شؤون دولية

فرنسا تنسحب من السنغال: نهاية عهد القواعد العسكرية وبداية شراكات جديدة

في خطوة تاريخية تُؤكد التحولات المتسارعة في غرب إفريقيا، سلمت فرنسا، الثلاثاء الماضي، قاعدة عسكرية للسنغال كانت تستخدمها قواتها، وذلك في إطار الانسحاب الكامل للقوات الفرنسية من البلاد. هذا التسليم يأتي استجابةً لمطالب الرئيس السنغالي بشير جمعة فاي، الذي أعلن أواخر العام الماضي عن ضرورة إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية بحلول عام 2025. بدأت عملية الانسحاب فعليًا في مارس الماضي مع تسليم أولى المنشآت.

تفاصيل الانسحاب: مركز اتصالات استراتيجي خارج الخدمة
أعلنت السفارة الفرنسية في السنغال أن فرنسا سلمت مركز اتصالات عسكرية يقع في مدينة روفيسك القريبة من العاصمة دكار. هذا المركز كان مسؤولًا عن الاتصالات العسكرية على الساحل الجنوبي للأطلسي منذ عام 1960.
وأشار البيان إلى أنه من المتوقع استكمال انسحاب القوات الفرنسية من جميع المنشآت العسكرية في السنغال بحلول نهاية الشهر الجاري، بعد أن انسحبت سابقًا من قواعد “مارشال” و”سانت إكزوبيري” و”كونتر أميرال بروتيه”.

سياق التحولات الإقليمية: تعزيز السيادة الأفريقية
تأتي هذه التطورات في سياق واسع من التحولات الجيوسياسية في القارة الأفريقية، وتُعزى إلى عدة عوامل رئيسية:
• اتفاقية التعاون العسكري: تم توقيع قرار الانسحاب في 16 مايو الماضي من قبل اللجنة الفرنسية-السنغالية المشتركة، استنادًا إلى اتفاقية التعاون العسكري لعام 2012 بين البلدين.
• توجه السنغال نحو السيادة: يأتي الانسحاب بعد تعهد رئيس السنغال، بشير جمعة فاي، الذي تولى السلطة في عام 2024، بمعاملة فرنسا “كشريك أجنبي عادي”، الأمر الذي يعكس توجهًا واضحًا نحو إحكام السيادة الوطنية وتقليل الاعتماد على القوة الاستعمارية السابقة.
• حركة إقليمية للانسحاب: تُعد السنغال من آخر الدول الأفريقية التي تطلب انسحاب فرنسا، وكانت قد طالبت بإنهاء وجود 350 جنديًا فرنسيًا في البلاد منذ نوفمبر 2024. هذه الخطوة جزء من حركة أوسع تشمل دولاً مثل مالي، النيجر، وتشاد، حيث شهدت هذه الدول أيضًا انسحابات للقوات الفرنسية.
• تنويع الشراكات: تسعى دول غرب أفريقيا إلى تعزيز سيادتها وتقليل الاعتماد على فرنسا، خصوصًا بعد الإخفاقات الأمنية في منطقة الساحل، وتزايد نفوذ قوى دولية أخرى مثل روسيا، الصين، وتركيا.

“رفض الأبوة الغربية” وإعادة تموضع فرنسا
يُعبر انسحاب القوات الفرنسية عن “استقلالية متزايدة” لرغبة الحكومات الأفريقية في تنويع شراكاتها الأمنية بعيدًا عن باريس. هذه الخطوة تُوصف بأنها “رفض للأبوة الغربية”، في إشارة إلى انتقال نحو علاقات أكثر توازنًا وتعددية بين الدول الأفريقية والقوى الدولية.
في المقابل، يرى بعض الباحثين أن إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية يشكل فرصة لإعادة تصميم الشراكات العسكرية، بحيث تكون باريس أقل اعتمادًا على القواعد الدائمة، وأكثر تركيزًا على تلبية احتياجات الدول الشريكة من حيث التدريب والدعم اللوجستي. ويُشار إلى أن انسحاب فرنسا من السودان وتموضعها في دول مثل تشاد والسنغال يمثل “نقطة تحول استراتيجية”، ومؤشرًا على تراجع نفوذها في مقابل توسع النفوذ الروسي والإقليمي في القارة.
ختامًا، تُشير عدة تقارير صحفية إلى أن فرنسا تعمل على إنشاء قيادة عسكرية مخصصة لأفريقيا تحت اسم “Command for Africa”، في إطار إعادة تنظيم انتشارها العسكري، مع تركيز أكبر على المرونة والتدريب والدعم المتنقل بدلاً من الاعتماد على القواعد الثابتة. هذا التوجه يعكس محاولة فرنسية للتكيف مع المشهد الأمني المتغير في القارة السمراء والحفاظ على نفوذها بطرق مختلفة.

المصدر: بوليتيكال كيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى