لماذا لا توجد أسلحة تغير قواعد اللعبة في أوكرانيا؟
بقلم: فرانز ستيفان جادي
المصدر: مجلة فورين بوليسي
ترجمة: بوليتكال كيز
أصبحت ألمانيا ثاني أكبر مموِّل للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، لكن لن تكتشف ذلك من خلال متابعة النقاش في برلين.
وفي تكرار لاهتمام برلين الطويل بشأن إرسال دبابات من طراز ليوبارد2 إلى أوكرانيا – حيث رفضت في البداية قبل أن تتراجع في يناير – تردَّدت حكومة المستشار أولاف شولتز في اتخاذ قرار بتزويد صواريخ توروس ألمانية الصنع، ولم يوضح شولتز أسباب هذا التأخير. وبالفعل قدمت بريطانيا وفرنسا صواريخ مماثلة.
ربما تم استخدام صواريخ كروز التي قدمها الغرب لضرب المنشآت البحرية الروسية في ميناء سيفاستوبول المحتلة هذا الأسبوع، في إطار جهود أوكرانيا الناجحة لتقييد عمليات البحرية الروسية في البحر الأسود.
إنّ هجوم ميناء سيفاستوبول يُظهر بوضوح أن أوكرانيا تجيد استخدام الصواريخ بفعالية، وبالتأكيد يتوجب على ألمانيا تسليم صواريخ توروس إذا كانت جادة في مساعدة أوكرانيا على تحرير أراضيها.
ومع ذلك، استمرار تصوير هذه الأسلحة وغيرها كعوامل تغيير محتملة للواقع في الحرب يشوش على النقاش ويضر بجهود أوكرانيا، فالفكرة بوجود طريق مختصر نحو النصر تثير توقعات بانتهاء سريع للصراع، وهو سيناريو غير واقعي يصعب تحقيقه من قبل أوكرانيا بعد مرور أكثر من 18 شهرًا من الحرب الشاقة.
ولذا، من الضروري الآن التركيز على واقعية أكبر حيال إمكانيات الأسلحة الفردية والتأكد من تزويد أوكرانيا بما تحتاجه للمضي في الصراع بشكل مستدام.
إنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل فكرة الاعتماد على الأسلحة التي تغيِّر قواعد الصراع مشوشة وخطيرة، ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي إلى تقويض الدعم العسكري طويل الأمد الذي تقدمه الحكومات الغربية، حيث يصعب عليها تحقيق توقعاتها بشأن تأثير محتمل لتلك الأسلحة.
فعلى سبيل المثال، عندما تمكن الجنود الأوكرانيين بسرعة من التعامل مع دبابات من طراز ليوبارد 2 ومعدات أخرى من صنع الغرب، فقد أثار هذا الأمر توقعات غير واقعية بأن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى نجاح في ساحة المعركة.
لكنهم لم ينظروا إلى ما إذا كانت فترة تدريب محدودة على عدد قليل من الآليات قادرة على تنفيذ هجمات معقدة ضد التحصينات الروسية المحضرة جيدًا.
ويمكن أن تثير خيبة الأمل الخلافات بسرعة، وتملأ الأجواء باتهامات تشير إلى عدم توفير الأسلحة بسرعة كافية أو بأعداد كافية.
وعندما يعبر الأوكرانيون عن هذه الانتقادات، يشعر بعض صنّاع السياسة الغربيين بأن كييف قد تظهر عدم الامتنان. ولذا فإن التركيز الزائد على أنواع معينة من الأسلحة يمكن أن يؤدي إلى التوتر الدبلوماسي والعسكري بين أوكرانيا وشركائها الغربيين.
وبالنسبة للصواريخ ذات المدى البعيد مثل صاروخ توروس، فهي تُعرض بشكل خاص لتغيير قواعد الصراع، وتُعتبر الذخائر الموجهة بدقة مثل صواريخ كروز من أهم المكونات في مختلف الحملات العسكرية غير المتوازنة التي نفذتها الولايات المتحدة وقوات غربية أخرى، بما في ذلك حرب الخليج عام 1990-1991 والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ويتفاقم التركيز على الصواريخ بعيدة المدى في المناقشة الغربية بسبب الوضع الأسطوري تقريبًا لعقيدة معركة الهواء البرية التي تتبناها المؤسسة العسكرية الأميركية، والتي تم تطويرها لأول مرة في السبعينيات كوسيلة لهزيمة العدوان السوفييتي في أوروبا.
ودعت هذه العقيدة، وأمور أخرى، إلى استخدام ضربات دقيقة بعيدة المدى لتدمير القوات السوفيتية، وعقد القيادة والسيطرة، ومستودعات الإمدادات في عمق مؤخرة القوات المتقدمة.
ويُعرف أيضًا تدمير أو تعطيل قيادة العدو وسيطرته ولوجستياته بعيدًا عن خط المواجهة باسم المعركة العميقة، وغالبًا ما يُنظر إليها على أنها الخلطة السرية للنجاح العسكري الغربي السريع في العقود الأخيرة.
وإنه ليس من المفاجئ إذن أن العديد من المعلقين – وخاصة أولئك الذين خدموا في الجيوش الغربية في الثمانينيات والتسعينيات – بذلوا قصارى جهدهم لتسليط الضوء على حملة المعارك العميقة في أوكرانيا.
ونتيجة لذلك، فإن الذخائر الموجهة بدقة مثل صواريخ توروس كروز، فضلاً عن أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) التي يبدو أن واشنطن على وشك تسليمها، تعتبر أصولاً مهمة لأوكرانيا.
لا يعني أي من ذلك أن يجب أن تُمنح أوكرانيا تلك الصواريخ، ولكن الأمر يتطلب درجة معينة من الواقعية حيال ما يمكن أن تحققه.، كما أنّ هناك سببين رئيسيين يجعلان من الصواريخ مثل Taurus وATACMS لها تأثير محدود على ساحة المعركة. أولًا، لقد تم تزويد القوات الأوكرانية بأنظمة مماثلة بالفعل، لذا صواريخ كروز الإضافية ستقوم بتجديد ترسانة أوكرانيا بالفعل، ولكنها لن تضيف قدرة إضافية كبيرة ستجبر القوات الروسية على التكيف معها.
ثانيًا، من خلال بحثي الميداني في أوكرانيا خلال الصيف، رأيت أن هناك سوء فهم أساسي من قبل بعض المراقبين حول ما يمكن تحقيقه من خلال حملة معركة عميقة.
ببساطة، شن حملة قتالية عميقة لتفكيك النظام العسكري الروسي بشكل منهجي في الجزء الخلفي من خط المواجهة، بما في ذلك اعتراض خطوط الإمداد، يعد أمرًا أصعب بكثير مما يتصوره بعض المحللين.
ومن الواضح أن صواريخ توروس ستعزز القدرات الأوكرانية الحالية بشكل ملحوظ، ويصل مداها الفعّال إلى 500 كيلومتر، وتم تصميمها خصيصًا للاستخدام ضد أهداف محصنة ومدفونة، مثل مخابئ القيادة ومستودعات الذخيرة والجسور ومراكز النقل الرئيسية وغيرها.
وبناءً على المعلومات المتاحة، يحمل الصاروخ رأس حربي قوي قليلًا مقارنة بالذخائر الموجهة بدقة الأخرى المتاحة لأوكرانيا، مما يزيد من فعاليته في تعطيل الجسور، بما في ذلك تلك التي تربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي لأوكرانيا، ومع ذلك، في الواقع، كان انعدام قوة الاختراق مشكلة أقل أهمية بالنسبة للصواريخ الأوكرانية مقارنةً بالاستهداف الدقيق وتفادي أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الروسية. ونظرًا للقيود المحتملة التي قد تفرضها ألمانيا على استخدام الصواريخ، فإن الميزة الرئيسية الوحيدة التي تمتلكها هذه الصواريخ بالمقارنة مع الأسلحة المماثلة التي تستخدمها أوكرانيا بالفعل – وهي مداها الأطول – ستكون محدودة.
وإنّ السبب الآخر وراء عدم قدرة صواريخ توروس على تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لأوكرانيا هو أنه من غير المرجح أن تقدم ألمانيا كمية كافية منها لتحقيق فارق كبير. وبناءً على التقارير المنشورة وتقييماتي الخاصة، فقد قامت بريطانيا وفرنسا معًا بتزويد أوكرانيا بما يتراوح بين 250 إلى 400 صاروخ كروز منذ أيار/ مايو، حيث أطلقت أوكرانيا منها ما بين 180 إلى 200 صاروخ.
ومن المحتمل أن تقوم ألمانيا بتجديد ترسانة أوكرانيا بحوالي 150 صاروخ كروز من طراز توروس، والتي، وفقًا لأحد التحليلات، ستوفر لكييف ما يكفي من الذخيرة الموجهة بدقة لتمديد حملتها ضد الأهداف الروسية في الجزء الخلفي من خط المواجهة لمدة شهرين آخرين. وعلى الرغم من أهمية ذلك بالنسبة لأوكرانيا، إلا أننا لا ينبغي أن نتوقع أن يكون له تأثيرًا استراتيجيًا كبيرًا.
حتى في حالة زيادة الكميات – سواء من صواريخ Taurus بمفردها أوبالتعاون مع نظام ATACMS – لا يمكن أن تكفل إحداث تأثير يقوم بتغيير قواعد اللعبة.
كما أشار مايكل كوفمان وروب لي، يكون تنفيذ حملة قتالية عميقة ناجحة أصعب بكثير مما يعتقده معظم المعلقين.
إن اعتراض خطوط الإمداد أو تنفيذ استهداف ديناميكي أو إنشاء سيطرة على النيران في الخلفية يعتبر مهمة صعبة جدًا بدون تفوق جوي، ولتنفيذ حملة قتالية عميقة بشكل منهجي، ستحتاج أوكرانيا إلى معلومات استخباراتية مستمرة، بالإضافة إلى قدرات مراقبة واستطلاع محسّنة (مثل الأقمار الصناعية والمركبات الجوية غير المأهولة) لتحديد وتتبع الأهداف الروسية بفعالية.
ونظرًا للتدابير الروسية المضادة الفعّالة، مثل التشويش الكهرومغناطيسي للطائرات بدون طيار وافتقار أوكرانيا إلى منصات استطلاع متطورة وغياب السيطرة على السماء، فإن التغطية المستمرة للعمق الروسي تبدو تحديًا صعبًا.
ويبدو أيضًا أن الأمل في أن يغير Taurus وATACMS قواعد اللعبة يتجاهل التكيف الروسي المنهجي منذ إدخال قاذفات الصواريخ المتعددة HIMARS في صيف عام 2022.
وقد قوّا الروس مراكز القيادة والسيطرة، ونوعوا شبكة الإمداد الخاصة بهم، وأصبحوا غير قادرين على الاعتماد على مستودعات الذخيرة الضخمة والمكشوفة قرب خط المواجهة. وحتى لو كانت أوكرانيا قادرة على استخدام صواريخ بعيدة المدى بشكل أكثر تنظيمًا وبكميات أكبر، فمن غير الواضح مدى فعالية مثل هذه الحملة المكلفة ضد خصم روسي قوي يمتلك دفاعًا جويًا وصاروخيًا متطورًا وقدرات حرب إلكترونية قوية.
أخيرًا، صحيح أن الخدمات اللوجستية الروسية تتعرض لضغوط متزايدة، كما يتضح من انخفاض معدلات نيران المدفعية بالإضافة إلى الصعوبات في تناوب القوات من وإلى مواقع الخطوط الأمامية.
لكن القوات الروسية لا تزال قادرة على شن هجمات مضادة، وإطلاق نيران البطاريات المضادة، ومواصلة القصف المدفعي الثابت نسبياً في مواجهة الهجمات الأوكرانية.
باختصار، ونظرًا لتوافر الصواريخ والتكيف الروسي، فإن التوقعات بشأن ما يمكن تحقيقه بالصواريخ بعيدة المدى في العمق الروسي الخلفي تتجاوز كثيراً الفعل الحقيقي التي من الممكن أن تحدثه.
ولا ينبغي لنا أن نتوقع تأثيرًا مفاجئًا ومدمرًا على المجهود الحربي من صواريخ إضافية دقيقة، حتى لو كانت مسلحة برأس حربي أكثر قوة ولها مدى أطول، مثل نظام ATACMS. وبدلاً من ذلك، ستكون هذه الأنظمة بمثابة رصيد إضافي لمساعدة أوكرانيا على استنزاف قدرة روسيا على شن هذه الحرب ببطء.
وفي الحقيقة إن صواريخ توروس أو ATACMS من غير المرجح أن تغير قواعد اللعبة في ساحة المعركة لا تعني أنه لا ينبغي إرسالها، بل على العكس من ذلك، يشكل الدعم الغربي للحفاظ على قدرة أوكرانيا على توجيه الضربات الدقيقة عنصرًا مهمًا في استراتيجية الاستنزاف الشاملة للقوات المسلحة الأوكرانية.
وتتلخص إحدى الطرق لزيادة الفعالية المحتملة للصواريخ في رفع القيود المفروضة على استخدامها، على سبيل المثال، من خلال السماح لأوكرانيا باستهداف جسر كيرتش.
وبقدر ما تحتاج أوكرانيا إلى الصواريخ الألمانية والأمريكية، فمن المهم للغاية إجراء نقاش أكثر دقة حول ما يمكن لأنظمة الأسلحة الفردية تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه في هذه الحرب.
والحقيقة المرة هي أنه لا توجد طرق مختصرة لتحقيق النصر باستخدام أسلحة محددة أو عقيدة المعركة العميقة الغربية، وكلما أسرعنا في الاعتراف بهذه الحقيقة البسيطة، كلما قلت احتمالات خيبة الأمل والاحتكاك بين أوكرانيا وشركائها ــ وزاد احتمال أن تتمكن كييف من الحصول على القدرات والموارد التي تحتاجها لمواجهة العدوان الروسي في حرب من المرجح أن تكون طويلة.