محمود حكميان يكتب لـ”بوليتكال كيز | Political Keys”: الوضع الداخلي في إيران على شفا حفرة
بالتزامن مع الضربات التي تتلقاها الميليشيات الإيرانية، والتهديدات الاسرائيلية بضربة في العمق الإيراني، يتساءل البعض، هل من الممكن أن نشهد حراكا للمعارضة الإيرانية عسكريا أو مدنيا وسياسيا بحيث يتم استغلال الضعف الذي يتعرض له النظام الإيراني، الحقيقة، أنه فيما يتعلق بالضربات التي تلقاها النظام، أفضّل أن أبدأ بشرح الوضع من خلال تصريحات المسؤولين والخبراء داخل النظام نفسه.
محمد صادق شهبازي، كاتب وصحفي حكومي، قيّم الوضع الحالي بأنه أكثر خطورة من جميع الأزمات السابقة مثل احتجاجات عام 2009، 2017، 2019، 2022، وحتى حرب إيران والعراق، حيث قال: “لم يكن أيّ من أزماتنا، حتى الحرب المفروضة، بأهمية هذه المرحلة”، شهبازي أعرب بشدة عن أسفه لتأخير عملية “الوعد الصادق” ووصف فقدان “السيد” (ربما إشارة إلى السيد حسن نصر الله) بأنه “غضب إلهي”، كما أكد أن في هذه المرحلة، أصبحت شبكات المعارضة مثل مجاهدي خلق أكثر نشاطًا بشكل كبير، لدرجة أنهم لم يظهروا بهذا الحجم حتى في عام 2022.
لفهم أفضل، لتبعات هذا الوضع الخطير، من المفيد إلقاء نظرة على تصريحات عباديزاده، إمام جمعة بندر عباس، حيث اعترف بأن أكبر خوف للنظام هو من الانتفاضات الداخلية وليس من الهجوم العسكري، وفي خطبة الجمعة الأخيرة، قال: “أكثر ما نخشى ليس أن تأتي طائرات العدو وتقصف نقطة ما، ونحن لا نقلق من هذا الأمر، إنما نخشى الحرب النفسية داخل البلاد، نحن قلقون من أن يتم جرّ البلاد إلى الفوضى والشغب، ويجب أن نكون حذرين من مكائد وتحركات العدو في مجتمعنا”.
هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها الخوف من الانتفاضات الداخلية، فقد اعترف مسؤولون آخرون في النظام سابقًا بأن التهديد الأكبر للنظام ينبع من داخل المجتمع الإيراني، وهو مجتمع يعيش في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة، كبرميل بارود ويمكن أن ينفجر في أي لحظة بشرارة واحدة، النظام مدرك تمامًا لهذا الوضع، ولذلك يسعى إلى تجنب أي هجوم أو صراع قد يشعل شرارة انتفاضة شعبية، ولهذا السبب، لجأ النظام إلى الدول الغربية وأمريكا لمنع أي هجوم، بل وهدد حتى الدول العربية بأن أي تحرك من أراضيها سيُقابل بالهجوم، كل هذه التدابير في الواقع تهدف إلى منع إشعال فتيل انتفاضة داخلية.
منذ تأسيسه، تبنى هذا النظام سياسة تصدير الأزمات والإرهاب، لأنه لم يرغب ولم يكن قادرًا على حل التناقضات والمشاكل المجتمعية، ولذلك، ونتيجة لخوفه من المقاومة والاحتجاجات الشعبية وانتفاضة مجاهدي خلق، أعلن قادة النظام مرارًا، من خامنئي شخصيًا الى المسؤولين الآخرين، أنهم إذا لم يقاتلوا في سوريا ولبنان (سواء بشكل مباشر أو عبر الوكلاء)، فسيضطرون إلى القتال في همدان وكرمانشاه وطهران.
من جهة أخرى، يتساءل الكثيرون حول حقيقة أن قائد فيلق القدس يتعرض للاستجواب وعن انعكاسات ذلك على المؤسسة العسكرية لإيران، الأخبار المتعلقة بالتحقيق مع قائد فيلق القدس تمثل إشارة واضحة إلى الأزمة العميقة التي يمر بها الهيكل العسكري للنظام، سواء كانت هذه الحادثة قد وقعت فعلًا أو كانت جزءًا من حرب نفسية، فهي تعكس التناقضات والصراعات الداخلية في المستويات العليا للحرس الثوري والمؤسسات الأمنية، هذه التطورات قد تؤثر بشكل كبير على معنويات القوات العسكرية والأمنية للنظام، وتزيد من الدوافع الداخلية لمقاومة القمع.
علاوة على ذلك، فإن الاختفاء المفاجئ لقائد رفيع في الحرس الثوري والأكاذيب المتداولة يوميًا حول مصيره تبعث برسالة واضحة عن الاضطراب الداخلي للشعب وللمنطقة، مما يكشف عن الضعف الشديد الذي يعاني منه هذا النظام، والذي لم يعد قادرًا حتى على تحديد مصير فرد في مستوى قائد فيلق القدس والإعلان عنه بوضوح.
تذكروا أن هذا القائد هو خليفة قاسم سليماني، الذي كان في وقت من الأوقات الرجل الثاني في النظام بعد خامنئي، وكان يتمتع بهيبة كبيرة سواء داخل البلاد أو في المنطقة، ولكن اليوم، وصلوا إلى هذا الحال المتردي.
الوضع الداخلي في إيران يعاني حاليًا من استياء شديد بين الناس ومن أزمة اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة السياسات الخاطئة للنظام، الاحتجاجات المستمرة في مختلف أنحاء البلاد والإضرابات التي يقوم بها العمال والمعلمون تعكس تصاعد مستوى السخط الشعبي، في ظل هذه الظروف، تزداد احتمالات حدوث تغييرات جذرية من خلال احتجاجات شعبية واسعة النطاق، بل وحتى احتمال تشكل حركات مسلحة بين الناس.
بالنظر إلى ضعف القواعد الاجتماعية للنظام وازدياد الضغوط الدولية عليه، فإن احتمالية انهياره باتت أكبر من أي وقت مضى، وهذا ليس كلامنا بصفتنا المقاومة الإيرانية، بل كما ذكرت سابقًا، النظام نفسه يعترف بهذه المخاوف والقلق.
مع ذلك، لا يزال النظام يعتمد على أدوات القمع والسيطرة، ويحاول منع انتشار الاحتجاجات من خلال العنف والقمع، لفهم هذا الأمر، يكفي النظر إلى الزيادة غير المسبوقة في الإعدامات خلال هذه الفترة الأخيرة، فمنذ أن تم تعيين مسعود پزشكيان، الذي يدعي الإصلاحية، رئيسًا للجمهورية حتى الآن، تم إعدام نحو 300 شخص، وهو عدد لم يشهد له مثيل حتى في عهد إبراهيم رئيسي المعروف بقاضي الموت، لكن، في حال تم تنظيم المقاومة بشكل أكثر فعالية وتوسيع نطاق العصيان المدني، قد يفقد النظام السيطرة بسرعة.
بالنسبة للمعارضة الإيرانية فقد حسنت قدراتها في السنوات الأخيرة في مجالات مختلفة، لا سيما في مجال تنظيم الاحتجاجات المدنية والأنشطة المعلوماتية، حيث استطاعت إنشاء شبكات فعالة داخل البلاد وخارجها، ورغم أن هناك قيودًا عسكرية، إلا أن المعارضة تمتلك القدرة على تنفيذ عمليات نوعية ودقيقة يمكن أن تؤدي إلى إضعاف معنويات القوات الأمنية للنظام، باستغلال الدعم الشعبي والضغوط الدولية، تستطيع المعارضة زيادة تأثيرها من خلال تنظيم إضرابات واسعة، حملات معلوماتية، وحتى عمليات محددة الهدف، مما سيمكنها من فرض وقائع جديدة على النظام.
على سبيل المثال، في الآونة الأخيرة لجأ النظام الإيراني إلى تنفيذ أحكام إعدام واسعة النطاق لترهيب الشعب وتأخير الانتفاضة الشعبية قدر الإمكان، وبتوجيه من خامنئي، تم إعدام أكثر من 30 شخصًا في اليومين الأول والثاني من شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
في المقابل، فإن المقاومة الإيرانية ووحدات الانتفاضة التابعة لمجاهدي خلق في الداخل، يعملون بكل طاقتهم على حملة كبيرة بعنوان: “لا للإعدام”، وعلى المستوى الدولي، ركزت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، جهودها في عدة جلسات ومؤتمرات سياسية كبيرة على هذه الحملة، وكثفت جهودها على إثارة المجتمع الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران.
بفضل هذه التضحيات والجهود التي بذلتها المقاومة، حققت الحملة مؤخرًا إنجازات قيّمة في هذا المجال، ومع مرور العاشر من أكتوبر، اليوم العالمي لمناهضة الإعدام، انضم 1500 شخصية عالمية بارزة إلى هذه الحملة، من بينهم 34 من الرؤساء ورؤساء الوزراء السابقين، 59 وزيرًا سابقًا، 93 دبلوماسيًا ومقررين سابقين في الأمم المتحدة، 102 من القضاة والمحامين الدوليين البارزين، 109 من خبراء حقوق الإنسان، 46 من الفائزين على جائزة نوبل، 455 من أعضاء البرلمانات، 90 عمدة، و85 من أعضاء المجالس البلدية.
كما عُقد مؤخرًا تجمع كبير في مدينة برلين في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حيث اجتمع عشرات السياسيين الألمان البارزين، الخبراء القانونيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان لإدانة الاستخدام المفرط لعقوبة الإعدام من قبل النظام الإيراني، وإعلان دعمهم للتغيير الجذري في إيران، وقد شاركت السيدة رجوي في الجلسة عبر الإنترنت.
وحول التحركات السياسية لرضا بهلوي وهل هي تحركات جدية ممكن أن تثمر على الأرض، فإن طرح هذا الموضوع مرة أخرى في هذه الظروف يعكس الوضع المهتز والمتزعزع للنظام، إن التحركات السياسية لرضا بهلوي في الواقع تفتقر إلى أي دور عملي في النضال ضد النظام الإيراني، فهو معروف فقط بكونه ابن ديكتاتور يعيش في الولايات المتحدة ويمثل نفسه فقط، ويبدو أنه في وهم العودة إلى العرش، ولكن الحقيقة هي أن الشعب الإيراني قبل 43 عامًا، بانتفاضته، أطاح بنظام الشاه، لأن نظام الشاه كان نظامًا فاسدًا ومرتبطًا بالقوى الأجنبية مثل أمريكا وبريطانيا، حيث أسقطوا حكومة الدكتور مصدق الوطنية بانقلاب، وظلم رضا شاه وابنه الشعب الإيراني لعقود، حيث قاموا بقمع الأصوات المعارضة وسجن وتعذيب وإعدام الشباب، خلال هذه الفترة، تم إعدام العديد من مؤسسي وأعضاء منظمة مجاهدي خلق، وساهم قمع نظام الشاه الواسع في تمهيد الطريق لخميني ليصل إلى السلطة.
الشعب الإيراني، بتجربته المريرة مع نظام الشاه، لا يرغب في العودة إلى الماضي، وقد رفعوا خلال احتجاجاتهم مرارًا شعار “لا للشاه ولا للشيخ”، ومع ذلك، فإن بعض أعداء الشعب الإيراني والدول الغربية لا يريدون أن تثمر الانتفاضات الشعبية بقيادة مجاهدي خلق، بل يسعون لفرض خيار عميل مثل رضا بهلوي للحفاظ على سيطرتهم على إيران، ولهذا السبب، يتم الترويج له بشكل كبير في وسائل الإعلام الغربية، وحتى النظام نفسه يساهم في تضخيم هذا الأمر لاستخدامه كأداة لمواجهة مجاهدي خلق وإحداث فجوة بينهم وبين الشعب.
فيما يتعلق برضا بهلوي، ما هو مؤكد هو أن الشعب يرفع شعاراته في الشوارع، فقط من خلال النضال الميداني يمكن نيل الحقوق، وهذا يعني أن المقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق، بفضل شبكتهم الاجتماعية الواسعة داخل إيران، قادرون على قيادة الانتفاضة.
أما شخص مثل رضا بهلوي، الذي لا يمتلك قاعدة شعبية أو شبكات دعم داخلية، فكيف يمكنه أو يستطيع قيادة الانتفاضة؟ هل ينوي الوصول إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري تدعمه دولة أجنبية؟ في تموز/ يوليو الماضي، نفذت وحدات الانتفاضة التابعة لمجاهدي خلق أكثر من 20,000 حركة احتجاجية في الداخل دعمًا للتجمع السنوي للمقاومة الذي حضره مئات الشخصيات الدولية.
كما أعلنت منظمة مجاهدي خلق أن أكثر من 3000 من أعضاء وحدات الانتفاضة فقدوا منذ بداية احتجاجات 2022 (إما تم اعتقالهم وسجنهم أو قتلهم)، هذه هي مؤشرات على القاعدة الاجتماعية لمجاهدي خلق.
المقاومة الإيرانية أعلنت منذ فترة طويلة أنه إذا كان رضا بهلوي يريد حقًا النضال ضد النظام، فعليه أن يعلن بوضوح دعمه للجمهورية وليس لنظام الشاه، وأن يدين جرائم والده ضد الشعب الإيراني، ولكنه لم يفعل ذلك، بل سعى، بمبررات مثل جذب قوات الحرس الثوري، إلى إقامة اتصالات مع عناصر النظام، من جانبه، يحاول النظام تعزيز هذه الاتصالات ويربط معارضيه به.
حتى بعض النشطاء الداخليين مثل هاشم خواستار، ممثل المعلمين الإيرانيين الذي قبع في السجن لسنوات، أشاروا إلى هذه القضية وقالوا إنه في ذروة الانتفاضات، لماذا تم فجأة تسليط الضوء على رضا بهلوي؟ لقد أشار إلى كيف يحاول النظام، في مواجهة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، تحويل التهديد الرئيسي منهم إلى بديل أقل خطورة مثل رضا بهلوي، حيث قال له المحققون في السجن: “لماذا تدعم مجاهدي خلق؟ لا تفعل ذلك؛ إذا كنت تريد، سنعطيك رقم هاتف رضا بهلوي لتتواصل معه”، فرد هاشم خواستار بالرفض.
لفهم مدى خدمة ابن الشاه للملالي، أشير إلى حقيقة جديدة: نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 وثيقة سرية للنظام الإيراني تفيد بأن “إيران تركز على خطط لإنشاء شبكة من النخب في الولايات المتحدة تكون قادرة على التأثير على حكومة ترامب المحتملة”، وأضافت الوثيقة: “إن إنشاء شبكة من هؤلاء الأفراد الذين يمكنهم الترويج غير المباشر لنوايا ومصالح إيران والسيطرة على الرأي العام في حال حدوث توتر بين إيران والولايات المتحدة أمر حيوي”، وتابعت تلغراف: “تقترح الوثيقة الإيرانية استخدام رضا بهلوي، ابن آخر شاه لإيران، ورغم أن رضا بهلوي مقيم في واشنطن ويُعتبر معارضًا للنظام، إلا أنه يُعد أداة مفيدة للترويج لقضايا مثل تخفيف العقوبات الأمريكية ضد النظام”.
أعتقد أنه بغض النظر عن مئات وآلاف الأسباب التي توضح كيف يتعاون الشاه والشيخ ضد الشعب الإيراني، فإن هذا الدليل وحده يوضح بجلاء كيف أن ابن الشاه يخدم الملالي ويقف ضد الشعب الإيراني.
محمود حكميان، ناشط سياسي وحقوقي، انضم إلى المقاومة ضد النظام الإيراني منذ أوائل الثمانينيات، في عام 1981، بعد بدء القمع والمجازر في إيران، انضم إلى المقاومة الإيرانية عندما كان طالبًا في كلية الطب في إحدى الدول الأوروبية، منذ ذلك الحين وحتى الآن، يواصل نشاطاته السياسية والحقوقية بشكل مستمر في إطار المقاومة الإيرانية. شارك حكميان في العديد من الجلسات البرلمانية والمحافل الحقوقية لكشف جرائم النظام الإيراني وألقى خطبًا فيها، كما نشر العديد من المقالات في مجال حقوق الإنسان والسياسات القمعية للنظام الإيراني، ساهمت جهوده في الدفاع عن حقوق الشعب الإيراني وتعريف العالم بجرائم النظام، ولعبت دورًا مهمًا في رفع مستوى الوعي الدولي حول هذه القضايا. حاليًا، يعمل محمود حكميان كعضو في لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.