عبد الله الأسعد يكتب في “بوليتكال كيز | Political Keys”: حرب تشرين وتصفية حسابات الأسد مع معارضيه
حرب تشرين التي أرادها الجيش والشعب السوري حرب تحرير، وأرادها حافظ الأسد حرب تحريك، كانت نقطة مضيئة في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يعتبره السوريون صراع تقرير المصير وأساس المواجهة مع العدو الصهيوني.
لقد كانت حرب تشرين عام 1973 فرصة كبيرة ليصفي حافظ الأسد المتصدر سدة الحكم حديثا في سوريا بقية حساباته مع الضباط الذين تبقوا معه في صفوف الجيش العربي السوري من قادة فيالق وفرق وألوية ومدراء إدارات ورؤساء هيئات ومنشآت علمية وحربية من الضباط الوطنيين السوريين الذين يحملون فكرًا عسكريًّا مؤمنًا بالجيش الوطني لحماية البلاد وليس لحماية كرسي حافظ الأسد، والذين لا يقبلون بمغامراته ونهجه التسلطي الاستبدادي، فكانت فرصة سانحة للانقضاض على معارضيه من القادة العسكريين الكبار من الصف الأول أصحاب الفكر العسكري الحازم والثقل العسكري في أركان الجيش الوطني السوري الذي تأسس قبل أن يأتي حافظ الأسد الى السلطة.
ليس من باب التشهير ولا التقليل من بطولات رجال الجيش العربي السوري الأبطال الذين كانوا يمتلكون إيمانًا مطلقًا بتحرير الأرض العربية السليبة من العدو الغاصب، وخاصة أن الجيش السوري عام 1973 كان يختلف عن جيش التعفيش والشبيحة وحماية حدود قصر الشعب بقاسيون بديلا عن حماية حدو الوطن، بل من أجل كشف ما قام به حافظ الأسد من خذلان الشعب السوري والجيش الذي فجع بأوامر حافظ الأسد بالتراجع الكيفي والتجمع في منطقة الديماس.
لم تكن فكرة المعركة المزروعة في نوايا حافظ الأسد فكرة تحريرية، وإنما كانت عبارة عن أمر قتال كلاسيكي كأي مناورة أو مشروع تكتيكي مع الرمي القتالي، ليس له هدف نهائي وخطة لاحقة من أجل التمسك بالمناطق التي يتم السيطرة عليها، وتنظيم الدفاع عنها، بل كانت فكرة تحريكية، والإمساك بأوراق قوة عربية كبيرة في المنطقة وقيادة الجيش وحكم السوريين بقبضة حديدية.
في عام 1973 لم يكن الهيكل التنظيمي الذي رسمه حافظ الأسد قد اكتمل بشكله النهائي ولكن كان لا بد من حرب تُظهر حافظ الأسد كبطل حروب وقائد يسبح ببطولاته كل المروجين له بأنه بطل التشرينين.
لقد بدا واضحًا تقاعس حافظ أسد عن تقديم الدعم الجوي للقوات التي اجتازت خط آلوان الخط الإسرائيلي الدفاعي في الجولان (أحد التحصينات الإسرائيلية في هضبة الجولان) حيث تمكن الجيش السوري من التوغل في عمق هضبة الجولان وصولًا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
بعد الاندفاع البطولي لفرق النسق الأول في القطاعين الجنوبي والأوسط واجتياز نقاط الاستناد الإسرائيلية التي بقيت تحتفظ بقوتها ولم يتم التعامل معها وتطهيرها من بؤر المقاومة التي بقيت خلف القوات وأطبق الحصار عليها بعد أن استطاعت خرق الخطوط الدفاعية الأولى وتحقيق التوغل الناجح في عمق هضبة الجولان وصولًا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
ولكن عندما افتقد الدعم الناري قامت نقاط استناد الإسرائيلية بتدمير بعض الألوية بالأرتال على محاور التحرك.
بعد ظهر يوم السبت في السادس من تشرين في الساعة الثانية بعد الظهر، انطلقت حمم فوهات المدفعية والهاونات تصب نيرانها على الخطوط الدفاعية الإسرائيلية الأولى في مواضع الدفاع الإسرائيلية المعادية، وعلى جميع الأهداف الحيوية الموجودة في الجولان مع رفع الجاهزية القتالية للمطارات وشملت الطلعة الجوية الأولي حوالي 100 طائرة مقاتلة وقاذفة مقاتلة حيث أمطرت خط وقف إطلاق النار مستهدفة بقنابلها مراكز القوى الجوية لقيادة الطيران في ميرون وجبل الشيخ وتل أبو الندى وتل الفرس، ونقاط استناد الدبابات المعادية في منطقة العليقة كفر نفاخ وعلى كل الجسور القائمة على نهر الأردن.
بعد كل هذا النجاح تفاجأ قادة الفرق والألوية بتوقف الدعم الجوي والمدفعي للقوات التي وصلت لطبريا وسهل الحولة وأصبحت القيادة المركزية لغرف العمليات غائبة عن المشهد وانقطعت الاتصالات، وحسب شهادات من الضباط وصف الضباط والجنود بأن القيادة العسكرية توقفت عن إعطاء أوامر وتعليمات القتال بحجة عدم وجود أوامر، كل ذلك عدا الدعم العربي من المغرب وكوبا والسعودية والأردن والعراق الذين أيضًا كشفوا عن تقاعس حافظ الأسد في تقديم الدعم لتقدم الأرتال ولولا الألوية العراقية لوصلت الدبابات الإسرائيلية إلى العاصمة دمشق بعد أن استطاعت قطع طريق دمشق درعا القديم في منطقة الزريقية.
كل ماسبق بأن منظومة الأسد العسكرية أضاعت على الجيش السوري فرصة استعادة أرضه من أجل الحصول على مكاسب شخصية متعلقة ببقائه في الحكم والتخلص من معارضيه في صفوف الجيش، وإعطاء المقربين الرتب والترفيعات والتقدم العسكري الذي خولهم لتصدر قيادات الفرق والألوية والأفواج.