لماذا التفاوض مع روسيا لا يزال فكرة سيئة؟
بقلم: رافائيل س. كوهين و جيان جنتيلي
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
ترجمة: بوليتكال كيز
منذ بداية حرب روسيا ضد أوكرانيا، ترددت الدعوات إلى الولايات المتحدة لبدء مفاوضات مع روسيا، مع استمرار التطورات على الأرض تغيرت الأسس الرئيسية للمفاوضات مع تقدم المعركة، فقد أصبح من الواضح أن أوكرانيا لا تملك القوة لتحقيق الانتصار، لذا أصبح التفاوض ضروريًا، على الرغم من تأكيد بقاء أوكرانيا على قيد الحياة، لكنها لم تعد تتطلع إلى مكاسب إضافية، وهذا ما يجعل الحوار أمرًا ملحًا.
وفيما يتعلق بسير الأحداث على الأرض، فقد تقدمت أوكرانيا بسرعة كبيرة، مما يجعل من الضروري توفير مساحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبحث عن مخرج إذا اضطر للتفكير في إحداث تصاعد للنزاع، وبسبب التكاليف المتزايدة جدًا للحرب، أصبح إرسال الدبلوماسيين أمرًا ضروريًا.
أما بالنسبة لأحدث حجة، فإن واشنطن تطالب بالتفاوض لإنهاء الحرب – أو بالأحرى، الضغط على أوكرانيا للتسليم – فإنها يمكن تفسيرها على النحو التالي، يشعر الأمريكيون، وبشكل خاص أفراد الحزب الجمهوري، بزيادة التردد فيما يتعلق بإرسال المساعدات إلى أوكرانيا، فقد قام الجمهوريون بمنع تضمين المساعدات الإضافية لأوكرانيا في القرار المستمر الذي تم اعتماده في 30 أيلول/ سبتمبر، والذي استبقى الحكومة الأمريكية في وضعها الحالي.
وفيما يتعلق بالميدان العسكري، فقد أظهر هجوم أوكراني مضاد أنه أصعب وأبطأ من المتوقع، حيث بات من الواضح حتى لأنصار كييف أن أي انتصار جديد قد يستغرق عامًا على الأقل لتحقيقه.
وفي الوقت الحالي، تجاوزت الخسائر البشرية، وفقًا لبعض الإحصائيات، نصف مليون جندي بين قتيل وجريح. ونظرًا لهذه السحب السوداء التي تظلل الواقعين السياسي والعسكري، فلماذا لا نفكر في تحقيق صفقة بنوع من الأنواع، ربما تكون قادرة على إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح والعديد من المليارات من الدولارات؟
ومع ذلك، عندما ننظر أكثر عمقًا، سرعان ما تنهار حجة دعم المفاوضات مع روسيا، لنبدأ بالتغير المفترض في آراء الجمهور الأمريكي، نعم، هناك بعض الاستطلاعات تظهر انخفاضًا في الدعم لأوكرانيا، ولكن السؤال الحقيقي يتعلق بأسباب تغير آراء بعض الأميركيين، ربما يكون البعض قد بدأ يشعر بالقلق بالفعل بسبب التكاليف، ولكن التحليلات تشير أيضًا إلى أن هذا التراجع، وخاصة بين أعضاء الحزب الجمهوري، يعكس مخاوفًا عامة بشأن الرئيس الأمريكي جو بايدن وسياسته في موسم الانتخابات القادم، وليس فقط قضية أوكرانيا بحد ذاتها.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة استقصائية أجراها معهد ريغان في شهر يونيو/حزيران دعمًا قويًا لهذه الفرضية، عندما أخبر منظمو استطلاعات الرأي الأشخاص المتشككين بأن الولايات المتحدة “أنفقت ما يقرب من 24 مليار دولار على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وهو ما يعادل نسبة ضئيلة من ميزانية الجيش الأمريكي”، وأن “أوكرانيا ما زالت تسيطر على ما يقرب من 83% من أراضيها، وأن المخابرات الأمريكية ترى أن الحرب أضعفت القدرة العسكرية الروسية وقدرتها على تهديد حلفاء الناتو بشدة”، أدت هذه المعلومات إلى زيادة الدعم لأوكرانيا بنسبة 18% بين أعضاء الحزب الجمهوري و12% بين أعضاء الحزب الديمقراطي، و يمكن أن يكون تراجع الدعم لأوكرانيا ناجمًا بشكل أكبر عن سوء الاتصال ونقص المعلومات أكثر من السياسة الفعلية.
ويعكس الدعم الذي قدم لأوكرانيا في الكابيتول هيل نفس القصة بتفاصيل مماثلة، صحيح أن مجموعة من أعضاء الكونجرس الجمهوريين استبعدوا المساعدات الإضافية لأوكرانيا من مشروع القانون الذي أبقى الحكومة مفتوحة، ومع ذلك، كان مجلس الشيوخ أكثر انفتاحًا، في الواقع، حتى خلال حرب الميزانية الأخيرة، أصدر زعماء الحزبين في مجلس الشيوخ – بما في ذلك زعيم الأقلية ميتش ماكونيل – بيانًا مشتركًا يؤكد دعمهم لأوكرانيا والدعم المستمر لها، علاوة على ذلك، وفي وقت سابق من نفس الأسبوع، وافق مجلس النواب على تخصيص 300 مليون دولار كمساعدات لأوكرانيا، كما صوت ضد محاولتين أخريين لتقييد إرسال المساعدات إلى أوكرانيا بفارق كبير، بما في ذلك مشاركة نصف أعضاء الكونجرس الجمهوريين.
لذا، حتى لو كانت هناك انقسامات بين المشرعين، فليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الكونجرس سيدعم التفاوض مع روسيا، في الواقع، في حين أن هناك عناصر في مجلس النواب دفعت لوقف المساعدات لأوكرانيا، فقد هاجم العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إدارة بايدن من الاتجاه الآخر، بحجة أنها يجب أن تكون أكثر عدوانية وصراحة بشأن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.
وفي الواقع، إذا نظر المرء إلى مجال المتنافسين الجمهوريين على الرئاسة، فستجد أن الكثير منهم ينتقدون إدارة بايدن لعدم مساعدة أوكرانيا بقوة أكبر كما ينتقدون لصالح المفاوضات، ومن منظور سياسي بحت، لا توجد سياسة توافقية قادرة على توحيد الفصائل المختلفة في الكابيتول هيل.
وليس هناك أيضًا ما يشير إلى أن شهية روسيا سوف تشبع بالسيطرة على أوكرانيا، فالعقيد الجنرال أندريه موردفيتشيف، قائد المنطقة العسكرية المركزية الروسية والمجموعة المركزية للقوات الروسية في أوكرانيا، أكد مؤخرًا أن الحرب في أوكرانيا “لن تتوقف هنا”.
ولا نعلم ما إذا كانت روسيا لديها القدرة على المضي قدمًا في الهجوم، هو سؤال مختلف، ولكن هزيمة روسيا في أوكرانيا تمثل أفضل ضمانة لأن روسيا، ولن تكون قادرة أبدًا على تحقيق طموحاتها.
في النهاية، لم تتغير الحجة ضد التفاوض مع روسيا خلال العام ونصف العام الماضيين، و لا يوجد حتى الآن مجال للمساومة على صفقة محتملة، فتريد أوكرانيا استعادة بلادها بالكامل، تمامًا كما تسعى إلى مساءلة جرائم الحرب الروسية والمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها.
ولا تزال روسيا لم تتخلى عن أي من هذه القضايا، بل على العكس، احتفل الرئيس بوتين بالذكرى السنوية الأولى لضم المقاطعات الشرقية الأربع في أوكرانيا من خلال التأكيد على أنها “اتخذت قرارها بأن تكون جزءًا من وطنها الأم”، ويبدو أن مسألة محاكمة جرائم الحرب الروسية ليست قائمة بالمثل، خاصةً مع مواجهة الرئيس بوتين شخصيًا مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، والتوقعات السلبية للاقتصاد الروسي تجعل التعويضات غير قابلة للتحقق على حد سواء، حتى إذا كانت هناك إرادة سياسية لذلك.
إن دفع أوكرانيا علناً للتوصل إلى اتفاق سلام لن يفشل فحسب، بل سيظهر أيضًا هشاشة عزيمة الولايات المتحدة، وسوف تكون هذه رسالة خطيرة، وخاصة في عالم مليء بالأنظمة الاستبدادية العدوانية والرجعية، و هناك أسباب وجيهة تجعل الديمقراطيات الأخرى الواقعة في مرمى جيرانها الأكبر حجمًا – من تايوان إلى دول البلطيق – تنظر إلى الدفاع الناجح عن أوكرانيا باعتباره أمرا حيويا لأمنها.
فإذًا لا تستطيع الولايات المتحدة إنهاء حرب من جانب واحد، وهي متورطة فيها بشكل غير مباشر فقط لمجرد أن القيام بذلك يبدو ملائماً من الناحية السياسية، وقد يكون هذا بمثابة حبة دواء مريرة بالنسبة للبعض، ولكن الضغط على أوكرانيا لحملها على الاستسلام سيكون أسوأ كثيرًا.