خاص | للحديث عن الرد الإيراني “المرتقب” على خلفية اغتيال إسماعيل هنية ”بوليتكال كيز | Political Keys” تجري حوارًا خاصًا مع الدكتور مازن شندب
أجرت بوليتكال كيز | Political Keys” حوارًا خاصًا مع الدكتور مازن شندب أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ولدى سؤاله عن تأخّر الرد الإيراني عقب اغتيال إسماعيل هنية على أرضه إلى الآن قال:
“هناك مسألتان يجب ألا يغفلا أبدًا، المسألة الأولى تعود إلى عام 2003، فلولا إيران وجماعاتها لما تمكن الأمريكيون من احتلال بغداد وسقوطها في ذلك العام، هذه النقطة غالبًا ما تُغفل، ويجب أن نتساءل لماذا مهدت إيران الطريق للأمريكيين لاحتلال العراق؟ هذه قضية استراتيجية كبيرة تتطلب نقاشًا طويلًا، ولكن كمعادلة يجب ألا تغيب عن الأذهان، لما لها من تحليلات ومخرجات وآثار كبيرة”.
“أما المسألة الثانية، فتتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، صحيح أن القذائف والصواريخ تسقط على أرض غزة، لكن صداها يُسمع في طهران وبيروت، وهذا يؤدي إلى تعقيد الحسابات أكثر، حيث يصبح كل شيء محسوبًا بدقة، من يغامر ويلعب مع إسرائيل وهي تحرق الأخضر واليابس، ولا أحد يحرك ساكنًا، بل إن المجتمع الدولي الفاعل يقف بجانب إسرائيل، إذا أخذنا الولايات المتحدة والغرب الأوروبي كمثال، فهم يدعمون إسرائيل ويقولون إنها تدافع عن نفسها، وبالتالي، مسألة الرد هي موضع تساؤل”.
“والتصريحات الإعلامية شيء، والغرض منها التحشيد والتجييش وإسكات الأصوات، بينما الرد الفعلي شيء آخر، وإيران، على سبيل المثال، ردت بالمعنى السياسي عندما أعلنت أنها ستستعين بالمادة 51، مما يعني أنها اعتبرت أن إسرائيل اعتدت على سيادتها، وبالتالي، مسألة الرد تبقى مرنة وتخضع للحسابات، قد يحدث رد محسوب ومدروس في المدى الطويل أو القريب”.
ولدى سؤاله عن رأيه في أن كثيرًا من المعطيات والمعلومات تؤكد أن اغتيال هنية حصل باختراق أمني وتم عن قرب وليس عن بعد، فإلى متى ستبقى إيران تنكر ذلك؟ هل من الممكن أن تكون متورطة؟
تابع الدكتور “إن اغتيال هنية، سواء من قرب أو من بعد، هو مسألة يجب تناولها بموضوعية ولا يمكننا الاعتماد كثيرًا على نظرية المؤامرة، ربما تكون إسرائيل قد اغتالت هنية بالفعل، وربما تكون هناك حسابات معينة لا علاقة لإسرائيل بها، هذه المسألة لا يمكن لأحد أن يحسمها بشكل قاطع، دائمًا ما تكون الاغتيالات الكبيرة والاستراتيجية، مثل اغتيال الحريري، محاطة بالغموض، ولا يوجد جواب حاسم، ولكن في النهاية، هنية لم يُغتل في قطر، ولم يُقتل في غزة، ولم يُغتل في الشام؛ بل اغتيل في طهران، وجاء اغتياله بعد حادثة تفجير الطائرة أو سقوط طائرة الرئيس الإيراني السابق”.
وهنا يمكن طرح سؤال: “ما الهدف من استقدام يحيى السنوار، الذي يُعتبر الصقر الأول في حماس، كبديل عن شخصيات حمائمية مثل هنية؟ هل يمكننا وضع ذلك في إطار تصفية البعد التفاوضي بين حماس والعدو الإسرائيلي؟ ومن المستفيد من ذلك؟”.
وعن رأيه في أن الكثير يتحدّث عن أن الرد سيكون شكلي ولحفظ ماء الوجه؟
قال الدكتور: “أعتقد أن مسألة الرد، سواء كان شكليًا أو حقيقيًا، ليست مرتبطة باغتيال هنية أو باغتيال شخصيات مثل فؤاد شكر، الأمر يتعلق بنقطة قوة ربما يريد حزب الله أو إيران وضعها في جيبهم لاستخدامها في اللحظة المناسبة، لنقل إن توقيت دخول حزب الله في المعركة، عندما تم تدمير غزة وإبادتها تقريبًا، أثار تساؤلات حول سبب عدم تدخل حزب الله في المعركة بشكل أسرع، حيث أخذ وقته في التدخل”.
“إذاً، المعادلة بالنسبة لحزب الله ليست إنسانية وليست مرتبطة بأهل غزة بقدر ما هي استراتيجية، عندما تم الاستيلاء على شمال غزة وبدأت المعارك التمهيدية للدخول إلى بيت حانون ثم خان يونس، تدخل حزب الله للتخفيف عن كاهل المقاومين في غزة، وبالتالي، الرد بالنسبة لحزب الله هو بمثابة رصاصة يطلقها عندما تقتضي الأوضاع الاستراتيجية عدم سقوط غزة”.
“لذلك، حزب الله لا يرى مشكلة في خوض حرب طويلة الأمد لأنه يعرف أن سقوط غزة يشكل انهيارًا لأحد أجنحته الاستراتيجية، هذا لا يعني أن حماس تابعة لحزب الله، ولكن القصد هو منع استفراد العدو بحزب الله بعد أن خرجت سوريا كدولة وطنية لها وزنها بعد الحرب التي شهدتها منذ عام 2013”.
وعن سبب “الشهية” الإسرائيلية لجر المحور إلى مواجهة مفتوحة؟
ذكر الدكتور “أنه يعتقد أن المخططين الاستراتيجيين في المطبخ الاستراتيجي الإسرائيلي يرون أن الخيارات أمامهم محدودة، ما حدث في السابع من أكتوبر ليس أمرًا بسيطًا، لقد وضعوا البشرية كلها خلفهم، وقاموا بما قاموا به، حيث دمروا الحجر والبشر من أجل حماية الأمن القومي أو الوجود الإسرائيلي، وبالتالي، هم مستعدون لفعل أي شيء من أجل بقاء دولة إسرائيل”.
“وقد يكون الهدف لبنان، وقد تكون غزة، وقد تكون طهران، أو أي دولة أو مدينة أخرى إذا اقتضى الأمن القومي الإسرائيلي ذلك، لا أوافق على فكرة أن الإسرائيلي يقتل لمجرد القتل أو لشهية القتل، حتى الإجرام الإسرائيلي مقصود، ويهدف إلى زرع الرعب لدى الآخرين حتى لا يتجرأ أحد على التمادي، وأعتقد أن هذا النهج الإجرامي الإسرائيلي نجح في ثني إيران، ونجح في ثني حزب الله، ونجح في ثني كل من قد تخول له نفسه القيام بفعل حقيقي يهدد الأمن القومي الإسرائيلي”.
ولدى سؤاله أي من السيناريوهات تراه أقرب إلى الواقع والصوابية في انتهاء المعركة؟ (تسليم رهائن، قوات عربية في القطاع، انسحاب الحزب من الجنوب…. إلخ) ماذا تريد إسرائيل؟
وبحسب الدكتور “فإن السيناريوهات المطروحة، مثل تسليم رهائن أو دخول قوات عربية إلى القطاع أو انسحاب حزب الله، أعتقد أن الحديث عنها ما زال مبكرًا، الواقع الميداني على الأرض يشير إلى غير ذلك، فالحرب لم تؤثر على قدرة غزة على إطلاق الصواريخ التي تطال غلاف غزة، والعمليات الفدائية ما زالت مستمرة، كل يوم هناك قتلى من الجيش الإسرائيلي، وبين الحين والآخر، يتحدث الإسرائيليون والأمريكيون عن اليوم التالي لغزة، في إطار الحرب النفسية، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى أن هذا اليوم لا يزال بعيدًا”.
“على كل حال، أعتقد أن إسرائيل لن تقبل بأي حل في غزة لا يضمن حماية أمنها القومي ويصفر الخطر عليها، من يقدم هذه الضمانات؟ هل هي قوات عربية، أو قوات فلسطينية، أو الأمم المتحدة؟ هذه مسألة تفاصيل، المطلوب أو الخط الأحمر بالنسبة لإسرائيل هو أمنها القومي”.
“وإسرائيل تسعى إلى الحفاظ على وجودها وضمان أمنها القومي، لكن هذا على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فإن المشروع الصهيوني يعتمد على بناء علاقات قائمة على المصالح الحقيقية بين إسرائيل ومحيطها القريب والبعيد، لا يجب أن ننسى أن عملية السابع من أكتوبر ضد إسرائيل جاءت في وقت كانت فيه المشاورات والمحادثات جارية حول تصفير العلاقات، إن صح التعبير، بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، خصوصًا في الخليج”.
“وكانت هناك مساعٍ حقيقية للتطبيع، وقد حصل التطبيع مع بعض الدول، ولكن يُنظر إلى التطبيع الأول والأهم مع المملكة العربية السعودية، بما تمثله من ثقل ثقافي وديني وعربي واقتصادي ودولي واستراتيجي”.
“السؤال الأساسي هنا: هل عملية السابع من أكتوبر ضد إسرائيل كانت مجرد عمل مقاوم، أم أنها كانت محاولة لقلب الطاولة على مساعي وخطوات التطبيع؟ هذا سؤال كبير، ومن رحم هذا السؤال ستولد الكثير من التحليلات والاختبارات، وستظهر الكثير من النتائج بعد الانتهاء النهائي لمعركة طوفان الأقصى”.