تقارير أخبارية عربي

تفاصيل جديدة تكشف تورط عدة أطراف في كارثة مرفأ بيروت

يكشف تحقيق مشترك يجريه قضاة في فرنسا ولبنان عن تفاصيل جديدة ومقلقة بشأن الظروف التي أدت إلى تفريغ نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، ما تسبب في الانفجار الكارثي في الرابع من آب/ أغسطس 2020.

الوثائق التي اطلعت عليها مؤخرًا “بوليتكال كيز | Political Keys” تسلط الضوء على دور مستشار فرنسي لبناني يُدعى جورج قمر، وعقد غامض مع شركة بريطانية تُدعى سبكتروم، ساهم في وصول الشحنة المميتة إلى لبنان رغم غياب أي مبرر رسمي لذلك.

استُدعي قمر، المقيم في نورماندي، في تموز/ يوليو 2024 للاستجواب من قِبل القضاء الفرنسي في إطار تحقيق حول “القتل غير العمد” و”الإصابة غير العمد”، يقوده القاضيان نيكولا أوبيرتان وماري كريستين إيديارت.

وأبلغ قمر المحققين أن السنوات الأربع الماضية كانت “عذابًا”، ونفى أي صلة له بالشحنة، مشيرًا إلى أن دوره مع شركة سبكتروم اقتصر على تقديم الدعم اللوجستي والمشورة بشأن الإجراءات والمفاوضات مع الحكومة اللبنانية.

غير أن الوثائق التي اطلعت عليها “بوليتكال كيز | Political Keys” تظهر شذوذات كبيرة في العقد ودور قمر كوسيط، بالإضافة إلى عمولات ضخمة تم دفعها له مقابل الخدمات التي قدّمها.

العقد بين سبكتروم ووزارة الطاقة اللبنانية، الذي وقّع في آذار/ مارس 2012، كان يهدف إلى إجراء دراسات زلزالية لتقييم إمكانات لبنان النفطية، وقدّرت قيمته في حينه بما يصل إلى 150 مليون دولار.

لكن الوثائق تشير إلى أن هذا العقد استخدم كغطاء رسمي لتبرير دخول سفينة روسوس، التي كانت تحمل 2750 طنًا من نترات الأمونيوم، إلى مرفأ بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، رغم أنها لم تكن صالحة للإبحار منذ مغادرتها ميناء باتومي في جورجيا في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته.

السفينة توقفت في تركيا لمدة 19 يومًا، لكنها لم تتمكن من الرسو بسبب القيود الجديدة التي فرضتها السلطات التركية على المواد الكيميائية القابلة للاستخدام في تصنيع المتفجرات، على خلفية الحرب السورية.

نتيجة لذلك، تجوّلت السفينة بين السواحل التركية واليونانية في انتظار التعليمات، إلى أن استخدمت شركة سبكتروم السفينة لنقل معداتها الزلزالية إلى لبنان، وقد أكّد قبطان السفينة هذا القرار خلال استجوابه من قِبل الإنتربول، الذي أبدى في مذكرة داخلية دهشته من استخدام سفينة لا تفي بأي من معايير السلامة الدولية.

دور العقد في دخول السفينة إلى لبنان كان محوريًا، إذ وُثّق أن الجيش اللبناني، بعد أن تلقى تحذيرًا من قوات اليونيفيل حول مخاطر الشحنة، أرسل فاكسًا قال فيه إن “القارب خالٍ من المخاطر”، رغم أن الصور تُظهر أكياس نترات الأمونيوم مخزنة على سطح السفينة بشكل واضح مع علامات تحذير تؤكد طبيعتها المتفجرة.

من الناحية الرسمية، كانت وجهة السفينة موزمبيق، لكن توقفها الطويل ثم دخولها إلى بيروت يجعل هذه الرواية موضع شك، وتشير بيانات الجمارك اللبنانية إلى ارتفاع كبير في واردات النترات المخصبة في الفترة نفسها، بالتوازي مع قيود فرضتها تركيا على دخول هذا النوع من المواد.

ومن المعروف أن النظام السوري البائد استخدم نترات الأمونيوم لصناعة البراميل المتفجرة، ما أدى إلى تشديد الرقابة الدولية على الشحنات المشبوهة.

وثائق التحقيق تكشف أن شركة سبكتروم استعانت بخدمات الضغط التي يقدمها قمر، الذي تفاوض على عمولة تبلغ 5% من قيمة الإيرادات، وهي نسبة تتجاوز بكثير المعايير الدولية لمكافحة الفساد.

مصادر داخلية في شركة “تي جي إس”، التي اشترت سبكتروم في 2019، أعربت عن القلق من هذا الأجر الاستثنائي، وفي أيلول/ سبتمبر 2013، قدّمت وزارة الطاقة اللبنانية شركة أردنية تُدعى مركز الخدمات الجيوفيزيائية كمقاول فرعي لسبكتروم، لأن الأخيرة لم تكن تملك معدات أو طواقم كافية لتنفيذ عمليات المسح الزلزالي.

تصريحات الوزير السابق جبران باسيل، الذي كان يشغل منصب وزير الطاقة في تلك الفترة، تشير إلى أن البيانات الزلزالية التي تم بيعها جلبت ما بين 44 و107 ملايين دولار، وتم إيداع الأموال في حساب خاص بمصرف لبنان بانتظار إنشاء صندوق ثروة سيادية لم يتم تأسيسه حتى اليوم.

في المقابل، طالب قمر بدفع نحو 200 ألف دولار إلى حسابه في البنك اللبناني السويسري في أواخر عام 2013، وحتى الآن، لم يُعرف ما إذا كانت السلطات اللبنانية أو الفرنسية قد فتحت تحقيقًا في هذه المدفوعات.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي عقوبات على جبران باسيل بسبب “المشتريات العامة الملوثة بالاختلالات السياسية”، معتبرًا أن ممارساته ساهمت في تفاقم المأساة التي أدت إلى انفجار مرفأ بيروت، وقد رأت أوساط باسيل أن هذا القرار سياسي بامتياز، وهو أيضًا صهر الرئيس السابق ميشال عون.

تفاصيل إضافية عن العمليات الميدانية تُشير إلى أن 70 كيلومترًا فقط من أصل 500 كيلومتر كان من المفترض استكشافها في إطار مهمة المسح الزلزالي قد تم إنجازه، وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، أعلنت شركة سبكتروم توقف المشروع “لأسباب أمنية”، وطلبت نقل 10 حاويات من المعدات، منها 12 شاحنة و15 مركبة خفيفة.

لكن تحميل هذه المعدات على متن سفينة روسوس كان مستحيلًا لكونها محملة بالكامل ولا تملك منحدرًا مناسبًا، ما أدى إلى وقفها وعدم فحص شحنتها مجددًا.

بعد عام من رسوها، تم تفريغ جزء من أكياس النترات، وهي بحالة متدهورة، في العنبر رقم 12، وتشير تحقيقات الشرطة الفرنسية إلى أن 500 طن فقط من أصل 2750 طنًا انفجرت، فيما اختفى باقي الحمولة، أي نحو 2250 طنًا، في ظروف غامضة، ولا يُعرف ما إذا كانت الكمية المفقودة سُرقت من السفينة مباشرة أو من العنبر بعد التفريغ.

أما عقد سبكتروم، فلم يُستأنف إطلاقًا، تاركًا وراءه شبهة ثقيلة تتقاطع فيها المصالح التجارية والفساد السياسي والتواطؤ الأمني، وكلها أسفرت عن واحدة من أعنف الكوارث غير النووية في تاريخ البشرية.

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى