سالم عبد الهادي يكتب في “بوليتكال كيز | Political Keys”: إسرائيل وغياب استراتيجية ما بعد الحرب
تغيب النظرة الاستراتيجية عن عيون القادة الإسرائيليين لما بعد الحرب الحالية على قطاع غزة، وسط حالة من الفوضى والارتباك تعيشها إسرائيل إثر ضربة 7 تشرين الأول/ أكتوبر أو عملية “طوفان الأقصى” كما أطلقت عليها فصائل المقاومة الفلسطينية.
الحالة الشعورية والعاطفية والغضب الأعمى هو ما يسيطر على عقل بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، دون تخطيط استراتيجي عميق لما هو قادم بعد هذه الأحداث الحالية، حيث تركز إسرائيل حاليا على الرد في محاولة لاستعادة هيبتها المنهارة، وذلك من خلال القصف المتواصل على غزة دون التفريق بين العسكريين والمدنيين.
وفي الوقت ذاته، ورغم كل ذلك، تخشى إسرائيل من الدخول البري إلى غزة نظرًا للعوائق المتمثلة في ثلاث نقاط رئيسية، الأولى هي الخسائر الكبيرة التي من الممكن أن تتكبدها إسرائيل بسبب قدرات المقاومة في الداخل، والثانية هي التهديدات الإقليمية من القوى الأخرى، والثالثة هي عدم قدرة إسرائيل على الدخول في حرب مفتوحة طويلة الأمد لأسباب تتعلق بالأمن الداخلي في الأراضي المحتلة.
في اليوم الثاني عشر من عملية طوفان الأقصى، وتحديدًا يوم الأربعاء 18 تشرين الأول/ أكتوبر، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن تل أبيب والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقد كشفت هذه الزيارة جزءًا هامًّا من الحالة التي تعيشها إسرائيل حاليًّا، حيث أكد نتنياهو -المنتهي سياسيًّا- للرئيس الأمريكي أنهم يركزون حاليا على الرد دون وجود نظرة استراتيجية لما بعد الحرب.
لا شك أن إطالة أمد الحرب أو الرد على غزة سيكون إطالة في عمر نتنياهو السياسي أيضًا، لأنه في الغالب بعد انتهاء الأحداث الحالية وظهور تجلياتها الاستراتيجية بوضوح، سيتهم نتنياهو داخليا بأنه المتسبب بكل ما حدث بسبب سياساته المتطرفة مع الفلسطينيين وتعيينه لوزراء متطرفين من أمثال بن غفير وسموتيريتش.
لقد جاءت عملية طوفان الأقصى في وقت حساس جدًّا وغير متوقع بالنسبة لإسرائيل، ولذلك ستكون نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتاريخ المنطقة بأكملها، ومن أبرز آثارها الاستراتيجية وقف عمليات التطبيع إلى أجل غير مسمى، وأهمها المفاوضات التي كانت تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اتفاقيات دفاعية أمنية تقدمها واشنطن للرياض.
سبب وقف التطبيع أو تأخيره على الأقل هو التوتر الكبير الجاري حاليا في المنطقة والعدوان الوحشي الذي تشنه إسرائيل على غزة والذي راح ضحيته حتى الآن بحسب وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 3800 قتيل وأكثر من 12000 جريح.
إن عدم إدراك القادة الإسرائيليين لمآلات الأحداث الحالية وتركيزهم على الرد وقصف المدنيين، سيضعهم بلا شك في مأزق سياسي واقتصادي وعسكري وأخلاقي أكثر مما هو موجود حاليا، وفي حال توسع الصراع إلى حرب إقليمية مفتوحة يدخل فيها أطراف أخرى فإن دولة الاحتلال ستواجه تهديدًا وجوديًّا ربما يستدعي تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر -رغم نفي بايدن- وفي المقابل تدخل دول إقليمية مثل إيران، وكل ذلك سيؤدي إلى حرب كبيرة غير معروفة المآلات.
خلاصة الكلام، أن إسرائيل حاليا تدور في دائرة الرد دون تخطيط استراتيجي عميق لما هو قادم، وتستمر في التحشيدات العسكرية على حدود قطاع غزة تمهيدًا لاقتحامه دون حسابات، ورغم تحذيرات أمريكية أوروبية من الإقدام على هذه الخطوة حاليا، وإيجاد طريقة أخرى لاستبدال حكم حماس، وكل هذا ناتج عن فقدان التوازن بسبب عملية طوفان الأقصى، وربما سيؤدي إلى ظروف عسكرية سياسية اقتصادية أصعب على إسرائيل مما تعاني منه حاليا، وبعدها إلى مآلات من غير الممكن توقعها.