تقارير تحليلية دولي

تحالف دول الساحل ومستقبل الأمن الجماعي في غرب إفريقيا

تشهد منطقة غرب إفريقيا اضطرابات سياسية وأمنية غير مسبوقة، وسط تصاعد التهديدات الإرهابية وتراجع فعالية المؤسسات الإقليمية التقليدية، وعلى رأسها منظمة الإيكواس.

في هذا المناخ، شكّلت مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحالفًا جديدًا يُعرف بـتحالف دول الساحل (AES)، وانسحبت رمزيًّا من الإيكواس في تحوّل استراتيجي يُعيد رسم معالم الأمن الجماعي في المنطقة.

خلفية الانقسام بين الإيكواس ودول الساحل

أدى تصاعد الانقلابات العسكرية في دول الساحل منذ 2020 إلى توتّر مع الإيكواس، واتُّهمت الإيكواس بأنها أداة بيد القوى الغربية (خصوصًا فرنسا)، مما دفع الدول الثلاث إلى فقدان الثقة بها.

العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإيكواس بعد الانقلابات فاقمت الوضع الداخلي وأثارت غضبًا شعبيًّا ضدها، وفشلت المبادرات الأمنية مثل قوة الساحل المشتركة في تقديم نتائج ملموسة.

تحالف الساحل.. بديل أم تحدٍ؟

يمثل التحالف مشروعًا سياسيًا-عسكريًا بديلا يسعى للسيادة والتحرّر من النفوذ الخارجي، يُنظر إليه كتحدٍ مباشر للإيكواس من حيث التوقيت، والخطاب، والاصطفافات (خصوصًا مع روسيا).

رغم طموحه، يعاني التحالف من هشاشة مؤسسية وافتقاده للشرعية الديمقراطية، بخلاف الإيكواس ذات البنية الراسخة.

الإرهاب وتراجع الاستجابة الإقليمية في مناطق تحالف الساحل

إن تصاعد نفوذ جماعات مثل داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، واستفادتها من الفراغات الأمنية، وتراجع التنسيق، وانسحاب القوات الغربية، والاعتماد على فاعلين جدد (مثل فاغنر) زاد المشهد تعقيدًا.

أبرز التحديات تشمل ضعف البنية الأمنية، وهشاشة الدولة، وتنامي الفقر والتهميش.

الوساطة الجارية وحدودها

السنغال تقود جهود وساطة لإعادة بناء الجسور، بدافع الحفاظ على الحد الأدنى من التعاون الإقليمي، وتمسك الإيكواس بالشرعية الدستورية مقابل رفض الأنظمة العسكرية تقديم تنازلات، وقد تصل الوساطة إلى حد التفاهم دون عودة سياسية فعلية.

السيناريوهات المستقبلية

هناك عدة سيناريوهات محتملة في المستقبل، فإما “التكامل المرن” من خلال تفاهمات أمنية دون عودة سياسية كاملة للإيكواس، أو “الانقسام الثنائي” من خلال نشوء قطبين أمنيين متنافسين في الإقليم هما إيكواس وتحالف الساحل، أو “الأمن المجتمعي” من خلال التركيز على الحلول المحلية والهوية الثقافية لتعزيز الأمن، أو “الفوضى الأمنية” من خلال انهيار شامل يتيح للجماعات المسلحة السيطرة على مناطق واسعة.

ختامًا، تحالف دول الساحل يُعدّ ردّ فعل على فشل النظام الإقليمي التقليدي، لكنه لا يزال يفتقر إلى مقومات البديل المؤسسي القوي.

من جهة أخرى، تحاول الإيكواس الحفاظ على وحدتها وهويتها الديمقراطية، وبين الطرفين، تبرز التفاهمات الأمنية المشتركة كنافذة للتعاون البراغماتي في مواجهة الإرهاب المتنامي.

المستقبل مرهون بإمكانية الوصول إلى نموذج مرن وواقعي للتعاون الأمني، يوازن بين احترام سيادة الدول ومقتضيات التكامل الإقليمي، في سياق دولي يُعاد فيه توزيع النفوذ داخل إفريقيا

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى