القاهرة تطالب واشنطن بالتدخل لمنع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا

حصلت “بوليتكال كيز | Political Keys” على معلومات خاصة تفيد بأن مصر طلبت من الولايات المتحدة التدخل لمنع البرلمان الليبي الشرقي من التصديق على اتفاقية بحرية مع تركيا.
وقال مسؤول مصري إن القاهرة قلقة من أن تصديق البرلمان الشرقي على الاتفاق، الذي وقّعته حكومة طرابلس المعترف بها دوليًا عام 2019، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط، خصوصًا في وقت تواجه فيه مصر تحديات إقليمية معقدة جراء الحرب في غزة وتصاعد الأزمة في السودان.
وأوضح مسؤولون مصريون وإقليميون أن وزير الخارجية المصري “بدر عبد العاطي” ناقش الأمر خلال مكالمة هاتفية جرت الشهر الماضي مع “مسعد بولس”، المستشار الأمريكي البارز للشؤون الإفريقية، وأكدوا أن بولس تعهّد بالاتصال بـ”خليفة حفتر”، الحاكم الفعلي لشرق ليبيا، للتباحث في هذه المسألة.
وتتوقع مصادر ليبية أن البرلمان الشرقي في طبرق، الخاضع لسيطرة حفتر، قد يصادق خلال الأسابيع المقبلة على الاتفاق البحري الموقع بين طرابلس وأنقرة عام 2019، وهو ما يمنح تركيا امتيازات اقتصادية واسعة في مناطق شرق البحر المتوسط، الأمر الذي ترفضه مصر واليونان بشدة.
وفي حين كانت الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا حينها قد وقعت الاتفاقية مع تركيا بدعم مباشر من أنقرة، سارعت اليونان للرد بتوقيع اتفاقية بحرية مع مصر، لكن التطور اللافت الآن هو أن حفتر، الذي كان يعارض الاتفاق البحري مع تركيا، أصبح قريبًا من تبنيه، رغم الضغوط المكثفة من القاهرة وأثينا.
وتشير معلومات إلى أن وزير الخارجية اليوناني “جورج جيرابتريتيس” من المتوقع أن يتوجه إلى بنغازي وطرابلس خلال أيام لمحاولة احتواء الأزمة.
في سياق متصل، تشعر القاهرة بقلق متزايد من التحركات التركية في ليبيا، خاصة بعد توقيع المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس اتفاقية مع شركة النفط التركية الحكومية “تباو” في حزيران/ يونيو الماضي، تسمح بإجراء مسوحات في أربع كتل بحرية، يرى المسؤولون المصريون أنها قد تنتهك المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر.
تحول إقليمي أوسع
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الخطوط الإقليمية التي نشأت بعد ثورات الربيع العربي عام 2011 بدأت تتلاشى، فبعد أن دعمت تركيا الحرب ضد قوات حفتر عبر إرسال أسلحة ومقاتلين لدعم حكومة طرابلس، أصبحت أنقرة الآن منفتحة على التعاون مع حفتر، وهو ما يشكّل تحولا لافتا في المشهد الليبي.
ففي حزيران/ يونيو الماضي، استضافت وزارة الدفاع التركية ثلاث بعثات عسكرية من “الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده حفتر، كما زار “صدام حفتر”، نجل القائد الليبي، العاصمة التركية أنقرة في نيسان/ أبريل، بعد زيارته إلى قطر.
وتقول مصادر مطلعة إن هذه الاتصالات المتزايدة بين صدام حفتر وأنقرة، بما في ذلك التعاون العسكري، تثير غضب القاهرة، وتتهم مصر صدام حفتر بالضلوع في غارة عبر الحدود داخل السودان وبمساندة قوات “الدعم السريع” ضد الجيش السوداني، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
ورغم أن مصر وتركيا على طرفي نقيض في الملف الليبي، إلا أن كليهما يدعم الجيش السوداني في معركته ضد “قوات الدعم السريع” المدعومة إماراتيًا، ما يكشف عن شبكة تحالفات إقليمية متداخلة وغير مستقرة.
اجتماع في العلمين
في خطوة لاحتواء الأزمة الليبية من منظور الأمن القومي المصري، استضاف الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” كلًا من “خليفة حفتر” و”صدام حفتر” في مدينة العلمين لمناقشة قضايا أمن الحدود المصرية-الليبية.
ورغم أن ليبيا ما تزال منقسمة بين ميليشيات ومؤسسات متنافسة، إلا أن البلاد لم تشهد حتى الآن عودة شاملة للقتال واسع النطاق.
ويُذكر أن الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة “دونالد ترامب” كانت قد احتفظت بعلاقات جيدة مع عائلة حفتر، حيث أجرى ترامب مكالمة هاتفية مع حفتر أثناء ذروة القتال في طرابلس عام 2019.
كما كشفت تقارير سابقة أن “صدام حفتر” زار واشنطن في وقت سابق هذا العام، حيث التقى “مسعد بولس” وعددًا من كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي.
السيناريوهات المحتملة
تعزيز النفوذ التركي مقابل مواجهة مصرية–يونانية
سعي خليفة حفتر لتبني الاتفاق البحري مع تركيا يعكس توجهًا لكسب دعم أنقرة في مواجهة حكومة الوحدة الوطنية الضعيفة في طرابلس، وفي حال تمت المصادقة على الاتفاق، سيعزز ذلك من نفوذ تركيا البحري في شرق المتوسط، ما سيؤدي إلى ردود فعل قوية من مصر واليونان؛ ما قد يقود إلى تصاعد الحراك الدبلوماسي وربما إلى تصعيد عسكري بحري محدود في المنطقة.
دبلوماسية ضغط مصرية–أمريكية–أوروبية
مصر طلبت من الولايات المتحدة التدخل المباشر للضغط على حفتر لمنع المصادقة على الاتفاق البحري، الأمر الذي يوحي بوجود تحالف دبلوماسي واسع بمشاركة واشنطن وأثينا بهدف عرقلة الاتفاق.
من المحتمل أن يؤدي التدخل الأمريكي إلى تهدئة الأزمة من خلال وساطة بين أنقرة وطرابلس، إلا أن استمرار الخلافات قد يبقي الأزمة مفتوحة إذا لم تستجب الأطراف للضغوط.
المصالحة التركية–المصرية وتأثيرها على ليبيا
التقارب الأخير بين مصر وتركيا يفتح آفاقًا للتعاون في ملفات إقليمية مثل ليبيا والسودان والقرن الإفريقي؛ إذ إنه من الممكن أن يتم توظيف هذا التقارب لتحقيق تسوية إقليمية أوسع، قد تشمل الحد من النفوذ التركي المنفرد في ليبيا، وصياغة إطار أمني مشترك في شرق المتوسط.
المصدر: بوليتكال كيز