أفادت مصادر خاصة لـ«بوليتكال كيز Political Keys» بأن الجيش التشادي ونظام الرئيس الانتقالي الجنرال محمد ديبي كاكا قاموا بتدمير مقر الحزب الاشتراكي بلا حدود بشكل كامل، مشيرة أنّ هدم المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق جاء بعد مقتل يحيى ديلو، الأمين العام للحزب، بعد اتهامه بالمشاركة باغتيال رئيس المحكمة العامة في نجامينا فجر الأربعاء الماضي بعد إطلاق النار على مقر المحكمة.
دون توضيح أكثر من الرئاسة التشادية، ذكر مصدر مطلع من تشاد أن السلطات التشادية اعتقلت عم الرئيس الانتقالي الحالي ونائب يحيى ديلو واقتادته إلى مكان غير معلوم، وسط انقطاع شبكة اتصالات والإنترنت داخل تشاد منذ عمليات الهجوم على مقر المحكمة العليا في نجامينا.
وأشار مصدر لـ«بوليتكال كيز Political Keys» أنّ الوضع الآن تحت سيطرة قوات الجيش الوطني التشادي داخل البلاد، فضلًا عن انتشار لقوات حفظ الأمن على حددو دول الجوار.
يذكر بأن زعيم المعارضة الذي تم اعتقاله أعلن انضمامه إلى تحالف المعارضة القوية التي تعرف في تشاد، بتحالف الحزب الاشتراكي بلا حدود جناح يحيى ديلو. فيما تم تعيين صالح ديبي، الأخ الأصغر للرئيس الراحل إدريس ديبي، مديرًا للجمارك، الذي تم فيه قرابة عام كامل.
وأوضح مصدر لـ«بوليتكال كيز Political Keys» بأن أن أفرادًا من الجيش قاموا بمحاصرة منزله وسط نجامينا، وثم اعتقاله إلى مبنى جهاز المخابرات العامة بنجامينا.
توترات أمنية مستمرة
ويسود التوتر في نجامينا على الرغم من تصريحات السلطات التشادية بأنها استعادت السيطرة على الموقف، وما زال مقر الحزب الاشتراكي محاصرًا، وتنتشر الآليات العسكرية والدبابات والمدرعات في شوارع العاصمة، وأغلقت السلطات وسط المدينة مع انقطاع شبه كامل لخدمة الاتصالات والإنترنت.
ويرجع تاريخ هذا الصراع إلى عام 2021 عندما حاول زعيم الحزب الاشتراكي الراحل يحيى ديلو منافسة الرئيس الراحل إدريس ديبي، في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة قبل مقتل الرئيس في مواجهة مع حركة “فاكت” المتمردة في شمال البلاد، وفي وقتها، داهمت السلطات الأمنية منزله في محاولة لاعتقاله، ولكنه أفلت منها بينما لقيت والدته حتفها، وبالتالي هو امتداد لصراع قديم مع سلطة ديبي.
صراع داخل قبيلة الزغاوة
وفي سياق متصل، تحدثت مصادر تشادية عديدة عن صراع داخل قبيلة الزغاوة المسيطرين على الحكم منذ 1990، وأن هناك تململًا داخل العائلة منذ وفاة ديبي الأب، وقد بدأ الراحل يحيى ديلو استقطاب أطراف مهمة داخل الزغاوة من أقرب المقربين للرئيس الانتقالي مما يشكل خطرًا على مستقبله في الحكم.
وليس مصادفة أن تتفجر الأوضاع على النحو الذي جرى، غداة إعلان اللجنة العليا للانتخابات عن تاريخ انعقاد الانتخابات في 6 أيار/ مايو 2024 بحسب معارضين.
وقد أعلن حزب حركة الإنقاذ الوطني في الفترة الماضية عن الرئيس الانتقالي مرشحًا عن الحزب، في ظل رفض المعارضة التشادية ترشح شاغلي المواقع السيادية في الانتخابات الدستورية.
وبالنسبة للمعارضة التشادية، يعد ديلو منافسا قويًا لديبي ويشكل عقبة أمام ترتيب الحاكم بيته الداخلي في الانتخابات المرتقبة.
صمت دولي
ولم تصدر أي تصريحات رسمية من أي جهة خارجية حتى الآن تجاه ما يحدث في نجامينا، بما في ذلك فرنسا التي نقلت جنودها المنسحبين من النيجر إلى قواعدها الـ3 في تشاد، وحسب تجارب التدخل السابقة فإن باريس لا تتدخل إلا عند اللحظة الحرجة أو بطلب من السلطات، وفقًا لمراقبين.
ووفقا لوكالة “تشاد وان” فإن الموقف ما زال غامضًا، وحسب الوكالة وُزعت على قوات خاصة تابعة لوكالة الأمن الوطني (جهاز الاستخبارات التشادي) قوائم بأسماء وزراء ومسؤولين كبار سابقين مطلوب القبض عليهم “أحياء أو موتى”، بحسب تعبير الوكالة.
ويصعب التكهن بمآلات الأوضاع وتطوراتها إزاء مشهد كهذا في تشاد، وفي إفادة لأحد السياسيين قال إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الصراع يحدث داخل الأسرة الحاكمة وأن ذوي زعيم الحزب الاشتراكي وأعضاء حزبه لن يسكتوا على ما لحق بهم.
ويتوقع السياسي التشادي توتر الأوضاع من جديد بعد الانتهاء من مراسم عزاء يحيى ديلو، أما في حالة تمكن الرئيس الانتقالي وأجهزته من قمع الحزب الاشتراكي وإسكاته فإن التخوفات من التراجع عن الانتقال قائمة وبقوة، وهو ما يمكن أن يقود البلاد إلى مزيد من التوتر وربما التدخلات الخارجية أيضًا.
حوار خاص حول تطورات الأوضاع في تشاد
وللحديث عن تطورات الأوضاع في تشاد بعد مقتل “ديلو” واعتقال “ديبي” أجرت “بوليتكال كيز Political Keys” حوارًا خاصًا عضو المكتب السياسي الوطني لحزب التجديد الديمقراطي والجمهوري في النيجر عمر الأنصاري
وعن مقتل يحيى ديلو واعتقال صالح ديبي في تشاد، وتأثير ذلك على المشهد الأمني والسياسي، اعتبر الأنصاري، أنّ “الوضع بتشاد معقد للغاية، فالبلد استمرت تحت حكم عائلة إدريس ديبي لأكثر من 30 سنة وبعد مقتله الغامض ورثه ابنه محمد “كاكا” بشكل انقلابي لأن الدستور ينص على استخلاف رئيس البرلمان ريثما تتم الانتخابات، ومعروف أن تشاد على شكل تركيبة قبلية والولاء للقبيلة يكون غالبًا أكثر مما يكون للدولة والحزب.
أما فيما يتعلق بنجاح المجلس العسكري في إسكات المعارضين وضبط الأمور لصالحه، فقال الأنصاري، نعم، المتفائل يرى أن قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها كل من رئيس المجلس الانتقالي وزعيم المعارضة ربما تتجاوز خلافاتها فيما بينها كي لا يدخل طرف ثالث ويسحب البساط من تحتها، ولكن حتى بعد الصلح ربما يتم اغتيال الرئيس محمد “كاكا” كانتقام لاغتيال يحيى ديلو؛ كما حدث مع والده، إذ يرى بعض المراقبين أن اغتياله كان انتقامًا لابنة عمة والدة يحيى ديلو التي قتلها ديبي الأب مع أفراد من عائلتها فبراير 2021.
وتابع: “ربما يؤدي استمرار الخلافات واستعانة كل طرف بتحالفاته القبلية والسياسية إلى حرب أهلية، حينها لا ندري لمن تكون الغلبة، أو ربكا تأتي قوة أخرى وتفرض نفسها لقيادة المشهد”.
أما فيما يخص الحديث عن إمكانية وجود تحول ديمقراطي مع وجود رئيس حالي “انتقالي” أفاد عضو المكتب السياسي، “للأسف مع مقتل زعيم المعارضة ليس هناك تحول ديموقراطي يلوح في الأفق. دستوريًا من المفترض أن يتم تأجيل الانتخابات حتى تتم السيطرة على التوتر، ولكن ربما يتم تنظيم انتخابات صورية المقصد منها إضفاء الشرعية على حكومة رئيس المجلس الانتقالي محمد كاكا وليس تحولًا ديموقراطيًا أو حلًا سياسيًا.
أما عن حقيقة وجود أطراف قوية داخل تشاد من خارج قبيلة “الزغاوة” سواء إلى جانب المعارضة أم إلى جانب الحكومة، فأوضح الأنصاري، “حسب رؤية بعض المراقبين أن قوات الحكومة تعتمد على أخوال محمد كاكا من قبيلة القرعان وعلى شعبية رئيس الوزراء الجديد بالجنوب، بينما يعتمد جانب المعارضة على أحزاب المعارضة وحركات المعارضة المسلحة “فاكت” التي خرج ديبي الأب لقتالها فوافاه الأجل هنالك.
وعن كون الخلاف عائلي، ودور ذلك في منع اتساع رقعته إلى أطراف أخرى داخل البلاد، قال: “قد تتداركه حكماء العائلة وقد يتطور كما أسلفت”.
أما فيما يتعلق بموقف أبرز الدول الفاعلة في تشاد مما يجري فيها حاليًا، وعدم إعلان أي دولة موقفً رسميًا حتى الآن، فاعتبر السياسي النيجري، أنّ “الدول لم تعلن عن موقفها إلى الٱن، ومرجع ذلك إلى أمرين، أحدهما، تٱمر المجتمع الدولي مع حكومة محمد كاكا الدكتاتورية، أو وجود تحفظ شديد على تسجيل موقف أثناء صراعات بينية متكافئة يصعب التنبؤ لمن تكون الغلبة بها”.
وختم الأنصاري، أنّ “تشاد بلد مجاور للنيجر شرقًا وتربطنا حدود طويلة جدًا أطول حدود بعد نيجيريا، أكثر من ألف كيلو متر. وإن لم تكن عضوًا بالإيكواس فإنها مهمة لدينا أكثر من بعض الدول الأعضاء، للاشتراك معها في عدة قواسم، منها الجغرافيا والديموغرافيا واللغة والعملة المتقاربة جدًا، ولشدة هذا التقارب ارتأت الايكواس بعث الرئيس التشادي للوساطة مع المجلس العسكري الحاكم بالنيجر رغم عدم عضوية تشاد بالمنظمة، بناء على كل ما سبق وما تعانيه القارة الإفريقية من الاضطرابات في كل من السودان وليبيا ومنطقة الساحل عموما، نرجو من إخوتنا بتشاد أن يلتزموا أقصى حدود ضبط النفس والتحلي بالمسؤولية فيجنحوا للحوار والمصالحة ليطفئوا نار الحرب والفتنة.
الباحث في الشأن الإفريقي “إدريس أحميد” يبين رأيه في أحداث تشاد
“نعلم أنّ جمهورية تشاد تعاني من صراع سياسي وصراع عرقي، وماحدث هو أنّ يحيى ديلو زعيم حزب معارض للرئيس محمد ديبي، فرفض الإجراءات التي قام بها الرئيس من صياغة دستور جديد والتصويت عليه، وأيضًا الذهاب لانتخابات في أيار/ مايو المقبل، وترشح الرئيس المؤقت محمد إدريس ديبي، من الواضح أنّ هناك خلافًا كبيرًا حدث بين الطرفين”.
وتابع: “لأن ديبي انفتح على قوى سياسية وعرقية أخرى، كما نعلم أنّ قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها الرئيس المؤقت هي التي تسيطر على الحكم في تشاد، ديلو رفض هذا الأمر، واشتعل صراع على السلطة، وهو يعلم أنّ الانتخابات سوف تجرى وأنه لن يكون له نصيب في الحكم لأنّ الانتخابات لن تكون نزيهة، لأن هذا البلد غير مستقر ويعاني من انقسامات وربما الرئيس ديبي الآن يريد كما قال، أنه يريد أن يخطو خطوات مهمة بعد انتخابه في فتح المجال للقوى السياسية، وأيضًا استعان بزعيم المعارضة وتولى رئاسة الحكومة، لذلك أعتقد أنّ تشاد لازالت تعيش صراع سياسي ةأنّ الانتخابات لن تكون حلًا لتشاد في هذا البلد الذي يعاني من الفقر والمجاعة، وأيضًا يستقبل الآن لاجئين من السودان، لذلك الصراع سيظل مستمرًا وتداعيات هذا الحادث الذي وقع الأربعاء الماضي ستبقى آثارها”.
وختم: “أيضًا ماحدث هو صراع عائلي على الحكم أدى لمقتل يحيى ديلو، والقبض على صالح ديبي، وهو أحد أفراد عائلة إدريس ديبي، وبحسب رواية المعارضة فإنّ هناك مغالطات وأنّ العملية كيدية تستهدف يحيى ديلو، لتشتيت المعارضة”.