سياسة

بتهمة ” الإبادة الجماعية”… إسرائيل في “قفص الاتهام” للمرة الأولى

تتجه الأنظار عالميًا إلى مدينة لاهاي في هولندا، حيث محكمة العدل الدولية، التي بدأت اليوم الخميس 11 كانون الثاني/ يناير، التحقيق في قضية “الإبادة الجماعية” بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضدها في واقعة هي الأولى من نوعها.

وتقدم جنوب افريقيا مرافعة من 84 صفحة باللغة الإنجليزية، تعرض خلالها دلائل على انتهاك إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها بـ”ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.

وكانت إسرائيل وافقت على المثول أمام المحكمة بذريعة أنها تريد “دحض” ما وصفتها بالاتهامات “السخيفة التي تفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني”.

وبذلك تكون تل أبيب قد قبلت أن ترتدي “البدلة البيضاء”، وفق تعبيرات بعض الفلسطينيين والنشطاء العرب، فهذه البدلة مخصصة عادة في محاكم بعض الدول مثل مصر، للمتهمين قبل إدانتهم أو للمحبوسين احتياطًا على ذمة قضية.

ورغم أن إسرائيل تصف الاتهامات الموجهة إليها بأنها “تفتقر لأي أساس قانوني”، إلا أن هيئة البث الإسرائيلية قالت، الجمعة الماضي، إن تل أبيب متخوفة من أن تصدر محكمة العدل الدولية، “قرارًا بوقف الأعمال القتالية في قطاع غزة”.

كما أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى على وجود خشية جدية في المؤسستين الأمنية والنيابة العامة الإسرائيليتين من أن توجه المحكمة الأممية اتهامات لتل أبيب بـ”الإبادة الجماعية”.

وفي هذا الشأن تقول صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن طلب جنوب أفريقيا لإصدار حكم مؤقت بالدعوى يتماشى مع الاتجاه الأوسع في محكمة العدل الدولية لمثل هذه الأحكام، إذ أن هناك مساع متزايدة في العقد الماضي للحصول على تدابير مؤقتة وقد أصدرت المحكمة تدابير مؤقتة في 11 قضية، مقارنة بـ10 قضايا في الخمسين سنة الأولى من وجود المحكمة (1945-1995).

وتقول وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إن الأوامر المؤقتة ستكون سارية أثناء نظر القضية برمتها، وفي حين إنها ملزمة قانونا ولكن لا يعني ذلك التزام الأطراف بها.

ماذا سيحدث؟

ومن المقرر أن تبدأ محكمة العدل الدولية الاستماع إلى مواقف الطرفين علي مدار يومين (10 و12 كانون الثاني/ يناير الجاري)، بشأن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بعد أكثر من شهر على تعليق علاقتها مع تل أبيب في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، احتجاجًا على هجماتها المدمرة في غزة.

ومن المتوقع أن تقرر المحكمة وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة لاحقًا، كيفية سير مداولاتها في هذه القضية، ووفقًا للمادة 31 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، عندما يتم النظر في قضية، يمكن للدولة الطرف تعيين قاض مؤقت، يسمى “قاضيًا خاصًا”، بشرط أن يعمل فقط من أجل تلك القضية.

وفي هذه القضية، من المنتظر أن يعمل نائب الرئيس السابق للمحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا، البروفيسور ديكجانج موسينيكي، والرئيس السابق للمحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك، كقاضيين خاصين نيابة عن بلديهما.

وما سيحدث اليوم هو خطوة في مسار طويل، حيث ستنظر هيئة المحكمة المكونة من 15 قاضيًا في اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة وتحديد مواعيد بدء المحاكمة وكذلك مواعيد البت في التدابير المؤقتة (الطارئة) التي طلبتها جنوب إفريقيا من أجل حماية الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك وقف العمليات العسكرية والسماح بعودة النازحين قسريا وإدخال المساعدات الإنسانية فورًا.

ووفقًا للإجراءات الاحترازية، ينبغي على المحكمة أن تنظر أولًا فيما إذا كان لديها الاختصاص القضائي للنظر في الدعوى، وما إذا كانت الأفعال التي تتهم بها إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية.

وسيكون لجنوب إفريقيا وإسرائيل ساعتان خلال اليوم الخميس وبعد غد السبت، لتقديم الحجج القانونية لصالح أو ضد اتخاذ التدابير المؤقتة أو الطارئة بحضور فريق المحامين الدوليين، وغالبًا ما يصدر القضاء إشارة إلى هذه التدابير بمطالبة دولة (إسرائيل في هذه الحالة) بالامتناع عن أي إجراء قد يفاقم النزاع.

ولن تصدر المحكمة حكمًا نهائيًا بشأن اتهامات الإبادة الجماعية إلى حين تعيين وعقد جلسة للبحث في القضية بشكل كامل، وهو ما قد يستغرق سنوات وفق خبراء في القانون الدولي.

فلسطين ترحب بمحاكمة إسرائيل

وفي سياق متصل قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في تصريحات له بـ 8 كانون الثاني الجاري، إن “إسرائيل ستقف أمام محكمة العدل الدولية، متهمة بارتكاب مجازر بهدف الإبادة الجماعية بحق شعبنا”.

وأضاف اشتية، أن “إسرائيل لن تستطيع أن تستمر في خداعها العالم في لوم الضحية، فالعالم اليوم يعيش في عصر السوشال ميديا، يرى ويسمع ويعرف أنها دولة مجرمة ووجب تحميلها المسؤولية”.

وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية لن تعالج ملفات من الماضي، بل الجرائم التي تحدث اليوم أمام نظر كل العالم وسمعه، بما في ذلك قضاة المحكمة الـ15، معربًا عن أمله أن يقفوا مع الحقيقة والحق وليس مع الضغوط السياسية.

وتمنى اشتية للفريق القانوني التوفيق وأن تقضي المحكمة بوقف الحرب فورا، وتستمر إجراءات محاكمة إسرائيل في جميع المحاكم الدولية.

دعم عربي للقضية المرفوعة

أكدت جامعة الدول العربية دعمها وتأييدها بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، معربة عن تطلعها إلى “حكم عادل يوقف الحرب العدوانية على قطاع غزة ويضع حدا لنزيف الدم الفلسطيني”.

وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في تصريحات صحفية سابقة، إن “الأمانة العامة للجامعة تدعم المسعى الجنوب إفريقي بكل السبل الممكنة من خلال الاستعداد لتقديم ما يخدم القضية ويعزز الموقف الفلسطيني”، وأضاف أبو الغيط، أنها “خطوة مهمة ليس فقط نحو وقف إطلاق النار ولكن أيضا مساءلة الاحتلال الإسرائيلي”.

موقف واشنطن

ولكن الولايات المتحدة الأمريكية حملت موقفًا مساندًا لإسرائيل كما جرت العادة، فقال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الثلاثاء الماضي، في ختام مباحثات أجراها مع مسؤولين في إسرائيل، إن رفع جنوب إفريقيا قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية “يشتت جهود احتواء التصعيد” في قطاع غزة.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن “دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بلا أساس”.

وردت حركة “حماس”، الأربعاء، على موقف بلينكن، بالقول، إن المواقف الأمريكية من الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا بمثابة “استخفاف” بالقانون الدولي.

وقالت في بيان، إن الموقف الأمريكي “محاولة لتعطيل أدوات العدالة الدولية عن القيام بدورها، في إطار دعمها الكامل للمجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في القطاع”.

ودعت “حماس”، “الإدارة الأمريكية مجددا إلى التوقف عن سياساتها التي تطيل أمد العدوان، والإبادة المرتكبة في قطاع غزة.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى