حتى لا تختلط الأوراق بين القضية الفلسطينية و مواقف حماس السياسية
بقلم: محمد عبد المالك – كاتب سوري مهتم بشؤون الجماعات الإسلامية
حتى لا تختلط الأوراق بين وحدة الصف والمصير و بين أبناء القضية الواحدة وشباب الأمة العربية والإسلامية من جهة، وبين الخلافات الداخلية والسقطات السياسية واختلاف وجهات النظر بجميع أبعادها السياسية و الفكرية من جهة أخرى، لا بد من الدقة في توصيف المشهد القائم في قطاع غزة.
من هنا يمكن البدء بالقول إن هذا الوقت وقت رص الصفوف ونبذ الخلافات بجميع أشكالها وجمع الجهود وتوحيدها لمواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، والوقوف مع أهلنا الصامدين الصابرين، فهذا الوقت هو وقت حشد للطاقات ونصرة للمقاومة وليس وقت انتقاد أو عتاب بين أبناء الأمة الواحدة.
فرق بين الخلاف مع الجناح السياسي لحماس والخلاف مع فكرة المقاومة
لا نستطيع تجاهل الخلافات السياسية الإقليمية مع الجناح السياسي لحركة حماس والانتقادات الموجهة لها بسبب بعض مواقفها السياسية وتحالفاتها مع إيران وبعض أذرعها في المنطقة متجاهلة تماما ما فعلته إيران وميليشياتها في العراق واليمن وسوريا ولبنان. محمد عبد المالك
وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن الخلاف القائم ليس خلافا بين القضية الفلسطينية وبين طرف آخر، أو أن الخلاف والانتقاد الموجه هو انتقاد للمقاومة الفلسطينية بشكل عام، أو أنه نقد لفكرة المقاومة ضد المحتل وإنما هو خلاف وانتقاد للمكتب السياسي لحركة حماس بشكل خاص، وخصوصا بعد صدور تصريحات الثناء والشكر لإيران وأذرعها (الحوثي وحزب الله) من قبل قيادات حركة حماس (مع الإشارة إلى أن ايران لم تشارك بالحرب إلا بالتصريحات، في حين اكتفى حزب الله ببعض المناوشات والحوثيون ببعض الخطابات والاستعراضات).
ما بين القضية الفلسطينية وأخطاء من يمثلها
هنا يجب أن نفرق بين أخطاء أبناء القضية الفلسطينية أو من يمثلها وبين القضية الفلسطينية التي هي قضية الأمة بأسرها، فالأخطاء المرتكبة من طرف بعض أبناء القضية الفلسطينية لا يجب أن تؤثر على الصراع القائم بين أبناء فلسطين والأمة من جهة وبين المحتل الإسرائيلي من جهة أخرى، خصوصًا مع النتائج الكبيرة التي حققتها عملية طوفان الأقصى.
حيث أعادت العملية الثقة لأبناء الأمة في قدرتهم على مواجهة قوى الاحتلال، وخصوصا مع المفاجآت التي قدمها الجناح العسكري من تكتيك عسكري واستخباراتي والعتاد الذي استخدم في الاقتحام من طائرات وصواريخ ومضادات للدروع مصنعة محليا.
كما أن العملية كانت سبب إحراج كبير لمحور “المقاومة” (إيران وأذرعها) مما أدى إلى تخبط كبيير داخل هذا المحور في المنطقة بين البقاء على الحياد وخسارة الدعاية الموجهة أو الانخراط الحقيقي بالحرب وتحمل تبعاتها، لتبقى ردود الفعل الإيرانية مجرد تصريحات سياسية داعمة للمقاومة الفلسطينية بشكل عام دون أي خطوة عملية على الأرض تحسب لهم، وهو ما دفع عددًا من قيادات حماس لمطالبة إيران أكثر من مرة بالدخول المباشر في المعركة، وهنا كان الشارع العربي والإسلامي يترقب وينتظر ماذا ستقدم إيران وأذرعها للمعركة ليبدأ حزب الله في مناوشات خجولة على جبهة لبنان مع اضطراب وتضارب في المواقف والتصريحات، وتستمر إيران بإطلاق التصريحات دون أي تحرك عملي على الأرض.
وقفة لا بد منها… يوم أيدت حركة حماس الثورة السورية
وفي هذا السياق من الضروري إنصاف حركة حماس والقول إن الحركة كانت ممن أيد و ناصر قضايا الأمة فمع بداية الثورات في الدول العربية كانت حماس مع جماهير الشعوب التي تتوق للتغيير والحرية فقد وقفت حماس ودعمت الثورة السورية حتى إنها شاركت فيها، وشكلت عددًا من الكتائب لمواجهة النظام السوري، مثل “كتائب أكناف بيت المقدس” وقدمت الخبرات والدعم لأبناء الثورة السورية على مستوى التدريب والتخطيط، وكانت ممن أيد ودعم ثورة مصر واليمن وقامت بتقديم الدعم لهذه الدول في كثير من النواحي واتخذت مواقف سياسية ثابتة واضحة في الوقوف مع الثورات والشعوب بعيدًا عن الأنظمة الحاكمة.
تبدل موقف حماس من النظام السوري
بقيت حركة حماس ثابتة في موقفها الداعم لشعوب المنطقة وثورات الربيع العربي حتى أنها اضطرت للخروج من سوريا نتيجة الضغط الذي مورس عليها لتغيير موقفها من الثورة السورية، وفضلت الخروج من سوريا على تأييد النظام السوري، و مع مرور الوقت ورجحان كفة النظام في قمعه للثورة تراجع موقف حماس السياسي بدعم الثورة السورية، ومع مرور الوقت اتخذت حركة حماس موقفًا ضبابيًا ما بين النظام والثورة، وإلى هذه المرحلة وأبناء الثورة السورية يقدرون لحماس دعمها في بداية الأمر ويلتمسون لها العذر في الموقف الضبابي نظرًا لحساسية الأوضاع في فلسطين، حتى انتهى الأمر بحركة حماس إلى إصدار عدة تصريحات ومواقف سياسية من كبار قادة المكتب السياسي في الحركة يؤيدون فيها إيران وينعون سليماني و يصفونه بـ”شهيد القدس” متناسين تماما ما فعله سليماني وإيران بالشعب السوري والعراقي.
واستمر تطبيع حماس وتحالفها مع إيران ومحورها حتى بداية معركة طوفان الأقصى، وظلت تصريحات حماس والثناء على إيران وميليشياتها (وآخرها تصريح أبو عبيدة في تقديم الشكر للحوثي لدعمه للمقاومة الفلسطينية) بقيت هذه التصريحات سببا لسخط وغضب الكثير من أبناء الأمة ما بين معاتب لهم ومعارض ساخط متبرئ.
الموقف من حماس
قبل الحديث عن موقف حماس لا بد من طرح سؤال هام هنا، وهو أنه بعد صدور تلك التصريحات من المكتب السياسي لحركة حماس هل يحق لشعوب الأمة وخاصة من أبناء العراق وسوريا واليمن ولبنان انتقاد قادة حماس وأخذ موقف منهم؟ وهل يجب أن تؤثر هذه المواقف التي اتخذتها حماس على موقف أبناء هذه الشعوب مما يحصل في غزة؟
القضية الفلسطينية قضية أمة والدفاع عن الأقصى والمقدسات أكبر من الخلافات على مواقف سياسية سواء كانت صحيحة أم خاطئة. محمد عبد المالك
هنا يجب القول و التأكيد على عدد من الأمور، أولها أنه لا يحق لأبناء الأمة وأنا واحد منهم أن يتخذوا أي موقف سلبي تجاه القضية الفلسطينية أو اتجاه غزة أو الشعب والمقاومة الفلسطينية فضلًا عن أن يؤيدوا التطبيع مع إسرائيل والتحالف معها أو حتى أن يقفوا على الحياد، وذلك لأن القضية الفلسطينية قضية أمة والدفاع عن الأقصى والمقدسات أكبر من الخلافات على مواقف سياسية سواء كانت صحيحة أم خاطئة، بل وأؤكد أن قضيته هي قضية الشعوب العربية والإسلامية بأكملها ومصابهم مصابنا ومقدساتهم مقدساتنا وواجب علينا نصرهم ودعمهم بما أوتينا من وسع.
انتقاد حماس في هذا التوقيت
والسؤال الثاني هنا، هل يحق لأبناء تلك البلاد – سوريا والعراق واليمن – أن يأخذوا موقفًا منتقدًا لحركة حماس وأن يقوموا بتوجيه اللوم والعتاب لها على مواقفها وتصريحاتها السياسية؟
هنا لا بد من الإشارة لعدة أمور، أولها أنه يستحسن في هذا الوقت ومع هذه المعركة المباركة ترك العتاب وتوجيه اللوم للحفاظ على جمع الكلمة، والأمر الثاني هو أن هذه المواقف والانتقادات في حال صدرت من أبناء هذه الدول فهي أمر طبيعي نتيجة الصدمات والحروب والمخاض التي عاشته وتعيشه.
وحتى نصور الخلاف ضمن صورته الواقعية و ضمن سياقه، فهو خلاف داخل الأسرة الواحدة، هو خلاف بين الإخوة، هو خلاف ضمن الصف الواحد حيث هناك روابط كثيرة مشتركة بين أبناء الأمة (الذين يخالفون حماس) وحركة حماس (الروابط الدينية و القومية ووحدة المصير والعدو المشترك ووحدة الأرض … الخ).
و بالرغم من أن الكثير من أبناء الأمة قاموا بانتقادات كثيرة لقادة حماس (بسبب تلك المواقف والتصريحات السياسية) لكن من دون أي محاولة تطبيع مع إسرائيل أو حتى التفكير بذلك أو حتى تجاهل القضية الفلسطينية أو الوقوف على الحياد، حيث ظل هذا اللوم والعتاب في معظم الأحيان لا يتعدى الموقف العاطفي الذي يعبر عن سخط الأخ من أخيه الذي خذله بمواقفه وكلامه.
هل هناك فرق بين التطبيع مع من يقتل السوريين والتطبيع مع من يقتل الفلسطينيين، وهل القضية الفلسطينية صك غفران لحماس؟
التطبيع واحد، فليس هناك فارق بين التطبيع مع من يقتل الفلسطينيين، والتطبيع مع من يقتل السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين. محمد عبد المالك
وفي هذا السياق، يبرز سؤال هام آخر، هل أصبحت القضية الفلسطينية والدفاع عنها صك غفران لحركة حماس تغفر لحركة حماس كل تجاوزاتها وأخطائها و نفاقها السياسي وتطبيعها مع من دمر العراق واليمن وسوريا ولبنان؟ أليس التطبيع مع قتلة الفلسطينيين نفسه التطبيع مع من قتل السوريين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين؟ ما الفرق بين التطبيع مع إسرائيل والتطبيع مع إيران؟
حقيقة هذا سؤال ننتظر الجواب عنه من قادة المكتب السياسي في حركة حماس (طبعا أنا لا أعلم مواقف جميع أبناء الحركة لأنني أتصور أنه يوجد خلافات بين أبناء الحركة على هذه المواقف وتقديراتها).
والسؤال الآخر هنا هل يقبل قادة حماس من أبناء العراق وسوريا واليمن ولبنان التحالف مع إسرائيل بحجة أنه تآمر عليهم الجميع و اضطروا لأكل لحم الميتة؟ وهل يقبل القادة في حماس مثلا من أبناء الثورة السورية أن يتحالفوا مع إسرائيل لإسقاط نظام الأسد على حساب القضية الفلسطينية؟.
ونتيجة لعدم وجود إجابات شافية على كل التساؤلات والإشكاليات؛ كان لدى الكثير من أبناء هذه الدول رد فعل عنيف وسلبي على قادة حماس من غير المساس بالمقاومة والجناح العسكري أو حتى اعتباره جزءًا من المشكلة، حتى أن هذا الموقف السلبي بقي ضمن إطار عاطفي لا يتجاوز الانتقاد والاستياء وتوجيه اللوم وبعض عبارات التقريع دون أي مدح أو توجيه شكر لقاتل الفلسطينيين أو تأييد لمن دمر غزة، كما فعلت حماس بوصف سليماني بـ”شهيد للقدس” بعد كل ما فعله في سوريا والعراق ولبنان وكذلك توجيه الشكر للحوثي بعد ما فعله باليمن.
حول تحالفات حماس السياسية
ومن باب الإنصاف، أود الإشارة إلى أمر مهم، و هو أن لحركة حماس الحق في التعامل و التحالف مع من تتقاطع معه مصالحها أو يقدم لها الدعم، ولكن ضمن إطار تقاطع المصالح وليس ضمن إطار التنازل عن الثوابت والمبادئ ومدح القتلة والمجرمين بحق أبناء أمتها متجاهلة كل المآسي التي تمر على أبناء الأمة.
وبمعنى آخر إن على قيادة حماس مراعاة مشاعر الشعوب المكلومة، كما يجب أيضا على قيادة حماس عدم تلميع صورة من دمر أربع دول وقتل وهجر شعوبها وغسل عاره بحجة دعمه للمقاومة والقضية الفلسطينية، فهذا الدعم الذي تقدمه إيران للقضية الفلسطينية في أفضل حالاته هو “دعم حق و تأييد، أريد به باطل”.
وهنا أعود لما بدأت به، حتى لا تختلط المواقف و الأوراق: إن مواقف حماس وتصريحاتها بخصوص إيران وأذرعها في المنطقة أدى إلى استياء الكثيرين من أبناء المنطقة وشعورهم بالخذلان من إخوانهم، وإن هذا الخلاف وهذا الانتقاد لقادة حماس لا يتعدى الخلاف داخل الصف الواحد، بمعنى أنه انتقاد داخلي للإصلاح والتغيير وليس انتقادًا للهدم والتفريق، فهو كالخلافات الحاصلة – صغيرة كانت أم كبيرة – داخل صفوف فصائل المقاومة الفلسطينية نفسها.
وإن هذه الانتقادات الموجهة لحركة حماس لا تعني وجود موقف سلبي لدى المنتقدين من القضية الفلسطينية أو مما يحصل في غزة، بل إن المتضررين من سياسات إيران ومليشياتها في المنطقة بما فيهم أبناء اليمن وسوريا والعراق ولبنان، في غالبيتهم الساحقة، مع القضية الفلسطينية قلبا و قالبا، وإن مسألة تحرير الأقصى مسألة غير قابلة للمساومة أو المزاودة فيها، وهي قضية أمة بأسرها، وإن نصرة الأقصى وأهله ومن يدافع عنه واجبة على جميع أبناء ومكونات الأمة.