أسامة العبد الله يكتب في “بوليتكال كيز | Political keys”: تجمعت عبرات عيون “الشيخ الياسين” فشكلت طوفانًا
بعد تلك المعركة العظيمة التي خاضها عناصر القسام في السابع من أكتوبر، والتي سموها بطوفان الأقصى، أتت لا شك بعد سنوات وسنوات من الإعداد البدني والنفسي والعسكري والعقائدي، فقد استطاعوا من خلال هذه العملية أن يكسروا شوكه الاحتلال الصهيوني.
تلك المعركة لا ريب أنه كان قبلها إعدادًا عظيمًا، فما هو الإعداد الذي أعده هؤلاء الجنود في تلك الظروف الصعبة بعد حصار ممتد من عام 2005؟ وكيف استطاع عناصر حماس أن يقتحموا تلك المستوطنات؟ وأن يحرروا – لفترة- جزءًا منها، وأن يأخذوا هؤلاء الأسرى؟ ويرغمو معاطس عدوهم؟
إنه لأمر يحير أولي الألباب كيف فعلوا ذلك، حقًا إنها معجزة القرن، و لا شك أن الإعداد العقائدي هو أول الأمور التي ينبغي أن يُركز عليه، فنرى أن الطفل الصغير في فلسطين عمومًا وفي غزة خصوصًا يُشَرّب مع لبن أمه كره الاحتلال الصهيوني، ويُعلم منذ نعومه أظفاره كرهًا لهؤلاء الصهاينة المحتلين، ويُربى الصبي في مهده كيف قتل الاحتلال أباه وأمه وأخاه وأقربائه، كيف هجّروهم من بلادهم، يُلقن الصبي الصغير أن هؤلاء أحفاد القردة والخنازير، قتلة الأنبياء، قد احتلوا هذه الأرض المباركة وعاثوا فيها فسادًا.
فينشأ الجيل على كرههم وعلى بغضهم وهذا هو الأساس الأول في تهيئة هؤلاء الأطفال الذين سيكونون في المستقبل القريب جنودًا أشداء ذي قوة وذي بأس.
ثم إن العدو الصهيوني بتصرفاته قد ساعد الأطفال على ذلك، فلا يكاد يمر يوم إلا ونرى ونسمع فيه قتلًا واعتقالًا وتدنيسًا وتدميرًا، فالاحتلال هو الذي حقن هؤلاء الشباب الذين أصبحوا مهيئين عقائديًا لأن يثوروا ضد هذا الاحتلال الذي قد أخذ بلادهم منهم عنوة وغصبًا.
ثم إن الاحتلال في الفترة الأخيرة قد عمد إلى تدنيس المسجد الأقصى كرات ومرات، فالمستوطنون والصهاينة والحاخامات يقومون بطقوسهم التعبدية غير آبهين بمشاعر المسلمين، وجنود هؤلاء المحتلين يدوسون المقدسات بأرجلهم ويركلون الناس بأقدامهم ويسيئون الى المعتقلات الطاهرات خصوصًا، فهذا كله قد ولّد عند الشباب الانتقام من هذا العدو الغاشم.
ومعلوم أنه لابد لكل حركة تحريرية من عقل مدبر لها، وكان هذا العقل المدبر لهذه الحركة والأب الروحي لها هو الشيخ “أحمد ياسين” رحمه الله تعالى هذا الشيخ المقعد الذي قد أحيا أمة كاملة.
هؤلاء الأطفال يحيطون بالشيخ المقعد الزَّمن إحاطه السوار بالمعصم، وكيف لا، وهم يجدونه أبًا وقد حرموا نعمة الأب وحرموا نعمة الوطن، فحفهم وآواهم هذا الشيخ المقعد كان كالأب وكالمُدرس وكالأم وكالوطن لهؤلاء الأطفال الصغار الذين قد فتحوا عيونهم على الدنيا والحرب لعبهم والحرمان طعامهم والتشريد حالهم.
تلك الثمار الصغيره التي ترعرعت في قلب الشيخ وفي بيت الشيخ وفي مسجد الشيخ وفي حي الشيخ وما هي إلا سنوات قليلة، حتى أصبحت تلك الثمار شتلات في غراس المقاومة.
هؤلاء الأطفال الصغار الذين تربوا وترعرعوا أصبحوا وقودًا لهذه المعارك التي تجري الآن فتأسسوًا تأسيسًا صحيحًا، فتفرغ منهم ناس للعمل العسكري، وتفرغ ناس منهم للعمل السياسي، وتفرغ ناس منهم لإعداد الأجيال، وكانوا بمجموعهم كالأصابع في اليد الواحدة.
تتربى وتترعرع على أعين الشيخ المقعد الذي لا يستطيع أن يحرك سوى لسانه، هؤلاء الأطفال الصغار أصبحوا جنودًا كبارًا كل واحد منهم إمامًا في مكانه، أمه يقتدى به فتفرغوا لهذا العمل ووهبوا له حياتهم.
والقضية التي لا تأكل كبد أصحابها هي ليست بقضية، بل أصحاب القضية يحيون عليها ويموتون عليها ويعيشون عليها، هذا الكلام النظري طبقه الشيخ أحمد رحمه الله تعالى بشكل عملي فقد استشهد بغارة من الاحتلال الإسرائيلي بطائرة أباتشي – كما رغب- أنهت حياة الشيخ ولكنها لم تنهي فكره ولن تنهي طموحه ولن تنهي ما أسسه الشيخ.
كانت تلك الضربة التي أنهت حياة الشيخ تأكيدًا لما كان يقوله الشيخ ولما أسس عليه أطفاله ولما أسس عليه هؤلاء المقاومين وقد كان الشيخ يرددها “إن كنت إمامي فكن أمامي”، فكان إمامهم شهيدًا بعد صلاة الفجر.
فترعرع هؤلاء على ذلك وبدأوا يخوضون التجارب تلو التجارب تلو التجارب وما هي إلا سنوات قليلة وقد تأسست هذه المقاومة وتبلورت وأصبحت قوة لا يستهان بها.
فكم وكم سكب الشيخ من قطرات وعبرات من عينيه حزنًا على حال هؤلاء الأطفال اليتامى المشردين، تلك الدموع التي سقطت من الشيخ لو تجمعت لكانت طوفانًا، فلم ينس الأطفال تلك الدموع ولم تذهب سُدى، بل تجمعت و شكلت فيما بعد “طوفان الاقصى”.
طوفان الأقصى: هو مجموع دماء الفلسطينيين ودموعهم، هو أنّات الثكالى والمعتقلات، هو ضمير الإنسانية الحي، هو غضب الأحرار في زمن الجَور والأشرار، هو معركة مصيرية في حياة هذه الأمة، معركة مصيرية للأقصى ولفلسطين، وهي كما سماها أهلها طوفان، فقد جرفت كل شيء فبان العالم -الذي يدعي التحضر- على حاله، وانكشف حال من يسمون أنفسهم بالأصدقاء وبالجيران وتكشفت الأقنعة أكثر مما هي متكشفة.
ولم يكن من سبيل لتحرير الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال سوى هذه العملية، فالعدو لا يفهم إلا هذه اللغة، وقد جُرب تكرارًا ومرارًا فالآف المعتقلين والمعتقلات يئنون في سجون العدو ولا سبيل لإطلاق سراحهم إلا بأمثال هذه العمليات.
ومما هو معلوم أن الوقت لصالح المقاومة وليس لصالح العدو الإسرائيلي فهي معركة كسر عظم، ومعركة العض على الأصابع، وسيظفر من يصبر وذاك مصداق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”.