ترجمات

تواصل “بوتين” مع “كيم جونغ أون” هو خطوة يائسة لكن ربما تكون خطيرة

بقلم: سيرجي رادشينكو
المصدر: صحيفة الغارديان البريطانية
ترجمة: بوليتكال كيز

تشير التقارير بأن “ديكتاتور” كوريا الشمالية “كيم جونج أون” قد يزور روسيا قريبًا للقاء فلاديمير بوتن ــ ربما لمناقشة إمداد كوريا الشمالية بالأسلحة اللازمة لحرب بوتين في أوكرانيا ــ وذلك يشير إلى التحول الملحوظ في العلاقات الروسية الكورية الشمالية.

فخلال الحرب الباردة، كانت كوريا الشمالية الحليف الرئيسي لموسكو في شمال شرق آسيا. ولكن في ذلك الوقت، كان الكوريون الشماليون، في أحسن الأحوال، متوسلين فقراء لقوة عظمى جبارة.

أما اليوم فتقف مملكة كيم المنعزلة شامخة وفخورة باعتبارها شريكة روسيا في الجريمة.

إنّ ارتباط بوتين بكوريا الشمالية يعود إلى فترة طويلة قبل توليه رئاسة روسيا، لكن العلاقة بشكل عام كانت أكثر تعقيدًا من الجانب العملي، والشريك الأساسي لروسيا كانت في الواقع كوريا الجنوبية، حيث كانت دائمًا ضمن أفضل 10 شركاء تجاريين للبلاد، وتجاوز حجم التجارة بينهما حاجز 30 مليار دولار في عام 2021.

وبالمقابل، كانت كوريا الشمالية غير جاذبة كشريك، وتعرضت لعقوبات صارمة من قبل روسيا، الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي ساهمت في وضع هذه العقوبات.

وحتى قبل الأحداث الأخيرة مثل غزو أوكرانيا، حاولت روسيا الالتزام بتلك العقوبات سواء من الناحية النصية أو الروحية.

لكن تغيرت الكثير من الأمور مع بدء الغزو. في أيار/ مايو 2022، ووجد بوتين نفسه في تطور يُعَد إشارة إلى أن نظام العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية قد يقترب من نهايته.

وفي هذا السياق، استخدمت روسيا (بالاشتراك مع الصين) حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان يستهدف عقوبة بيونغ يانغ بسبب تنفيذها جولة أخرى من التجارب الصاروخية.

وفي تموز/ يوليو 2022، قامت بيونغ يانغ بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، وهما مناطق تحت احتلال روسيا، وهو الاعتراف الذي أثار الكثير من الجدل، وذلك قبل مرور أقل من شهرين على ضم روسيا لهاتين المنطقتين.

وفي نفس الشهر، زار وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، بيونغ يانغ وتم استقباله بحفاوة غير مسبوقة، وشوهد كيم يعرض بفخر أحدث نماذج الأسلحة الكورية الشمالية، مما أدى إلى تكوين علاقة جديدة ودية بين البلدين.

ويشير سعي روسيا للحصول على الأسلحة والذخائر الكورية الشمالية (مثل شراء الكرملين لطائرات بدون طيار إيرانية) إلى درجة عالية من اليأس في الكرملين.

وبعد أن أثبت الأوكرانيون أن الآلة العسكرية التي تتبجح بها روسيا كانت أشبه بنمر من ورق، فقد أصبح التسوق لشراء الأسلحة في أماكن مثل كوريا الشمالية شعورًا ضمنيًا بالإهانة.

وإنّ هناك أيضًا اعتبارات عملية مهمة يجب على بوتين أن يدرسها قبل أن يحتضن كيم. الأول هو انتهاك نظام العقوبات الذي ساعدت روسيا في بنائه على مر السنين ربما يكون أقل العقبات التي تواجه بوتين. والآن بعد أن أصبحت روسيا نفسها دولة منبوذة، على الطرف المتلقي لعقوبات غربية واسعة النطاق، فمن المعقول أن يتواصل الكرملين مع زملائه المارقين.

قد تجادل، بطبيعة الحال، بأن التفكيك (الجزئي) لنظام العقوبات سيقضي على كل الآمال في نزع سلاح بيونغ يانغ النووي، وهو الهدف الذي لا يزال الكرملين، من الناحية النظرية، ملتزمَا به، ولكن ربما يقرر بوتبن أن هذه هي أقل مشاكله في هذا الوقت.

وربما يكون النظر إلى الجانب الثاني أكثر أهمية هنا، بمعالجة كوريا الشمالية بشكل مبالغ فيه، يمكن أن يعرِّض الكرملين علاقته مع كوريا الجنوبية للخطر.

وبالفعل، أثرت الأحداث في أوكرانيا سلبًا على هذه العلاقة، حيث انضمت سيول إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، وتراجعت صادرات كوريا الجنوبية إلى روسيا بنسبة 37٪ في عام 2022 (وانخفضت الواردات بنسبة 15٪). ومع ذلك، تواصل العديد من الشركات الكورية الجنوبية العمل في روسيا.

إنّ كوريا الجنوبية تمثل ضعفًا في جبهة العقوبات الغربية، وهذا هو الوضع الذي يمكن أن يستفيد منه الكرملين إذا كان لديه الحكمة التكتيكية الكافية، ولكن من الناحية الأخرى، قد يرى بوتين أنه من خلال بناء علاقة جديدة مع بيونغ يانغ، يمكنه زيادة نفوذه لدى كوريا الجنوبية.

وربما يعتقد أن تقريب العلاقة بينه وبين كيم سيجعل صناع السياسات في كوريا الجنوبية أكثر حرصًا على الحفاظ على الحوار مع روسيا، وهذا هو المنطق الذي دفع الرئيس الكوري الجنوبي روه تاي في أواخر الثمانينيات إلى تبني سياسة “السياسة الشمالية” – التواصل مع موسكو للضغط على بيونغ يانغ.

ويُلاحظ أن مغازلة بوتين لكوريا الشمالية في بداية رئاسته اتبعت هذا المنطق على وجه التحديد.

أما الاعتبار الثالث والذي يعتبر أمرًا ثقيل الوزن بالنسبة لبوتين هو ما إذا كان بإمكان كوريا الشمالية أن تكون شريكًا جديرًا بالثقة. وفي الواقع، ومن المؤكد أنها ليست كذلك.

استفادت بيونغ يانغ خلال فترة الحرب الباردة من استغلال الخلافات بين حلفائها وتفاقمها لإثارة هذه الخلافات ضد بعضها البعض، وقد تبين أنها تتبع سياسة متقلبة وصعبة التنبؤ بها، ولقد استخدمت تكتيكات قد تجبر موسكو على التورط في مواجهات غير مرغوب فيها مع الولايات المتحدة في عدة مناسبات، مثل حادثة احتجاز المدمرة الأمريكية يو إس إس بويبلو في عام 1968 وإسقاط طائرة استطلاع أمريكية من طراز EC-121 في عام 1969.

إنّ هذه السياقات تجعل من الصعب على بوتين الاعتماد بشكل كامل على كوريا الشمالية كشريك ذو مصداقية، وقد يضعه في مواجهة تحديات كبيرة في سعيه لتحقيق أهدافه السياسية في المنطقة.

ومن المعروف أيضًا أن كوريا الشمالية أصبحت عبئًا اقتصاديًا على أصدقائها وشركائها المترددين، ولا تزال الصفقة التي سيحاول كيم عقدها مع روسيا غير معروفة، ولكن من غير المرجح أن يبيع نفسه بثمن بخس.

وعلى الرغم من هذه الاعتبارات، ربما يكون بوتين قد اتخذ بالفعل الخيار الاستراتيجي للتقرب من كوريا الشمالية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى الوضع الجديد الذي تجد روسيا نفسها فيه.

فزوال عالم ما بعد الحرب الباردة وعودة عقلية الكتلة يميلان إلى تشجيع هذا النوع من إعادة التنظيم.

في المقابل، إن الفيل الموجود في الغرفة هو الصين، راعية بيونغ يانغ منذ فترة طويلة، والتي تقترب أيضًا من روسيا بمنطق صراعها العميق مع الولايات المتحدة.

وكانت المرة الأخيرة التي كانت فيها هذه البلدان الثلاثة على نفس الموجة هي في أواخر الأربعينيات إلى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان كيم سيلتقي ببوتين، لكن العلاقة بين بلديهما تشهد تحولًا واضحًا وليس لأن كوريا الشمالية تتغير، بل لأن روسيا تتغير. لقد بدأت تبدو أكثر فأكثر مثل كوريا الشمالية. وسواء وجدت الأسلحة الكورية الشمالية طريقها إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا أم لا، فإن انحدار روسيا إلى أعماق الطغيان من شأنه أن يرسم ابتسامة الرضا على وجه كيم.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى