ما هي الفرصة الأخيرة لزعيم السلطة الفلسطينية محمود عباس؟
بقلم: أنشال فوهرا
المصدر: مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية
الترجمة: بوليتكال كيز
بينما تحاول الولايات المتحدة الاستعداد لليوم التالي لإزالة حماس من السلطة في قطاع غزة، فإنها تحاول التودد إلى فلسطيني آخر لتولي المسؤولية عن القطاع لكنّ المشكلة هي أن المنقذ المحتمل لا يحظى بشعبية كبيرة أيضًا.
وفي زيارة إلى رام الله الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” إن السلطة الفلسطينية يجب أن تلعب دورًا محوريًا في مستقبل غزة، ويتطلع إلى رئيسها “محمود عباس”، لتزويد أي خطة مستقبلية بالشرعية.
من جانبه، قال عباس (87 عامًا) إن السلطة الفلسطينية مستعدة للتدخل، ولكن فقط “في إطار حل سياسي شامل”. وهو الحل الذي يرى أنه سيتطلب إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تشمل كامل الضفة الغربية المحتلة، قطاع غزة، والقدس الشرقية برمتها.
إن الغرب يعرف “عباس” ويعتقد أنه يستطيع الاعتماد عليه باعتباره رجل سلام، وقد صقلت أوراق اعتماده في خضم الانتفاضة الثانية، عندما امتلك الشجاعة لتحذير رئيسه المثير للجدل ياسر عرفات من التحريض على العنف.
وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة عقود كرئيس للسلطة الفلسطينية، عارض “عباس” باستمرار “التمرد المسلح” كوسيلة للضغط على إسرائيل والغرب في الحصول على إقامة دولة – لكنه فشل أيضًا في تأمين السلام الدائم، بما في ذلك في الأراضي التي يشرف عليها.
وفي يوم الخميس 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، اتصلت بزعيم من حزب “عباس” كان في جنين، وهي منطقة مضطربة في الضفة الغربية المحتلة، لأكتشف أنه كان في خضم غارة شنتها قوات الأمن الإسرائيلية. وقال إنه كان محاطًا بالبنادق وأنه لا يستطيع الكلام. “الوضع سيء للغاية… الجنود في كل مكان”، تمكن من قول ذلك قبل أن ينهي المكالمة.
ومثل هذه الغارات شائعة في أجزاء من الضفة الغربية، وخاصة في جنين، التي تعد موطنًا لبعض المسلحين – بما في ذلك أعضاء حماس والجهاد الإسلامي، الجماعتان اللتان نفذتا هجوم 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل.
وفي حين يرى الفلسطينيون أن مثل هذه الغارات علامة على تواطؤ “عباس” مع إسرائيل، فإن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبرها تعويضًا ضروريًا عن عجزه في احتواء التطرف في المناطق التي يتولى مسؤوليتها. ورغم هذا فإن إسرائيل ما زالت تأمل أن تتمكن من الاعتماد على عباس والسلطة الفلسطينية في تهدئة مخاوف العالم العربي والإسلامي الأوسع من أن تظل غزة أرضًا فلسطينية. وربما تعاونت حماس واليمين المتطرف في إسرائيل، الذي يقود حكومتها، في إعطاء عباس فرصة أخيرة للدفع باتجاه حل الدولتين.
بدوره، قال حسن جبارين، مؤسس منظمة غير حكومية تعنى بتقديم المساعدة القانونية للعرب الإسرائيليين باسم “عدالة”: “من وجهة نظر عباس، ربما يُعَدُّ آخر رجل صامد، فهو الورقة الحقيقية في المفاوضات والشخص الذي يمكن للمجتمع الدولي التحدث معه. رغم ضعفه أمام ضغوط حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحماس، إلا أنه اكتسب أهمية بالغة في هذا السياق”.
من جهة أخرى، يعبر ياسر، البالغ من العمر 73 عامًا وساكنًا في القدس الشرقية، عن استيائه من أبو مازن (لقب لعباس). يُعلِن عن رغبته في رحيله ويُعارِض فكرة رئاسته للسلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى التنسيق الأمني مع إسرائيل واتهامه بالتعاون معها.
كان ياسر يبلغ من العمر 17 عامًا عام 1967، حيث يتذكر بوضوح كيف اعتقلت القوات الإسرائيلية الرجال والفتيان الفلسطينيين، بما في ذلك هو. ومنذ ذلك اليوم، انتظر رحيل الإسرائيليين أو على الأقل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة حيث يمكنه العيش مع أبنائه السبعة وأحفاده السبعة عشر دون تفتيش متكرر من قبل قوات الأمن.
فهو يشعر بأن عباس خذله، كما يفعل كثيرون آخرون يقولون إن المستوطنات الإسرائيلية توسعت تحت سمعه وأن الحق في التنقل وجمع شمل الأسرة لا يزال محدودًا، في حين أن محادثات السلام – التي روج لها عباس باعتبارها الدواء الشافي لجميع مشاكلهم – قد فشلت ولم تسفر عن شيء.
وعلى بعد أمتار قليلة، وقف رياض ديس (54 عامًا) في محل التوابل الذي يملكه، محاطًا بأكياس الجوت المليئة بالقرفة والهيل والينسون، معبرًا عن مشاعره الإيجابية تجاه هجوم حماس. وقال إنه يشعر بفخر كبير بجرأة الهجوم على الرغم من أنه لا يؤيد قتل “أي مدني”، على الرغم أنه رفض الرد عندما سئل عما إذا كان حزينا على مقتل إسرائيليين.
وقال ديس: “نحن لا نحب السلطة الفلسطينية أو عباس لأننا نرى أنفسنا مقاتلين من أجل الحرية، وعباس يريد التفاوض”. يعتقد نصف الفلسطينيون تقريبًا أنهم يستطيعون تحقيق أهدافهم السياسية عبر المقاومة ليس عن طريق المفاوضات. وفي تعبير متناقض لنفسه، اعترف ديس بحكمة عباس في محاولة للتوصل إلى حل وسط، مشيرًا إلى رغبة الناس في غزة في العيش بسلام ورعاية أطفالهم. ومع ذلك، يرى ذلك أنه سلامة ليس عادلاً.
الفلسطينيون، مثل ديس، يخشون أن يتنازل عباس أكثر مما يمكنهم تحمله. في مقابلة تلفزيونية عام 2012، بدا عباس وكأنه تخلى عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، مما أثار انتقادات وتساؤلات بشأن تضحياته المحتملة. يُعرض على عباس أيضًا انتقادات بسبب تمسكه بالسلطة وعدم إتاحة الفرصة للقادة الفلسطينيين الآخرين لكسب الخبرة والشرعية في حين ما زال يشغل منصبه.
إن إخفاقات “عباس” العديدة جعلت منه رئيسًا فلسطينيًا لا يحظى بشعبية كبيرة، حيث يريد ما يصل إلى 80% منه الاستقالة، وفقًا لاستطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله.
تأسست السلطة الفلسطينية كهيئة مؤقتة في عام 1994 بموجب اتفاقيات أوسلو لحكم غزة وأجزاء من الضفة الغربية حتى يتم تشكيل دولة مستقلة، لكنها استمرت في غياب التسوية، الأمر الذي يثير غضب الفلسطينيين الذين يجدونها زائدة عن الحاجة لعدم التوصل إلى تسوية وعدم تحقيق هدفها.
والإسرائيليون يفتقرون إلى الثقة به أيضًا، وقد رفض عيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بين عامي 2006 و2015، تعليق بلينكن بأن السلطة الفلسطينية “الفعالة والمنشطة” هي التي يجب أن تدير القطاع في نهاية المطاف. وقال في مقابلة مع مجلة فورين بوليسي إنه “إذا كان بلينكن يريد سلطة سياسية فعالة، فقد يتعين عليه اختراعها”. وتابع: “إن الطريقة التي يتم بها تشكيل السلطة الفلسطينية حاليًا هي ببساطة غير مناسبة للمهمة. لا يمكنهم البقاء تحت السيطرة لمدة أسبوع. إنهم غير قادرين على إدارة الأمن حتى في المنطقة أ (من الضفة الغربية) دون عمليات مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلي ضد إرهابيي حماس والجهاد الإسلامي”، و قال، في إشارة إلى “التطرف” في الجزء من الضفة الغربية الذي يقع تحت السيطرة المدنية والأمنية الكاملة. وأضاف ليرمان، “إن قدراتهم لا ترقى إلى مستوى التحدي حتى في الضفة الغربية – فغزة ببساطة تفوق قدراتهم”.
وربما أخذ بلينكن ذلك في الاعتبار، ومن هنا جاءت توصيته بأن تتدخل المؤسسات الدولية لتوفير الخدمات الأساسية والأمن في المدن الفلسطينية.
لكن الإسرائيليين ليسوا حريصين على تسليم المسؤولية الأمنية إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقال نتنياهو إن إسرائيل ستتولى مسؤولية الأمن في غزة “لأجل غير مسمى”.
ويشكك العديد من الإسرائيليين الآخرين في جدوى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقال ليرمان: “إنهم في لبنان، لكنهم لم يتمكنوا من منع حزب الله من إطلاق النار على إسرائيل”.
وأضاف أن إحدى الأفكار هي بدلًا من ذلك تجنيد قوة مختلفة لإنفاذ القانون متعددة الجنسيات للحفاظ على الأمن، على غرار المجموعة العاملة في منطقة سيناء المصرية لضمان تنفيذ معاهدة 1979 مع إسرائيل.
لكن الخبراء والسياسيين الفلسطينيين يرفضون كل هذا التخطيط ويعتبرونه مجرد تفكير بالتمني. ورد علي الجرباوي، الوزير السابق في السلطة الفلسطينية وأستاذ العلوم السياسية، بسخرية على احتمال وجود قوات الأمن الدولية بقوله “أهلًا وسهلًا”.