شؤون دولية

في ظل تراجع نفوذها.. باريس تستخدم القوة الناعمة لتحسين صورتها في إفريقيا

في ظل التراجع الملموس للنفوذ العسكري الفرنسي في القارة الأفريقية، تتجه باريس نحو استراتيجية بديلة تقوم على توظيف الأدوات الثقافية والفنية لتحسين صورتها واستعادة مكانتها الرمزية.

افتتاح الفضاء الثقافي الجديد (بيت العوالم الأفريقية) في باريس يمثل أحدث محاولة لإعادة بناء الجسور مع القارة عبر قنوات “القوة الناعمة” في وقت تتزايد فيه النزعات المعادية لفرنسا داخل الشارع الأفريقي.

الفضاء الثقافي الجديد، الذي افتتحته وزارة الثقافة الفرنسية بالتعاون مع مؤسسات فنية وبحثية، يقدَّم رسميًا كمركز مخصص لـ “التعبير الذاتي للأفارقة في فرنسا” ولتعزيز “حوار الثقافات بين الشمال والجنوب” يضم المركز معارض للفنون الأفريقية المعاصرة، ومنتديات فكرية، وفعاليات تستعرض التراث الموسيقي والأدبي للقارة.

غير أن السياق السياسي للمبادرة يكشف عن أبعاد أعمق؛ ففرنسا بعد انسحابها العسكري من مالي وبوركينا فاسو والنيجر تسعى إلى الحفاظ على نفوذ رمزي في القارة، عبر مشاريع ثقافية وتعليمية تحل محل القواعد العسكرية السابقة.

لكن المبادرة تواجه تحديات متصاعدة، أبرزها فقدان الثقة في النوايا الفرنسية، خاصة بين جيل الشباب الأفريقي الذي يرى في الخطاب الثقافي الفرنسي نوعًا من الاستعلاء أو التبعية المقنّعة.

كما أن تصاعد النفوذ الروسي والصيني والتركي، الذي يقدم مشاريع ملموسة في البنية التحتية والتعليم، يجعل التأثير الثقافي الفرنسي يبدو أقل جدوى على الأرض.

إعادة تموضع

التحول من القوة الصلبة إلى القوة الناعمة لا يمثل انسحابًا بقدر ما هو “إعادة تموضع” داخل فضاء النفوذ؛ فباريس تحاول إعادة صياغة علاقاتها بأفريقيا من خلال الرموز والمفاهيم بدلاً من الجيوش والاتفاقيات الأمنية.

غير أن فعالية هذه المقاربة مرهونة بمدى قدرتها على تجاوز إرث الماضي، وتقديم مضمون ثقافي حقيقي لا يخدم الهيمنة بقدر ما يعزز الشراكة المتكافئة.

يبدو أن فرنسا تراهن على فكرة “الاستيعاب الناعم” بدلًا من المواجهة، أي إعادة إدماج النخب الثقافية الأفريقية في دوائرها الأكاديمية والإعلامية، لضمان استمرار التأثير المعنوي في تشكيل الخطاب الأفريقي حول الهوية والعلاقات الدولية، إلا أن استمرار هذا النهج دون مراجعة نقدية عميقة يجعل من المبادرات مجرد واجهة ناعمة لتلميع صورة سياسية متآكلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى