عبر محاور إقليمية.. إعادة تشكيل إمدادات ميليشيا الدعم السريع

بعد نجاح سلاح الجو السوداني في استهداف طائرة شحن أثناء هبوطها في نيالا — القاعدة الرئيسية لقوات الدعم السريع في دارفور — تبيّن أن الاعتماد على جسر جوي مباشر لم يكن النهاية لمصادر الإمداد.
بدلاً من انقطاع التمويل، شهدت سلاسل التوريد تحولًا سريعًا إلى مسارات أكثر تعقيدًا عبر مطارات ومحطات وسيطة إقليمية، فيما لا يزال الذهب يشكّل العنصر الاقتصادي الحاسم الذي يتيح استمرار تدفق المرتزقة والذخائر والخدمات اللوجستية.
عايشت التحولات اللوجستية منظومة معقدة؛ فبدلاً من نقل الإمدادات مباشرة إلى نقاط الهبوط في دارفور، تمر الشحنات في الغالب أولًا عبر مطارات إقليمية وسيطة تقع خارج نطاق العمليات القتالية المباشرة، حيث تُعاد تعبئتها وتوزع بطرق تقلل احتمالات كشفها أو اعتراضها.
من أمثلة هذه المحاور تكرار استخدام مطارات على السواحل والطرق البرية في شرق ليبيا كنقاط انتقال، ثم وصولًا إلى معابر حدودية تستقبلها المليشيا.
إلى جانب العتاد، يتنقل عبر هذه السلاسل عناصر بشرية من مرتزقة ومقدمي خدمات أمنية، التكامل بين هذه الشبكات اللوجستية والأسواق التجارية أوجد آلية تمويلية متكاملة؛ فمناجم الذهب في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا تزود شبكات التهريب بكميات تُحوّل إلى سيولة تُستخدم لشراء أسلحة وذخائر وخدمات، بينما يقوم وسطاء تجاريون بتحويل المعدن وتسويقه في أسواق خارجية عبر واجهات وتسجيلات تجارية معقدة.
لذلك، إن هجمة جوية على طائرة أو إغلاق مطار محلي قد يعرقل مسارًا، لكنه لا يقطع الدورات الاقتصادية التي تغذّي الحرب ما لم تُستهدف قنوات تحويل العائدات ومراكز الاستخراج والتجميع نفسها.
اقتصاديات الحرب
الواقع يؤكد أننا أمام صراع لم يعد يعتمد فقط على القدرات العسكرية التقليدية بل على “اقتصاديات الحرب”؛ الذهب هنا يمثّل سلعة استراتيجية تُحوّل النزاع إلى نشاط اقتصادي مستدام لأطراف محلية وإقليمية.
الشبكات التي تدعم الميلشيا تتكيف بسرعة عبر تبديل المحاور، تجزئة الشحنات، واستخدام قنوات تجارية متعددة لتخفيف أثر العقوبات أو الاستهداف.
هذا يعني أن الحلّ لا يمكن أن يكون عسكريًا بحتًا؛ فالتأثير الحقيقي يتحقق عندما تُقترَن ضربات الحشد الجوي والعمليات البرية بإجراءات استخبارات مالية ومتابعة تجارية قادرة على تجميد العائدات وقطع المسارات التجارية التي تخدم التهريب.



