ملفات خاصة

خاص | للحديث عن الواقع الديمغرافي في لبنان… بوليتكال كيز تجري حوارًا مع الباحث “نبيه العاكوم”

أجرت “بوليتكال كيز | Political Keys”، الثلاثاء 17 أيلول/ سبتمبر، حوارًا خاصًّا مع الباحث والكاتب اللبناني، نبيه العاكوم، للحديث عن الواقع الديمغرافي في لبنان.

وقال العاكوم في مستهل حواره مع “بوليتكال كيز | Political Keys”، إنه “لا يمكن بتاتًا المرور مرور الكرام أمام خطبة البطريرك الراعي في عظته الأسبوعية، ولا يمكن أبدًا عدم الالتفات الى العظة بأكملها أيضًا، فالبطريرك طرح بعظته فحص ضمير لمكونات تريد لبنان مساحة تُفرز عقاريا لا وطنا، وأرضا شاغرة لمشاريعها ومن دون دولة ونظام ودستور وقانون، وهو بالطبع يشير أولًا إلى كل الأحزاب التي فتحت جبهة الجنوب باعتبارها إسنادًا للمقاومة في غزة، وبالأخص حزب الله”.

وأضاف العاكوم: “تاريخيًّا، يُعتبر لبنان مخلوقًا كنسيًّا إذا صح التعبير، إذ إن الكنيسة المارونية، برئيسها البطريرك إلياس الحويك، هي من فعّلت الاتصالات والمفاوضات مع الفريق المنتصر في الحرب العالمية الأولى لكسب تأييد واعتراف بدولة لبنان الكبير، جبله والملحقات، كان سكان جبل لبنان، بأكثرية ساحقة، موارنة بالدرجة الأولى ثم دروزًا، هم من أرادوا بناء دولة قومية حديثة بالشكل الذي بدأ الغرب يسعى إليه انطلاقًا من أوروبا، واستطاعوا أخذ الاعتراف من خلال مؤتمرات بعد الحرب العالمية الأولى، دون الرجوع إلى سكان الملحقات، الساحل والشمال والبقاع والجنوب، وسكانهم بأغلبية مسلمة واضحة، كان المسلمون يميلون إلى ربط أراضي لبنان بسوريا تحت قيادة الملك فيصل بن الشريف حسين الذي أُطيح به من قبل الفرنسيين لاحقًا”.

وتابع: “ومنذ ذلك الوقت، ومع كل استحقاق إقليمي وتموضع سياسي للأحزاب الاسلامية، يبدأ النقاش مجدداً حول الإيمان بلبنان كوطن نهائي، أذكر من المناسبات فتنة 1958 والأزمة التي خلقت انقسامًا بين المسلمين الداعين للإنضمام للوحدة بين مصر وسوريا، والمسيحيين الرافضين لها، ثم أتت حرب 1975 والانقسام بين المسلمين الداعمين لمنظمة التحرير الفلسطينية والمسيحيين الرافضين للعمل الفدائي، وفي هذه العقود، نعيش الانقسام نفسه، لكن بشكل مختلف نوعًا ما، بين فريق شيعي أراد استتباع لبنان بأكمله للمحور الايراني، وفريق آخر بأكثرية مسيحية رافض له وينادي بتحييد لبنان أو الحياد، طبعا الفريق السني لا يمكن خلال حرب غزّة دراسة مزاجه، فهو كان متقاربًا مع الطرح المسيحي بعد اغتيال الرئيس الحريري ومن ثم اندلاع الثورة السورية، لكنه منقسم الآن في تأييده لفتح الجبهة في الجنوب ودعم المقاومة في فلسطين، أما الفريق المسيحي، فهو من خلال طرح البطريرك الراعي، يرى في فتح جبهة الجنوب تعديًا على الحدود ورفضًا لمبدأ الدولة القومية باعتبار أن عدم المرور بالمؤسسات الوطنية هو عدم احترام لنهائية الوطن”.

وعن تأثير التركيبة الطائفية والدينية على تشكيل الهوية الوطنية اللبنانية منذ إعلان دولة لبنان الكبير، يقول العاكوم إن “كثيرًا من النقاد والمحللين يحاولون الابتعاد عن ربط النزاع الداخلي اللبناني بالتركيبة الطائفية والمذهبية، اعتقادًا منهم أن الانقسام حزبي باعتبار أن في كل طرف ما يمثل الطوائف والمذاهب الأساسية، لكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن الانقسام الحزبي الصرف، فالدين والطائفية حاضران بقوة في كل استحقاق أو حادث إقليمي، التركيبة الطائفية والمذهبية في المجتمع اللبناني تنعكس دائما في بلورة أي موقف سياسي لحادث أو استحقاق إقليمي، ومنها حرب غزة وقبلها الثورة السورية، على سبيل المثال لا الحصر، وإذا كان للطائفية أثر في تشكيل الهوية الوطنية، فهي أزمة ليست محصورة فقط في لبنان، بل أيضًا تعاني منها كثير من الدول التي تتسم بتعدد الطوائف والمذاهب في دول الشرق الأوسط، وفي لبنان، كما ذكرنا عند كل استحقاق، نرى الانقسام وتموضع الأحزاب، التي هي بمعظمها ذات طابع طائفي، مبني على أساس طائفي ومذهبي”.

وأكد العاكوم أن “حرب غزة أفرزت انقسامًا يختلف عن الانقسام الذي حدث أثناء الثورة السورية على سبيل المثال، ومنذ إعلان دولة لبنان الكبير، أثّرت الطائفية والمذهبية التي تُفرَز عند الأزمات بشكل سلبي في تشكيل وعي جماعي لضرورة بناء هوية وطنية جامعة، بعكس الدولة المتجانسة داخليًا التي تتحد شعوبها عند الأزمات”.

وعن أثر النزوحين الفلسطيني والسوري على التوازن الديموغرافي في لبنان، يقول العاكوم إنه “منذ أن لجأ الفلسطينيون إلى لبنان بعد نكبة 1948 وحتى يومنا هذا، دخل هذا الملف في صلب برنامج الأحزاب لشرح موقفهم منه، إذ أن التركيبة الاجتماعية والسكانية في لبنان معقدة، والحروب الدائمة في المنطقة كثيرًا ما تُحدِث هجرات واسعة تطال في أغلب الأحيان المسيحيين”.

وأشار العاكوم إلى أنه “في التعداد السكاني، يحذر الخبراء من تخلخل في التركيبة السكانية إذ أن المسيحيين على مشارف أن يُصبحوا أقلية، لذلك تتجه الأحزاب المسيحية الى استحضار ملفي النزوح الفلسطيني ثم السوري عند كل استحقاق انتخابي، لأنهم يؤمنون بأهميته عند العامة”.

وأضاف: “اللجوء الفلسطيني إلى لبنان منذ النكبة ومن ثم بلورة خطاب ثوري يدعو إلى العمل الفدائي الفلسطيني انطلاقًا من لبنان كان أحد أهم أسباب اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 وقد تسبب بهجرات واسعة، والثورة السورية دفعت بأكثر من مليوني سوري للجوء إلى لبنان، ويبدو أن هذا الملف عالق في دهاليز الأزمة الإقليمية ينتظر الفرج عند عواصم القرار، وبسبب أن لا حل في الأفق، فإن هؤلاء النازحين وقد طال زمن مكوثهم في لبنان من الصعب جدًا عودتهم إلى سوريا، وبالتالي سيحدث إرباك جدي في التوازن الديمغرافي”.

وأوضح العاكوم أن “لبنان الذي يعاني اضطرابًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، يصبح ساحة لمواجهات الأحزاب، وكل حزب يسعى لرمي المسؤولية أو التحجج بملف النازحين السوريين، وبالمقابل، لا يمكن بتاتًا تجاهل أن الخلل الديمغرافي يُحدث دائمًا اضطرابات أمنية ويزعزع الاستقرار، فالحرب الأهلية في لبنان عام 1975 كان لها أسباب أخرى مهمة، غير السلاح الفلسطيني، أحدها طبقي له علاقة بالحرمان أو الفقر اللذين يسودان في الأحياء، طوق العاصمة، وأكثرية قاطنيها مسلمون مهمشون وقد أصبحوا ديمغرافيًا أكثر من المسيحيين، دائمًا التغيير الديمغرافي يفرز شحنًا طائفيًا وخوفًا عند الطوائف التي ترى أنها ستصبح أقلية في بلادها، فينتج عن ذلك صراعات وحروب داخلية”.

وختم الباحث والكاتب اللبناني نبيه العاكوم حواره الخاص مع “بوليتكال كيز | Political Keys” بالقول إنه “من حيث الأرقام والتعداد السكاني في لبنان ومتابعة الصراعات في المنطقة، النظرة متشائمة اتجاه التركيبة الاجتماعية، فالصراع العربي الإسرائيلي لا حل له عاجلًا أو آجلًا، والوضع الداخلي السوري غير مستقر، وأضف الى ذلك قلة الموارد وشح المياه والأزمات الاقتصادية في لبنان، كلها عوامل ستؤدي إلى تفاقم المشكلة الديمغرافية، وربما رأيي لن يُعجب البعض، إذ أرى أن المتحد المسيحي في لبنان سيختفي عند نهاية هذا القرن بسبب الهجرات الواسعة التي ستتشكل مع الحروب والصراعات المستقبلية المتوقعة”.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى