سياسة

السودان يعمق علاقاته العسكرية مع روسيا وسط تفاقم الأزمة الإنسانية

شهد السودان هذا الأسبوع تطورات هامة على صعيد الأزمة الإنسانية والأزمة العسكرية، فقد أعلنت الحكومة العسكرية عن فتح منفذ جديد للإمدادات الإنسانية، مما أدى إلى تخفيف الحصار جزئيًا عن مخيمات النازحين داخليًا، و في المقابل، تسلمت الخرطوم شحنة أسلحة جديدة من روسيا وإيران، حليفتيها في النزاع الدائر منذ اندلاع الحرب في نيسان/ أبريل، من العام الماضي.

ووفقًا لمراقبين فإن هاتان الحادثتان المتناقضتان تظهران بوضوح تعقيد الصراع في السودان، حيث غالبًا ما تتلاشى آمال المدنيين بسبب تحركات أحد الفصائل المتحاربة، سواء كانت القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع.

وقد تم الإعلان عن المنفذ الحدودي الجديد عبر تشاد بالتزامن مع جهود الولايات المتحدة في جنيف لدفع الحوار نحو وقف إطلاق النار، لكن القوات المسلحة السودانية تجاهلت تلك الجهود، وفي المقابل، كان تسليم الأسلحة من روسيا سريًا، ولم يتسرب الخبر إلا عبر مصادر عسكرية.

وأكدت مصادر خاصة لـ ”بوليتكال كيز | Political Keys” في القوات المسلحة السودانية لاحقًا وصول سبع طائرات مقاتلة روسية إلى السودان عبر بورتسودان الأسبوع الماضي. وأشارت القيادة العسكرية إلى أن الطائرات نُشرت بالفعل على جبهات القتال، مما زاد من تفوق القوات المسلحة السودانية في معاركها لاستعادة مناطق حاسمة في شمال دارفور، حيث تم الإبلاغ أيضاً عن حالات مجاعة.

وذكرت المصادر أن الطائرات الحربية نفذت عمليات في شمال الخرطوم، حيث اندلعت معركة جديدة، كما تلقت القوات المسلحة السودانية طائرات استطلاع بدون طيار من طراز “مهاجر” الإيرانية في وقت سابق من هذا الشهر لتعزيز قدراتها الجوية في ظل هذا الصراع المتفاقم، ولم تكن هذه أول مرة تتلقى فيها السودان شحنات أسلحة من الخارج.

وفي الماضي، اتهمت القوات المسلحة السودانية، التي تطالب بالاعتراف بها كحكومة شرعية، دولًا مثل الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والإمدادات الأخرى، وهو ما نفته أبو ظبي، بما في ذلك أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو.

ولكن روسيا وإيران ليستا شريكتين عاديتين للسودان. ففي أكتوبر/ تشرين الأول، من العام الماضي، استأنفت الخرطوم العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد قطعها لسنوات نتيجة خلافات مع دول الخليج.

وفي مايو/ أيار 2023، أشار مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا إلى أن السودان قد يتوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، ثم أكد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، مالك عقار، ذلك خلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ، روسيا، في يونيو/ حزيران، حيث قال: “هناك اهتمام متزايد بإحياء اتفاق لإنشاء مركز بحري روسي على البحر الأحمر”.

واستمرت المناقشات حول هذه القاعدة لسنوات، حيث وقع الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية في عام 2017 لبناء قاعدة بحرية روسية قادرة على استيعاب مئات الجنود وأربع سفن حربية.

ومع ذلك، عرقل الوضع السياسي المتقلب في السودان البرلمان من التصديق على الصفقة، تشير إمدادات الأسلحة الأخيرة إلى تحول كبير في موقف موسكو تجاه السودان، خاصة منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل/ نيسان 2023.

وفي خضم النزاع الدائر في السودان، شهدت البلاد تطورات متسارعة في الأسابيع الأخيرة، أبرزها تحول الموقف الروسي تجاه أطراف الصراع، فبعد أن دعمت موسكو في البداية قوات الدعم السريع بالاعتماد على اتفاقيات مع مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة لتأمين حقوق تعدين الذهب، وهو مصدر حيوي للعملة الأجنبية لروسيا في ظل العقوبات الغربية، يبدو الآن أن روسيا تسعى إلى توسيع دعمها ليشمل الجيش السوداني مقابل الحصول على موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.

وقد تعهد ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفريقيا والشرق الأوسط، مؤخرًا بتقديم دعم عسكري واسع وغير محدود للجيش السوداني، مما يعزز التكهنات حول تحولات جذرية في التحالفات الإقليمية والدولية في السودان، إلا أن هذه الاستراتيجية تتزامن مع تفاقم الأزمة الإنسانية داخل البلاد، حيث يعاني المدنيون في مخيمات النازحين من نقص حاد في الغذاء والمساعدات الطبية.

وأفادت تقارير من الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) يوم الخميس بأن تصاعد الأعمال العدائية وانعدام الوصول الإنساني يمكن أن يطيل من أمد المجاعة في مناطق مثل مخيم زمزم في شمال دارفور حتى أكتوبر. وأشارت التقارير إلى أن حوالي 755,000 شخص يعانون من أوضاع حرجة. كما أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن طرق الإمداد الرئيسية حول الفاشر لا تزال غير قابلة للوصول، مما يعوق جهود الإغاثة الإنسانية.

وفي خطوة تهدف إلى تخفيف هذه الأزمة، أعادت السودان الأسبوع الماضي فتح معبر “أدري” الحدودي بين تشاد والسودان لمدة ثلاثة أشهر، لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية إلى منطقة دارفور، وأعلنت قوات الدعم السريع أنها لن تعيق دخول عمال الإغاثة إلى المناطق التي تسيطر عليها، وهي خطوة قد تكون حاسمة إذا تم الالتزام بها.

ومع ذلك، تجاهلت القوات المسلحة السودانية محادثات جنيف التي شاركت فيها عدة دول ومنظمات دولية، ودعت إلى حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وأكد المشاركون في البيان المشترك يوم الثلاثاء أهمية الامتثال للقانون الإنساني الدولي وتنفيذ التزامات إعلان جدة، الذي يتضمن مسؤولية الأطراف المتحاربة عن حماية المدنيين والمرافق الحيوية.

من جهة أخرى، رحب المشاركون بمشاركة قوات الدعم السريع في المحادثات، واستعدادها للقاء وفد الجيش السوداني بأي وسيلة ممكنة. وأكدوا على أهمية فتح المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية لما يصل إلى 12 مليون سوداني.

في هذه الأثناء، أشاد المجلس التنسيقي للقوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بموافقة الطرفين المتحاربين على فتح ممرات حيوية لإيصال المساعدات الإنسانية، وأكدت الحركات المدنية يوم الأربعاء على ضرورة إيصال المساعدات إلى جميع السودانيين دون تمييز، في ظل أزمة إنسانية تهدد حياة أكثر من 20 مليون شخص.

وفي تطور جديد، وعلى الرغم من رفض القوات المسلحة السودانية حضور محادثات جنيف بسبب ما وصفته بـ”ضيوف غير مرحب بهم”، فإنها وافقت على إرسال ممثلين إلى محادثات تحديد الأجندة الجديدة المقرر عقدها في القاهرة الأسبوع المقبل، مما يمنح بصيص أمل لإيجاد حل للأزمة.


Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى