شؤون تحليلية دولية

مدغشقر: ساحة جديدة للتنافس الفرنسي-الإماراتي على المعادن والطاقة

في ظل تصاعد التنافس الدولي على الموارد الطبيعية، تحولت مدغشقر إلى ساحة استراتيجية تستقطب اهتمام القوى العالمية الطامحة للسيطرة على المعادن النادرة والاستراتيجية، التي تُعد العمود الفقري للصناعات التكنولوجية والطاقة المتجددة. وبينما تتسابق فرنسا لتعويض خسائر نفوذها في غرب ووسط إفريقيا من خلال العودة إلى مستعمراتها السابقة في شرق القارة، برزت الإمارات كلاعب اقتصادي طموح يسعى لترسيخ حضوره عبر استثمارات متنوعة في الطاقة والبنية التحتية والتعدين.

فرنسا ومدغشقر: استراتيجية العودة لتأمين المعادن الحيوية
خلال زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدغشقر يومي 23 و24 أبريل الماضي، أعلن عن رغبة بلاده في الدخول في شراكة استراتيجية مع حكومة مدغشقر في مجال المعادن النادرة والمعادن الاستراتيجية. رغم أن هذا الملف لم يكن مدرجًا ضمن جدول الأعمال الرسمي للزيارة، إلا أن ماكرون حرص على إدراجه شخصيًا، مؤكدًا أن فرنسا تسعى إلى بناء علاقة طويلة الأمد تركز على تطوير قطاع التعدين المحلي واستغلال موارد مدغشقر في دعم التحول الطاقي، خاصة الطاقة الكهروضوئية.
ودعا الرئيس الفرنسي إلى الإسراع في وضع خارطة طريق تشمل التمويل وخطوات التنفيذ لتأمين مصالح باريس في قطاع المعادن الحيوية. كما أشار إلى إمكانية تعاون أوسع في مجالات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا الرقمية.

الإمارات ومدغشقر: توسع اقتصادي هادئ ومشاريع ملموسة
في 30 يونيو، وقعت حكومة مدغشقر اتفاقًا مع شركة Global South Utilities الإماراتية لبناء محطة طاقة شمسية بقدرة 50 ميجاواط مع خزان طاقة بقدرة 25 ميغاواط ساعي في مدينة “مورامانغا”، مع خطة توسعية لتوليد طاقة تصل إلى 250 ميجاواط في المستقبل.
كما شهدت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين توسعًا في مجالات أخرى، حيث افتُتح منتدى أعمال مشترك في دبي ركز على تعزيز الاستثمارات الإماراتية في مجالات الطاقة، الزراعة، التعدين، والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت الإمارات شراكة مع حكومة مدغشقر لإطلاق مشروع مشترك لتكرير الذهب، مع تصدير الإنتاج وفق معايير عالمية. وفي نفس الإطار، جرى تعزيز التبادل الدبلوماسي من خلال فتح سفارة لمدغشقر في “أبوظبي”، وزيادة عدد رحلات “طيران الإمارات” إلى أنتاناناريفو إلى ست رحلات أسبوعيًا لدعم الروابط التجارية والسياحية.

أهداف كل طرف: تأمين المصالح والنفوذ

  1. فرنسا:
    تتمثل أهداف فرنسا من الدخول في شراكة مع مدغشقر في عدة مستويات؛ فهي تسعى بشكل أساسي إلى تأمين مصادر مستقلة للمعادن النادرة بعيدًا عن الهيمنة الصينية، وذلك بهدف حماية سلاسل إمدادها الحيوية التي تخدم الصناعات التكنولوجية والعسكرية الفرنسية. كما تسعى باريس إلى تعويض خسائر نفوذها في غرب ووسط إفريقيا، بعد أن خسرت مواقعها التقليدية في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتحاول من خلال هذا التحرك استعادة موطئ قدم استراتيجي في شرق القارة.
  2. الإمارات:
    في المقابل، تتحرك الإمارات بأهداف مختلفة لكنها لا تقل أهمية. تسعى أبوظبي إلى تنويع استثماراتها في إفريقيا، خصوصًا في قطاع الطاقة المتجددة، بما يتماشى مع استراتيجيتها في بناء شبكة نفوذ اقتصادي هادئة ومستدامة. كما تعمل الإمارات على تعزيز وجودها في سوق الذهب الإفريقي، وهو قطاع يتسارع فيه الطلب الدولي. إلى جانب ذلك، تستثمر الإمارات بقوة في مشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة في مدغشقر، مقدّمة نموذجًا استثماريًا أقل حساسية سياسية مقارنة بالوجود الفرنسي التقليدي، ما يتيح لها توسيع نفوذها الاقتصادي بثقة أكبر لدى الحكومات والمجتمعات المحلية.

ثروات مدغشقر المعدنية: كنز ينتظر الاستغلال
تُعد مدغشقر من أغنى دول إفريقيا في مجال المعادن النادرة والاستراتيجية، وتشمل أبرز مواردها:
• الجرافيت: تمتلك ثاني أكبر احتياطي عالمي بعد الصين، وتُعتبر من أكبر الدول المنتجة والمصدرة.
• الكوبالت: معادن استراتيجية ضرورية لصناعة البطاريات والتقنيات الخضراء.
• النيكل: عنصر أساسي في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ.
• اليورانيوم: معدن حيوي يستخدم في قطاع الطاقة النووية.
• الكروميت: يدخل في الصناعات المعدنية والعسكرية.
• التيتانيوم: يستخدم في صناعة الطائرات والمعدات العسكرية.
• الدولوميت، الحديد، الزنك، الكوارتز: معادن هامة للاستخدام الصناعي.
• الأحجار الكريمة: مثل الياقوت والزمرد والعقيق والكوارتز الوردي.

الواقع والتحديات المحتملة: عقبات في طريق النفوذ

  1. التنافس الدولي: تواجه فرنسا منافسة مباشرة من الإمارات، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، كندا، واليابان في مدغشقر. تركز الإمارات على القطاعات المدنية والطاقة المتجددة، بينما تسعى فرنسا نحو المعادن الحيوية لصناعاتها الدفاعية والتكنولوجية.
  2. التحديات السياسية: الخلاف المستمر بين فرنسا ومدغشقر حول الجزر البحرية وملفات الاستعمار، يعقّد العلاقات الثنائية ويحدّ من سرعة إنجاز الاتفاقيات. بالمقابل، بنت الإمارات علاقات سياسية واقتصادية سلسة مع مدغشقر وحرصت على تحييد الملفات التاريخية.
  3. القبول الشعبي: قد تواجه استثمارات فرنسا رفضًا شعبيًا في مدغشقر نتيجة إرثها الاستعماري واتهامها بالسعي وراء “استعمار جديد” من خلال المعادن. في حين تتمتع الإمارات بقبول أكبر في المشاريع التنموية والطاقة الخضراء، خاصة بعد تقديم مشاريع خدمية وبنية تحتية للمجتمعات المحلية.

مدغشقر ساحة تنافس استراتيجي
وفي حين تسعى فرنسا لتعويض خسائرها الأفريقية السابقة عبر السيطرة على معادن مدغشقر النادرة لدعم صناعاتها الحساسة؛ تتوسع الإمارات بهدوء من خلال استثمارات في الطاقة والبنية التحتية ومشاريع تكرير الذهب، مما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا مستدامًا، ما يعزز مكانة مدغشقر الاقتصادية حيث أصبحت ساحة تنافس اقتصادي دولي، ويجعلها تحدد سياساتها المحلية، واستجابتها لمطالب المتنافسين، وموقفها من قوى مثل الصين والولايات المتحدة في مستقبل الشراكات.
ويشير الخبراء إلى أن الإمارات ستواصل كسب النفوذ عبر القنوات الاقتصادية المرنة، بينما قد تواجه فرنسا تحديات محلية ودولية تعرقل سيطرتها على قطاع التعدين إلا إذا قدمت تنازلات سياسية وأظهرت التزامًا حقيقيًا بالتنمية المحلية والبيئة.

المصدر: بوليتيكال كيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى