يسهم في تعزيز سلام ذو ديمومة أكبر”.
في سياق نزاع عادي، قد يبدو رفض التفاوض أمرًا مرفوضًا، ولكن في وجه الغزو الذي يرتكبه بلدٌ معتدٍ يهدد بارتكاب جرائم حرب جماعية، يصبح هذا الرفض ضرورة واقعية ببساطة.
إن الضغط على أوكرانيا لدعم المفاوضات أو قبول الوساطة يعني التغاضي عن العدوان من خلال تحميل الضحية مسؤولية التنازل أمام الجاني.
ويبقى الخيار الأفضل هو الإصرار على أن تتبع المفاوضات عقوبات على روسيا بسبب العدوان، وجرائم الحرب، وتدمير الاقتصاد الأوكراني، وانتهاك الاتفاقيات الدولية لحرية الملاحة. يسهم هذا النهج في تعزيز النظام الدولي، والذي تدعي إدارة بايدن في كثير من الأحيان أنها تدعمه.
وحتى إذا رفضت روسيا تقديم تعويضات، فإن استخدام جزء من الأموال المجمدة في البنوك المركزية الغربية – التي تقدَّر بقيمة 300 مليار دولار من أموال الدولة الروسية – سيمثل بداية قوية.
إن التخلي عن دور الوسيط يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة وأوكرانيا. يبدو أن روسيا تتصور نفسها على أنها قوة عظمى مشابهة للولايات المتحدة، ومن المحتمل أن وجود وسيط ضعيف يجعل من الصعب على روسيا تقديم تنازلات. من جهة أخرى فإن من غير المناسب التخلي عن الدبلوماسية لخصوم الولايات المتحدة بدلاً من تمكين الأوكرانيين من تحديد كيفية انتهاء هذا النزاع المحوري. في وقت سابق بدأت الإخفاقات في اتفاقية الدوحة عندما قررت الولايات المتحدة التخلي عن أفغانستان.
إن إجبار كييف على المفاوضات السلمية بوساطة من الصين أو الاتحاد الإفريقي أو السعودية، بدلاً من تقديم الدعم اللازم لها لصد روسيا، ينطوي على مخاطر تصاعد النزاع وفقدان السلام.