عبر استثمارات جديدة تصل لـ 100 مليار دولار… الإمارات تزيد نفوذها في القارة الإفريقية
أوضحت مراسم استقبال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد بحفاوة في جنوب إفريقيا خلال الزيارة الأخيرة، مدى نفوذ الإمارات في البلاد وعلى مستوى القارة الإفريقية، وأبرزت التعقيدات التي قد تنجم عن هذا التحالف الجديد.
فخلال إقامته في منتجعه الخاص في واحدة من أفقر مناطق جنوب أفريقيا، تبرع الشيخ محمد بمبلغ 20 مليون راند (مليون دولار) لتطوير مدرج المطار، مما دفع السلطات إلى تحويله إلى ميناء دخول دولي لهذه المناسبة.
ورغم هذا الإظهار لحسن النية، لم تتمكن جنوب أفريقيا من إقناع الإمارات بتسليم الأخوين غوبتا، المتهمين بنهب الدولة الجنوب أفريقية. بعد فرار عائلة غوبتا إلى الإمارات في عام 2018، رفضت محكمة في دبي، قبل حوالي أسبوعين من زيارة الشيخ محمد للكيب الشرقية، تسليم الأخوين بسبب أوراق غير صحيحة، وهو ما وصفه وزير العدل في جنوب أفريقيا بأنه “صادم”.
الإمارات مصدر رئيسي للاستثمار الأجنبي في أفريقيا بعد تخفيض الصين لقروضها
مع تقليص الصين لقروضها الممنوحة لأفريقيا، أصبحت الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية الغنية بالنفط، مصدرًا متزايد الأهمية للاستثمار الأجنبي في القارة، ففي عامي 2022 و2023، تعهدت الإمارات بضخ استثمارات جديدة بقيمة 97 مليار دولار في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ والتعدين والعقارات والاتصالات والزراعة والتصنيع، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف ما تعهدت به الصين.
ووفقًا لمعلومات اطلعت عليها “بوليتكال كيز | Political Keys”، فإنّ إجمالي استثمارات الإمارات في أفريقيا يصل إلى 110 مليارات دولار، مما يعكس التزام أبو ظبي بتعزيز نفوذها في جميع أنحاء القارة. كما قامت شركات إماراتية بتبني مشاريع في أفريقيا تجنبها المستثمرون الآخرون بسبب المخاطر.
تتيح الاستثمارات الإماراتية للبلاد ليس فقط تشكيل المصائر الاقتصادية لبعض الدول الأفريقية، بل أحيانًا التأثير على الحظوظ السياسية لبعض القادة، فخلال الحرب “الأهلية” في إثيوبيا عام 2021، قدمت الإمارات طائرات عسكرية بدون طيار للحكومة عندما كانت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تهدد أديس أبابا.
وبعد الإطاحة بعمر البشير في السودان عام 2019، تدخلت الإمارات لدعم النظام الجديد وقدمت لاحقًا الدعم لقوات الدعم السريع شبه العسكرية خلال الحرب المشتعلة منذ العام الماضي.
تصاعد نفوذ أبو ظبي في إفريقيا
أبو ظبي، العاصمة الغنية بالنفط لدولة الإمارات، ارتفع نفوذها في السنوات الأخيرة، في حين أن دبي كانت مركزًا ماليًا وتجاريًا مهمًا لفترة طويلة، فالشركات الأفريقية أصبحت تختار دبي كمركز للتجارة مع بقية العالم، ما جعل من دبي بوابة إلى إفريقيا، فقد ارتفع عدد الشركات الأفريقية المسجلة في دبي بشكل كبير ليصل إلى 26,420 بحلول عام 2022.
وفي السياق، يشير مسؤول إماراتي إلى أن انخراط الإمارات في إفريقيا يتراوح بين التجارة إلى الأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب، بهدف “تعزيز مستقبل مزدهر قائم على المنفعة المتبادلة”. لكن بعض المراقبين يرون في ذلك جزءًا من رؤية أكبر لممارسة المزيد من النفوذ العالمي.
وتندرج المشاركة الإماراتية في أفريقيا ضمن ثلاث فئات رئيسية، تجارية، واستراتيجية، ومالية، فدبي أصبحت منطقة قضائية جذابة للأفارقة للتجارة، وممارسة الأعمال التجارية، واستثمار الأموال في الخارج.
الاستثمارات في الطاقة النظيفة
من الناحية التجارية، تعد الطاقة النظيفة أحد مجالات الاهتمام الرئيسية، فقد قامت “مصدر”، المستثمر في مجال الطاقة المتجددة في أبو ظبي، ببناء بنية تحتية للطاقة النظيفة في عدة دول أفريقية، وتشمل استثمارات “مصدر” خمس مزارع للرياح في جنوب أفريقيا، ونظام لتخزين طاقة البطاريات في السنغال، ومنشآت للطاقة الشمسية في موريتانيا، وتقود خطط استثمار بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي لزيادة قدرة توليد الكهرباء في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بمقدار 10 جيجاوات.
كما تستثمر الشركات الإماراتية في مجموعة واسعة من القطاعات في أفريقيا، من الوقود الأحفوري إلى العقارات والاتصالات، ففي أيار/ مايو الماضي، اشترت شركة بترول أبوظبي الوطنية حصة 10% في حوض روفوما للغاز في موزمبيق مقابل حوالي 650 مليون دولار. كما أعلنت شركة دبي للاستثمار عن مشروع تطوير عقاري بمساحة 2000 هكتار في أنغولا.
توسع في قطاع الاتصالات والتعدين
شركة e&، المعروفة سابقًا باسم اتصالات، تعمل في 12 دولة عبر إفريقيا، وحققت الشركات الإماراتية نجاحًا ملحوظًا في قطاع التعدين أيضًا، فيما دفعت شركة إنترناشيونال ريسورسيز القابضة، وحدة تابعة للشركة الدولية القابضة، 1.1 مليار دولار للحصول على حصة أغلبية في منجم النحاس الزامبي موباني.
في العام الماضي، حصلت شركة بريميرا لتجارة الذهب على احتكار لمدة 25 عامًا لجميع إمدادات الذهب صغيرة النطاق في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيما يمر الكثير من الذهب الإفريقي عبر دبي، سواء كان قانونيًا أو مهربًا.
القضايا المثيرة للجدل
ليست كل الاستثمارات الإماراتية خالية من الجدل، ففي تنزانيا، اتهمت جماعات حقوق الإنسان السلطات بإجبار الآلاف من الماساي على ترك أراضيهم لمشروع رحلات السفاري والصيد المرتبط بشركة إماراتية. كما اتهم نشطاء شركة بلو كاربون، أداة استثمارية خاصة مقرها دبي، بالسعي للاستيلاء على ملايين الهكتارات من الغابات الإفريقية فيما يعتبرونه عملية غسيل للأموال.
وفي صعيد متصل، استثمرت موانئ دبي العالمية حوالي 3 مليارات دولار في أفريقيا، مما جعلها تدير موانئ من موزمبيق إلى الجزائر وأنغولا، وتسعى الشركة إلى ربط دبي بالقارة الأفريقية عبر التجارة، وفي الوقت ذاته، تدير شركة AD Ports موانئ في إفريقيا، حيث فازت مؤخرًا بامتيازات لإدارة ميناء بوانت نوار في جمهورية الكونغو ومحطة لواندا في أنغولا.
استثمارات إستراتيجية في الموانئ
تعد بربرة في جمهورية أرض الصومال الانفصالية واحدة من الاستثمارات الأكثر استراتيجية للإمارات، فقد استثمرت موانئ دبي العالمية 300 مليون دولار في الميناء ومنطقة التجارة الحرة المجاورة، بينما جددت الإمارات مطار المدينة، وتبعت ذلك استثمارات كبيرة في البنية التحتية مثل بناء طريق يربط بربرة بالعاصمة هرجيسا وإلى الحدود الإثيوبية.
في المقابل، أدت الاستثمارات الإماراتية في بربرة إلى تداعيات سياسية مع الصومال وإثيوبيا، في حين أثارت اتفاقية بين أديس أبابا وهرجيسا غضب الصومال، حيث تعترف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة مقابل الوصول إلى البحر الأحمر.
التدخلات المثيرة للجدل
واجهت الإمارات اتهامات بالتدخل في النزاعات الإقليمية، فقد دعمت الجنرال خليفة حفتر في ليبيا في هجومه على طرابلس، وتورطت في تأجيج الحرب في السودان عبر تسليح قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، ورغم نفي الإمارات، تشير تقارير أممية إلى تورطها في تقديم أسلحة تحت ستار المساعدات الإنسانية.
كما تعتبر الإمارات الملاذ الآمن للأثرياء الأفارقة بما في ذلك السياسيون، ااذين يجدون ملاذًا آمنًا في دبي، حيث يمكنهم شراء العقارات والاستمتاع بأسلوب حياة فاخر، ومن بين هؤلاء إيزابيل دوس سانتوس، ابنة الرئيس السابق لأنغولا، التي انتقلت إلى دبي بعد تجميد أصولها من قبل الحكومة الأنغولية الجديدة.
وتمثل التوسعات الإماراتية في أفريقيا تحديًا لواشنطن، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا توافق على كل سياسات الإمارات، إلا أنها تعتبرها حليفًا عالميًا حيويًا. ومع ذلك، هناك تشكيك واسع في النوايا الإماراتية، مع اعتبارها تحركات مزعزعة للاستقرار في القارة.
كما ارتبط صعود دولة الإمارات العربية المتحدة بتراجع نفوذ الولايات المتحدة في إفريقيا، حيث تعتبر إستراتيجية الإمارات تعويضًا عن هذا الركود الأمني.