ترجمات

السلام مع إسرائيل يعني الحرب مع إيران

بقلم: بلال يوسف صعب ونيكو أزيمبور
المصدر: الفورن بوليسي
ترجمة: بوليتكال كيز

كان صناع القرار في واشنطن والشرق الأوسط ينشغلون بالنقاش حول إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك مقابل توقيع اتفاق دفاعي رسمي مع الولايات المتحدة جزئيًّا.

السؤال الذي يثير اهتمامًا كبيرًا، على الأقل من وجهة نظر الرياض، هو ما إذا كانت هذه الخطوة ستعرض الاتفاق الدبلوماسي الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران للخطر.

هناك سبب قوي يدعو للاعتقاد بأن هذا السيناريو قد يحدث، إذ لا تقتصر علاقات إيران المعادية على إسرائيل فقط، بل امتدت إلى سنوات طويلة من الصراع مع البلدين، وهذا الصراع شهد تصاعدًا خلال السنوات السبع الماضية، ففي العام الماضي وحده، تم تنفيذ أكثر من 400 غارة جوية من قبل الجيش الإسرائيلي منذ عام 2017 في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، استهدفت أهدافًا تعود لإيران وحلفائها، ومن الممكن أن يتصاعد عدد هذه الهجمات منذ ذلك الحين.

في حال احتضان المملكة العربية السعودية لإسرائيل، من المحتمل أن تتجه إيران نحو توجيه ضغوط شديدة على السعودية، وبصفتها زعيمًا للعالم الإسلامي، ستقوم إيران على الأرجح بتحدي شرعية المملكة بقوة أكبر، وقد تشكل تهديدًا لأمنها، إما بشكل مباشر كما حدث في أيلول/ سبتمبر 2019 عندما استهدفت منشآت نفطية سعودية بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ، أو من خلال وكلاء إقليميين بشكل غير مباشر، بما في ذلك الحوثيون في اليمن.

بالنسبة لطهران، فإن كون الرياض صديقة لواشنطن – كما اعتاد الإيرانيون – ليس بالأمر الجديد، ولكن الشراكة مع إسرائيل تمثل تحديًا تمامًا، خاصةً أن إسرائيل لم تتردد في استخدام القوة العسكرية لمواجهة نفوذ إيران وخططها في منطقة الشرق الأوسط.

إيران تشعر بالقلق من إمكانية هجوم استباقي من جانب إسرائيل ضد برنامجها النووي أكثر من الولايات المتحدة، لذا، إذا تعاونت المملكة العربية السعودية مع إسرائيل، من المرجح أن تفترض إيران أن الرياض قد تُوفر منصة للجيش الإسرائيلي لشن هجوم سريع ضد إيران، حتى إذا لم تكن للقيادة السعودية نية حالية للقيام بذلك.

عندما وافقت الإمارات العربية المتحدة والبحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2020، كان كلاهما حريصين للغاية على قصر أي حديث عن التعاون العسكري مع إسرائيل على مفاهيم غامضة حول السلام والاستقرار، ولم يكن ذلك لأن أبوظبي والمنامة لم ترغبا في تحسين علاقاتهما العسكرية مع إسرائيل، كل ما في الأمر أنهم فهموا أن تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل يمكن أن يستفز إيران، التي كانت أبوظبي تمارس معها دبلوماسية لتحقيق وقف التصعيد ومنع المزيد من الهجمات من قبل الحوثيين الموالين لإيران ضد أهداف مدنية إماراتية.

إذا اقتربت المملكة العربية السعودية، أو دول الخليج العربية الأخرى، بشكل زائد من إسرائيل وقدمت لها مساعدة استخباراتية ودعمًا عسكريًا قويًا، من المرجح أن تستجيب إيران بالهجوم، ستُلوح بالأصابع نحو أبوظبي والمنامة وربما الرياض كجهات مسؤولة، تمامًا كما حدث مع السعودية عندما استهدفت طهران البنية التحتية النفطية السعودية في أيلول/ سبتمبر 2019، وذلك ليس بسبب تصرفات السعوديين بل بسبب دعمهم لسياسات إدارة ترامب وحملة “الضغط الأقصى” ضد نظام إيران.

وحتى إذا قررت السعودية اتباع نهج الإمارات والبحرين وتقييد التعاون الأمني مع إسرائيل بعد التطبيع، فإنها قد لا تتمكن من تجنب الإدانة السياسية والدينية العدائية من قبل إيران.

وبسبب موقعها ودورها وسلطتها في العالم الإسلامي، فإن المخاطر التي تواجهها المملكة العربية السعودية أعلى بكثير من تلك التي تواجهها الإمارات أو البحرين أو أي دولة عربية إسلامية أخرى تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ويحمل الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لقب “خادم الحرمين الشريفين”، وهو مسؤول ليس فقط عن حماية وصيانة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، بل عن التأكد من أن مصير القدس يتم التفاوض عليه بشكل عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتعتبر القدس، موطن المسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع الإسلامية، وحجر الزاوية التاريخي في أي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني وقضية تحمل أهمية دينية عميقة للمجتمع السعودي والمسلمين في جميع أنحاء العالم.

إذا تم النظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها تتخلى عن الفلسطينيين وتتخلى عن القدس، فسوف تشن إيران حملة ضغط سياسي مكثفة ضد آل سعود، ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتحدى فيها القادة الإيرانيون شرعية وسلطة القيادة السعودية، فلسنوات عديدة، دعا المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، العالم الإسلامي إلى رفض العائلة المالكة السعودية كخادمة للحرمين الشريفين لأنها بوصفه “شجرة ملعونة” اخترقتها إسرائيل.

لذلك، عندما يصر المسؤولون السعوديون على أن التطبيع مع إسرائيل يشترط وجود دولة فلسطينية أو مجهودًا حقيقيًّا لإنشائها، فإنه ليس هناك شكوك حيال صدقهم في هذا السياق، وفعلًا، أشار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في كانون الثاني/ يناير إلى أن “التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي سيتحققان من خلال إعطاء الفلسطينيين الأمل ومنحهم الكرامة”.

السعوديون لا يبدون قادرين على التفاوض على صفقة تطبيع مشابهة لتلك التي قامت بها الإمارات والبحرين، حيث يمكن أن تؤدي إلى تجميد أو تعليق خطط الاستيطان الإسرائيلي في المستوطنات اليهودية وغور الأردن في الضفة الغربية، السعوديون يحتاجون إلى خيار يعتبر أهم بالنسبة لسمعتهم وشرعيتهم وسلطتهم وحتى أمنهم، وهو أمر يعكس تحدياتهم ومصالحهم الإقليمية.

ولا يزال من الممكن أن تختار القيادة السعودية، وتحديدًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، شيئًا أقل تأكيدًا بشأن القضية الفلسطينية – ولكن أكثر مما وعدت به الإمارات والبحرين – إذا نفذت واشنطن مطالبها.

في الواقع، فإن جزرة معاهدة التحالف مع الولايات المتحدة، أكثر من أي شيء آخر طلبه السعوديون، قد لا تقاوم بالنسبة للمملكة.

ربما يعتقد القادة السعوديون أن إيران ستفعل ما تفعله دائمًا، وهو تحدي وتهديد المملكة العربية السعودية، ولكن مع وجود درع دفاعي أمريكي لحمايتهم، قد يغتنم السعوديون فرصتهم.

وهذا هو السبب وراء إصرار المملكة العربية السعودية على الحصول على اتفاقية دفاع رسمية من واشنطن، وتعلم الرياض أن مثل هذه الخطوة التاريخية التي ستغير قواعد اللعبة ستؤدي إلى استياء سياسي وربما تهديدات أمنية من إيران، وهي تعلم أن التطبيع مع كل من إيران وإسرائيل معًا قد لا يكون ممكنًا، إما هذا وإما هذا.

ولكن هذا أيضًا هو بالضبط سبب تردد الولايات المتحدة في قبول الثمن الباهظ الذي تدفعه السعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل، إذا تحققت النتيجة الموصوفة أعلاه وانتقدت إيران المملكة العربية السعودية لقبولها إسرائيل، فهل ستكون الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بخوض حرب ضد إيران لصالح المملكة العربية السعودية؟ وماذا لو تجنبت إيران العمل العسكري المباشر ضد المملكة العربية السعودية واستخدمت وكلاءها الإقليميين لمهاجمة المملكة، فكيف سترد واشنطن حينها؟.

لا توجد إجابات سهلة على هذه الأسئلة، لكن الرياض تتوقعها من واشنطن، إن التعقيدات والتداعيات المترتبة على معاهدة التحالف بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة كثيرة، لكن من الأفضل للقادة في الرياض وواشنطن أن يأخذوا في الاعتبار رد فعل إيران على صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية محتملة، ولا ينبغي لموقف طهران أن يردع أو يقتل أي اتفاق محتمل، ولكن يجب على الرياض وواشنطن التخطيط له.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى