روسياسياسة

بعد 33 عامًا من توقيعها… ماذا يعني انسحاب موسكو رسميًا من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا؟

دقَّ إعلان روسيا، أمس الثلاثاء 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، الانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، المسمار الأخير في نعش الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي تنظِّم عمليات الرقابة على التسلح وتحركات القوات المسلحة في أرجاء القارة، بحسب محللين.

وعلى الرغم من أن الخطوة كانت منتظَرة منذ وقت، فإن إعلانها أعاد التذكير بتداعيات المواجهة المتفاقمة بين روسيا والغرب، على الأمن الأوروبي والعالمي، خصوصًا مع انهيار كل قنوات الاتصال، وإطلاق أيدي الطرفين في حشد الأسلحة والمعدات الحربية على جانبي الحدود.

وأعلنت الخارجية الروسية أن موسكو “انسحبت رسميًا بدءًا من منتصف ليل الثلاثاء، من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا” التي أُبرمت عام 1990 إبان الحرب الباردة وجرى التوقيع عليها بعد عام من سقوط جدار برلين. ووُصفت المعاهدة بأنها غَدَت جزءًا من التاريخ.

ما أهم بنود الاتفاقية؟

كانت المعاهدة قد وضعت قيودًا على قيام حلف شمال الأطلسي وروسيا (حلف وارسو في ذلك الوقت) بنشر معدات حربية أو تحريك الجيوش على طول المناطق الحدودية بين الطرفين، وهدفت إلى منع أيٍّ من طرفَي الحرب الباردة من حشد قوات تمكِّنه من شن هجوم سريع ضد الطرف الآخر في أوروبا.

فكرة الانسحاب لم تكن وليدة بل قديمة

ومع تدهور العلاقات بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين للسلطة في عام 2000 ومواجهته نشاط الحلف الغربي الذي واصل التمدد على مقربة من الحدود الروسية، بدأت موسكو بالتلويح بمراجعة موقفها حيال المعاهدة، ثم علّقت مشاركتها فيها عام 2007 قبل أن توقف مشاركتها الفعالة في تنفيذ بنودها عام 2015، وبعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، أقرّ البرلمان الروسي قانونا يقضي بالانسحاب نهائيًا من المعاهدة، ووقَّع الرئيس الروسي في أيار الماضي مرسومًا ببطلان المعاهدة.

وأوضحت وزارة الخارجية الروسية أن “معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا أُبرمت في نهاية الحرب الباردة عندما بدأ تشكيل هيكل جديد للأمن العالمي والأوروبي على أساس أن التعاون بين الأطراف فعال وممكن”، وحمّلت واشنطن مسؤولية انهيار المعاهدة عبر الإشارة إلى أن الدفع الأميركي باتجاه توسيع حلف الناتو أسفر عن تقويض أسس الأمن في أوروبا، وأضافت أن قبول عضوية فنلندا في الناتو وطلب السويد الانضمام إلى الحلف يعنيان عمليًا أن المعاهدة “ماتت”.

كما قالت الوزارة إنه “حتى الحفاظ الرسمي على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا أصبح غير مقبول من وجهة نظر المصالح الأمنية الأساسية لروسيا”، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يصدقوا على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا المعدلة لعام 1999.

ما هو موقف حلف شمال الأطلسي “الناتو” من انسحاب موسكو من الاتفاقية؟

كان حلف شمال الأطلسي قد ندَّد سابقًا بقرار موسكو الانسحاب من المعاهدة، معتبراً أنه يقوّض الأمن الأوروبي – الأطلسي، وأدان الحلف، أمس الثلاثاء، القرار الروسي، وقال إنه يعتزم بناءً على ذلك تعليق العمل بالمعاهدة إذا لزم الأمر.

وأضاف في بيان: “يدين الحلفاء قرار روسيا الانسحاب من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا وحربها العدوانية على أوكرانيا التي تتعارض مع أهداف المعاهدة، انسحاب روسيا هو أحدث حلقة في سلسلة من الإجراءات التي تقوض بشكل منهجي الأمن الأوروبي – الأطلسي”.

وتابع: “بالتالي تعتزم الدول الأعضاء في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا بناءً على ذلك تعليق العمل بالمعاهدة إذا لزم الأمر، حسب حقوقها بموجب القانون الدولي،هذا قرار يحظى بدعم كامل من جميع أعضاء الحلف”.

وقررت الحكومة الألمانية عدم الالتزام بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وذلك كردّ فعل على انسحاب روسيا منها، وقال متحدث باسم الخارجية الألمانية، أمس الثلاثاء: إن الاستمرار في تطبيق المعاهدة فقد الجزء الأكبر من فائدته على صعيد السياسة الأمنية والحد من التسلح بعد الانسحاب الروسي.

وأضاف المتحدث أن قرار تعليق المعاهدة من جانب جمهورية ألمانيا الاتحادية اتُّخذ في إطار تنسيق وثيق مع الحلفاء في الحلف، منوهًا إلى أن هذا لا يعني انسحابًا صريحًا لألمانيا من المعاهدة، وقال إن تطبيق المعاهدة من جديد سيظل ممكنًا في حال حدوث تغيير جذري في سلوك روسيا.

معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أيضًا انسحبت منها موسكو منذ أسابيع

ويعد الانسحاب من هذه المعاهدة خطوة إضافية تستكمل سلسلة انسحابات مماثلة من المعاهدات التي ضمنت الأمن في القارة الأوروبية، وكان البرلمان الروسي قد أقر قبل أسابيع قليلة قانونًا يقضي بالانسحاب من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ووقَّع بوتين مرسومًا بهذا الشأن قبل أسبوع، وبالطريقة نفسها، حمّلت موسكو المسؤولية عن انهيار تلك المعاهدة لواشنطن.

وقال رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين: إن روسيا ألغت التصديق على المعاهدة بسبب موقف الولايات المتحدة غير المسؤول من الأمن العالمي ومعاييرها المزدوجة، وصحيح أن موسكو أعلنت أن انسحابها من تلك المعاهدة لا يعني تلقائيًا استئناف التجارب النووية، لكنها ربطت هذا الموقف بتصرفات واشنطن.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الأسبوع الماضي، إن موسكو لن تستأنف التجارب النووية إلا إذا قامت واشنطن بذلك قبل ذلك، كانت روسيا قد علقت العمل بمعاهدة “نيو ستارت” مع الولايات المتحدة التي تعد الآلية الوحيدة بين البلدين التي تضمن الحفاظ على مستويات تسليحهما النووي والحد من تصعيد حرب نووية.

وأقر البرلمان الروسي بغرفتيه قانونَ تعليق عمل البلاد بالمعاهدة بعد مرور يوم واحد على إعلان الرئيس فلاديمير بوتين تعليق العمل بها. وكان بوتين قد برر قراره بأن “الغرب يسعى لهزيمتنا وتدمير مواقعنا النووية، لهذا توجب على روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة نيو ستارت”.

ماذا يعني الانسحاب من المعاهدات الدولية؟

وتخلق الانسحابات المتتالية من المعاهدات والآليات التي تنظم الرقابة على التسلح، وضعًا جديدًا في أوروبا والعالم، لأنها تُلغي كل قنوات الاتصال والحوار وتطلق أيدي روسيا وحلف شمال الأطلسي للقيام بأنشطة عسكرية تشمل السلاح النووي والقدرات التقليدية من دون رقابة.

وعقب انطلاق الحرب بأوكرانيا في فبراير 2002، أعلنت روسيا نشر قوات الردع النووي الاستراتيجية، ووضعها بحالة التأهب الخاصة للقتال لمنع أي دعم غربي للقوات الأوكرانية. وقال الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الروسية وقتها: إن “قوات الردع الاستراتيجي مصممة لردع العدوان على روسيا وحلفائها، بما في ذلك حالة نشوب حرب باستخدام الأسلحة النووية”.

ما هي القوات الاستراتيجية الروسية؟

وتضم القوات الاستراتيجية الروسية الصواريخ الاستراتيجية والطائرات والقاذفات بعيدة المدى المجهَّزة بصواريخ عابرة للقارات وأسلحة دقيقة موجهة بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

كذلك تضمّ قاذفات الطيران بعيدة المدى والغواصات والسفن، الممكن استخدامها في إطلاق أسلحة تقليدية أو صواريخ حاملة لرؤوس نووية. وفي 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، عاد الرئيس الروسي لتأكيد أن استعمال أسلحة نووية تكتيكية أمر مطروح على طاولة خططه العسكرية، لكنه ربط ذلك بتعرض بلاده لخطر وجودي.

وفي وقت لاحق أعلنت موسكو نقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا لتغدو في أقرب نقطة من الحدود مع بلدان أوروبية تدخل في عداد حلف الأطلسي، وأسفرت تلك التطورات عن ارتفاع المخاوف من انزلاق الوضع في أوروبا إلى مواجهة قد تستخدم فيها أسلحة نووية أو مكونات ذات قدرات تدميرية هائلة.

وتأتي الخطوة الأخيرة بالانسحاب من معاهدة القوات التقليدية لتضيف خطرًا جديدًا يتمثل في إطلاق أيدي موسكو لتوسيع عمليات حشد القوات والأسلحة التقليدية على طول الحدود الغربية، وهو أمر بدأته موسكو منذ وقت لكنه قد يتخذ حاليًا طابعًا علنيًا مباشرًا بسبب انتهاء القيود التي فرضتها المعاهدة.

وكان وزير الدفاع سيرغي شويغو، قد أعلن في وقت سابق أن بلاده شكّلت فرقًا عسكرية جديدة في المناطق الغربية من البلاد يُنتظر -وفقًا للتطور الأخير- أن تحظى بتوسيع وأن يتم مدها بقدرات حربية كبيرة.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى